ورقه سياسات وطنية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد والمخزون في الأردن
ورقه سياسات وطنية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد والمخزون في الأردن
كتب المهندس سعيد بهاء المصري
أولًا: السياق الوطني والتحدي العام
يُعدّ الأردن دولة مستورِدة بامتياز، حيث تُغطّي الصادرات ما يقارب نصف قيمة الواردات، ما يخلّف عجزًا تجاريًا مستمرًا ويُبرز هشاشة المملكة أمام اضطرابات التجارة الدولية. ومع أن المملكة تتمتع بموقع لوجستي مركزي، إلا أنها تعتمد على ميناء العقبة منفذًا بحريًا وحيدًا، مما يجعل أي خلل في البحر الأحمر أو قناة السويس خطرًا مباشرًا على الأمن الاقتصادي الوطني.
ويتزامن ذلك مع اعتماد المملكة على الواردات في قطاعات الغذاء، الدواء، الوقود، ومدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي، ما يجعل إدارة المخزون الوطني والاستيراد والتخزين والمسارات اللوجستية والتعاقدات التجارية الاستراتيجية قضية سيادية لا مجرد نشاط تجاري.
⸻
ثانيًا: الواقع الطاقي في الأردن
المصدر الأساسي للتزوّد بالطاقة الكهربائية في الأردن هو:
• الغاز الطبيعي المسال (LNG) المستخدم في محطات الكهرباء، وهو العمود الفقري لمنظومة الطاقة الوطنية.
• وفي حال حصول اضطرابات في واردات الغاز المسال، تُعزَّز المنظومة مؤقتًا باستخدام الفيول كخيار احتياطي، رغم كلفته المرتفعة.
• وتتزايد مساهمة الطاقة المتجددة (الشمس والرياح) في الشبكة الوطنية عامًا بعد عام.
• إضافة إلى الطاقة المنتَجة من الصخر الزيتي، والتي بدأت تشكل رافدًا محليًا متناميًا لاستقرار منظومة الطاقة وتقليل المخاطر الخارجية.
وبذلك يصبح أمن سلاسل إمداد الغاز المسال والمحروقات والطاقة المتجددة والصخر الزيتي جزءًا من مفهوم الأمن الاستراتيجي الوطني، تمامًا مثل الغذاء والدواء.
⸻
ثالثًا: التشخيص الوطني لسلاسل الإمداد والمخزون
• يمتلك الأردن سعات تخزين جيدة للقمح والشعير تصل إلى ما يقارب 10–12 شهرًا من احتياجات القمح و8–10 أشهر من احتياجات الشعير، مع التوجه إلى زيادتها لما يقارب 16 شهرًا.
• في المقابل، لا يزال المخزون الاستراتيجي في الدواء، الوقود، ومدخلات الصناعة والزراعة محدودًا أو غير مُدار ضمن إطار وطني موحّد.
• تعتمد المملكة على مسار بحري واحد تقريبًا عبر العقبة، ورغم توفر بدائل برية أو بحرية عند الضرورة (مثل: جبل علي، الدمام، ثم النقل البري) إلا أن ذلك يتطلب ترتيبات مسبقة وعقود شحن مرنة وإدارة مخاطرة متخصصة.
⸻
رابعًا: الإطار العام للحل
أفضل خيار وطني ليس الاكتفاء الذاتي، بل التحول من دولة مستورِدة سلبية إلى دولة تدير بذكاء الاستيراد والمخزون والمسارات اللوجستية والتعاقدات طويلة الأجل.
وتُترجم هذه الرؤية إلى أربعة محاور تنفيذية:
1.حوكمة وطنية موحّدة لسلاسل الإمداد والاحتياطيات
2.توسيع وتعميق المخزون الاستراتيجي الوطني
3.تنويع المصادر والمسارات وتحسين القدرة على المناورة في النقل والشحن
4.ربط التجارة الخارجية بالتبادل الاستراتيجي
⸻
خامسًا: الحَوْكمة – إنشاء «مجلس وطني لسلاسل الإمداد والمخزون الاستراتيجي»
التشكيل والمرجعية
يُنشأ مجلس وطني خفيف وفعّال يرتبط برئيس الوزراء، ويضم:
• وزارة الصناعة والتجارة والتموين
• وزارة الزراعة
• وزارة الطاقة
• وزارة النقل وهيئة تنظيم النقل
• سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة
• وزارة المالية والبنك المركزي
• ممثلين من القطاع الخاص (شركات لوجستية ومستورِدون كبار وغرف الصناعة والتجارة)
المهام المركزية
1.تصنيف الواردات حسب الخطورة والأهمية إلى أربع سلال:
• غذاء أساسي
• دواء ومستلزمات طبية
• وقود وغاز مسال
• مدخلات الصناعة والزراعة الحرجة
2.صياغة سيناريوهات طوارئ مكتوبة ومجرّبة:
• تعطّل العقبة
• تعطّل الغاز المسال
• انقطاع الأدوية أو سلع غذائية حساسة
• إعادة توزيع مسارات الشحن ومراكز التخزين
• اختناقات في سلاسل التخزين أو المناولة عبر الموانئ
3.توحيد القرار الوطني بين الوزارات، وتحديد آليات استجابة سريعة عند الأزمات، بدلًا من عمل كل مؤسسة بمعزل عن الأخرى.
⸻
سادسًا: توسيع وتعميق المخزون الاستراتيجي الوطني
1) الغذاء غير الحبوب
• زيوت نباتية، سكر، حليب بودرة، بقوليات
• تحديد مستوى احتياطي يكفي 6–9 أشهر للأصناف الحرجة.
2) الأدوية والمستلزمات الطبية
• وضع قائمة وطنية للأدوية الأساسية
• التنسيق مع المصانع الدوائية الأردنية لتوفير جزء من المخزون محليًا، واستيراد الباقي بعقود طويلة الأجل.
3) الوقود والغاز المسال
• تحديد حد أدنى من المخزون يكفي 60–90 يومًا
• اعتبار منشآت الغاز المسال والموانئ البديلة جزءًا من منظومة الأمن الوطني.
4) مدخلات الصناعة والزراعة
• لكل قطاع تصديري رئيسي، تحديد 3–5 مواد خام يجب ألا تنخفض تحت حد معيّن، مع مراقبة مستمرة.
آلية تمويل مبتكرة
• إنشاء صندوق دوّار للمخزون الاستراتيجي يُموَّل من:
• جزء من الموازنة
• قروض ميسرة ومنح مرتبطة بالأمن الغذائي أو الطاقي
• صكوك أو سندات وطنية موجّهة تحت بند "أمن غذائي وطاقة ودواء”
• إشراك القطاع الخاص عبر:
• إدارة المخازن
• مخزون إلزامي للسلع ذات الحساسية الوطنية
⸻
سابعًا: تنويع المصادر والمسارات
أ) تنويع الموردين
• الحبوب: توزيع الواردات بين البحر الأسود، أميركا الشمالية، أستراليا، وبعض المنتجين العرب عند توفرهم.
• السلع الغذائية والصناعية: تنويع الموردين بين آسيا، أوروبا الشرقية، وأميركا اللاتينية.
ب) تنويع المسارات
• العقبة تظل المنفذ الرئيسي
• ترتيبات مسبقة لاستخدام: جبل علي – الدمام – النقل البري عند الطوارئ
• ربط مشاريع الربط البري والسككي مع السعودية والعراق بمفهوم أمن الإمداد الوطني
ج) العقود المرنة مع شركات الشحن
• عقود تسمح بتغيير الميناء أو المسار دون غرامات مرتفعة عند الأزمات.
• آليات تأمين شحنات طويلة الأجل مع قابلية إعادة التوزيع الفوري.
⸻
ثامنًا: ربط الاستيراد بالتبادل الاستراتيجي
يمكن تحويل صادرات الأردن المحدودة إلى ورقة مناورة عبر:
1.اتفاقيات ثنائية تربط صادرات الفوسفات والبوتاس والأسمدة والأدوية بواردات غذاء أو طاقة أو دواء بأسعار تفضيلية
2.مراكز لوجستية في العقبة لتعبئة وتخزين وخدمات الشحن للسلع الاستراتيجية، مما يخفض الكلفة ويزيد القدرة التفاوضية.
⸻
تاسعًا: الرقمنة ومنظومة الإنذار المبكر الوطنية
المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات سيكون المرجعية الوطنية لجمع البيانات وإدارة لوحات المتابعة Dashboards وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر، وبناء خوارزميات تنبؤية تخص الغذاء والدواء والوقود والشحن، بالتنسيق المباشر مع دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، إضافة إلى قواعد البيانات المتاحة لدى القطاع الخاص.
مصادر البيانات الوطنية الداعمة
• دائرة الإحصاءات العامة (الطلب والاستهلاك والديموغرافيا والتضخم)
• دائرة الجمارك
• وزارة الصناعة والتجارة
• وزارة الزراعة
• وزارة الطاقة وشركات الغاز المسال
• سلطة العقبة الاقتصادية
• المستودعات الجمركية ومراكز التخزين
• المصانع الغذائية والدوائية
• شركات الشحن واللوجستيات والموانئ البديلة
مهام المنصة الوطنية
• قياس مستويات المخزون (بالأشهر)
• مراقبة الطلب المحلي
• تتبع الشحنات قيد الوصول والمسارات البديلة
• بناء نماذج إنذار مبكر للانقطاعات أو ارتفاع الأسعار العالمية
• دعم قرارات الحكومة الفورية في الطوارئ بناءً على بيانات موحدة
⸻
عاشرًا: مراحل التنفيذ
خلال 6–12 شهرًا
• تشكيل المجلس الوطني للإمداد والمخزون
• إسناد المرجعية المعلوماتية إلى المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات
• تحديث خريطة المخاطر للسلع الأساسية
• استكمال رفع مخزون الحبوب عند الحدود الآمنة
• إطلاق لوحة متابعة رقمية أولية
خلال 3–5 سنوات
• توسيع سلة الاحتياطي: غذاء + دواء + وقود + مدخلات صناعية
• تطوير مراكز لوجستية جديدة في العقبة والداخل
• ربط مشاريع النقل البري والسككي بأمن الإمداد
• تفعيل اتفاقيات تبادل استراتيجي مع دول تستورد من الأردن منتجات رئيسية
⸻
خاتمة سياساتية
تحقق هذه السياسة ثلاث نتائج حاسمة:
1.خفض هشاشة الأردن أمام الاضطرابات العالمية
2.تقليل مخاطر الأسعار والندرة عبر التبادل والتنويع والتخزين
3.رفع القدرة التنافسية للصناعة والتجارة عبر استقرار سلاسل الإمداد وكلفة الشحن
وتستند المنظومة المقترحة إلى:
حوكمة وطنية موحدة + مرجعية بيانات مركزية لدى المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات + تنسيق مع دائرة الإحصاءات والمؤسسات الحكومية + حلول تمويل مبتكرة للمخزون + شراكات تبادل استراتيجية دولية
كلمات دلالية :
وزارة الصناعة والتجارة والتموين نوزارة الزراعةوزارة الطاقةوزارة النقل وهيئة تنظيم النقلسلطة العقبة الاقتصادية الخاصةوزارة الماليةالبنك المركزي
