نواب يغلقون مكتب رئيس المجلس ويطالبونه بالاستقالة
صعّد نواب الأغلبية البرلمانية في الجزائر من حدة خلافهم مع سعيد بوحجة، رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى بالبرلمان) أمس، بعد أن حاولوا منعه من دخول مكتبه، وذلك في مؤشر على تطور الخلاف، فيما أصبح يسمى «أزمة البرلمان»، التي اندلعت منذ شهر.
ورفض بوحجة مطلب خصومه بالتنحي، ووصف حركة الاحتجاج التي نظموها ضده بمبنى البرلمان بـ«غير القانونية». فيما رفضت «لجنة الشؤون المالية» بالمجلس الوطني، التي يقودها حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطني»، أمس، تسلم مسودة مشروع قانون المالية 2019، إيذاناً بتعطيل مسار المصادقة على موازنة الدولة، وذلك بعد أسبوعين من الموافقة عليها في اجتماع لمجلس الوزراء. وهي خطوة تعد، حسب عدد من المراقبين، تصعيداً غير مسبوق في الصراع الدائر بين نواب الأغلبية، وبوحجة الذي ينتمي إلى الأغلبية نفسها. وشارك في الاحتجاج برلمانيو ثلاثة أحزاب أخرى موالية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، هي «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحيى، و«تجمع أمل الجزائر» الذي يرأسه وزير الأشغال العمومية سابقاً عمر غول، و«الجبهة الشعبية الجزائرية» بقيادة وزير التجارة سابقاً عمارة بن يونس، زيادة على النواب المستقلين. وتسمى هذه الأطراف «مجموعة الموالاة»، وهم يمثلون أغلبية كبيرة بالبرلمان، بينما تمثل كتلتا «الإسلاميون» و«الديمقراطيون» أقلية، وتقف على الحياد في هذا الصراع بحجة أن ما يجري «شأن داخلي حزبي».
ولم يلتحق بوحجة بمبنى المجلس نزولاً عند نصيحة بعض الأصدقاء، بحسب مقرَبين منه، تفادياً لصدام كان متوقعاً مع خصومه. وصرح لصحافيين بأنه سيتابع قضائياً النواب الذين أغلقوا الباب المؤدي إلى مكتبه بالطابق الخامس.
ونشر ناشطون صور سلاسل بها أقفال، ظهرت بأبواب البرلمان وضعها النواب الغاضبون. كما صرح بوحجة بأن أمين عام «جبهة التحرير» جمال ولد عباس «يتصرف في البرلمان وكأنه قسم تابع للحزب». وشدد بوحجة على أن الاحتجاج ضده «غير شرعي قاده بلطجيون»، مشدداً على أنه لن يغادر منصبه «إلا إذا جاءني أمر من قصر الرئاسة».
تجدر الإشارة إلى أن الدستور ينص على «مبدأ الفصل بين السلطات»، أما في الممارسة، فالرئاسة هي من تختار رئيس الغرفة الأولى، وحتى الثانية «مجلس الأمة».
ويتهم نواب الأغلبية، بوحجة، بـ«سوء تسيير البرلمان»، و«توزيع مناصب المسؤولية والوظائف فيه، بناءً على مقاييس غير موضوعية». وقد اندلعت شرارة الصراع منذ أن عزل أمين عام البرلمان لأسباب مرتبطة بتسيير موازنته. واحتجت الأغلبية على ذلك بذريعة أن بوحجة لم يستشرها.
والحقيقة أن حساسية شخصية شديدة تجمع بوحجة وولد عباس، تفسر هذا الخلاف الحاد. وأعلنت «جبهة التحرير»، أول من أمس، إحالة بوحجة على هيئة التأديب، وهي خطوة تسبق فصله من صفوف الحزب. علماً بأن بوحجة ينتمي لصفوف «المجاهدين»، الذين شاركوا في «ثورة التحرير» (1954 - 1962)، ويحظى بدعم ثمين ولافت من «منظمة المجاهدين» التي تملك نفوذاً كبيراً في نظام الحكم.
وقال البرلماني الإسلامي ناصر حمدادوش إن عدد الذين شاركوا في الاحتجاج بالبرلمان «لا يتجاوز 50 نائباً، وكانوا يدّعون سحب الثقة (من بوحجة)، وهو عمل غير قانوني وغير دستوري». ووصف ما حدث بأنه «بلطجة غير مسبوقة في تاريخ العمل المؤسساتي للدولة، لم تحدث حتى في زمن الإرهاب... وهي حصيلة سلبية من الإنجازات الوهمية التي تغنوا بها، تكون نهايتها هذه الصورة المأساوية، لمن يُفترض فيهم أنهم إطارات سامية للدولة». وأضاف حمدادوش موضحاً: «الكلّ يتذكر تلك الدروس في الوطنية والتعقل، التي قدموها (نواب الأغلبية) لنقابات التعليم، وهي تمارس حقها النقابي الدستوري (في الإضراب)... وهي الكتل البرلمانية نفسها للموالاة، التي تمارس اليوم عملية اختطاف واغتيال ما تبقى من المؤسسة التشريعية... هي صورة مؤسفة، ومثَلٌ سيّئ لنموذج الأغلبية الحاكمة، وهي تصفّي حساباتها على ظهر الشّعب والوطن». ودعا حمدادوش إلى حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة «لكن إذا تمّ تنظيمها بالآليات والظروف نفسها، فإننا نتوقّع مهزلة أكبر، ومجلساً أسوء من هذه التركيبة المفبركة، وسندخل في مسلسل من عملية عبثية لا معنى لها».