إنهاء الصراع العربي الأسرائيلي أو استمراره بيد الإدارة الأمريكية   |   سماوي يلتقي سلامة ولحود ويبحثان سبل التوأمة بين مهرجان جرش والمهرجانات اللبنانية   |   اللجنة التنفيذية لشؤون التربية والتعليم في 《الميثاق الوطني》تصدر توصيات حول نظام الثانوية العامة الجديد (نظام الحقول   |   شركة زين تطلق دليل إمكانية الوصول الشامل لتهيئة مبانيها ومرافقها للأشخاص ذوي الإعاقة   |   فعالية رياضية نوعية تشعل أجواء الحماس في جامعة فيلادلفيا   |   مذكرة تفاهم بين الضمان الاجتماعي والبوتاس العربيّة لتنظيم إجراءات تسديد الاقتطاعات المستحقة من رواتب المتقاعدين   |   ACY Securities تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة وتؤكد دورها في تطوير الأسواق المالية الأردنية والإقليمية   |   جهود الإعلام الأردني تعزز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع   |   مؤسسات المجتمع المدني وتحقيق مستهدفات التحديث الاقتصادي   |   أبوغزاله يعرض رؤيته لإصلاح الأمم المتحدة أمام دبلوماسيين من 30 دولة   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - مشرف أنظمه وشبكات في مركز الحاسوب.   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - فني صيانة الكترونيات في مركز الحاسوب.   |   ديانا كرزون تسحر الجمهور بأحدث أعمالها الغنائية 《دوخني》   |   ماذا على مؤسسة الضمان أن تفعل في المرحلة القادمة.؟    |   عمّان الأهلية تنظّم ندوة عن الصناعات الدوائية ويوما طبيا في عين الباشا   |   زين تدخل في شراكة مع المنتدى الدولي لأعمال الإعاقة كأول شركة اتصالات في المنطقة   |   مجموعة الخليج للتأمين – الأردن تعزز ريادتها في قطاع التأمين بعد فوزها بجائزة   |   شركة ميناء حاويات العقبة تكشف عن أبرز مؤشرات أدائها التشغيلي لشهر تشرين الثاني 2025   |   لجنة الاقتصاد والاستثمار في حزب الميثاق الوطني تبحث تعزيز بيئة الأعمال في العقبة   |   مشاركة واسعة في البطولة السعودية للهواة على ملاعب نادي ديراب للجولف   |  

الاقتصاد … شراكة بين القرار وتقوى المواطن


الاقتصاد … شراكة بين القرار وتقوى المواطن
الكاتب - د. نهاد الجنيدي

الاقتصاد … شراكة بين القرار وتقوى المواطن

 

الوطن بيت، لا تهدمه ضائقة ولا تزيله الشدائد، إنما يضعف إذا فقد أهله الانتماء، ولا يُعَمَّر إلا بسواعد مخلصة وفيّة. الوطن ليس متجرًا ننتظر منه العروض والتخفيضات، وليس بنكًا نصرف منه بلا رصيد.

 

قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]. وقال أيضًا: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3]. لاحظوا… قال: «يرزقه من حيث لا يحتسب»، ولم يقل: «يرزقه رئيس الوزراء» أو «يرزقه الوزير الفلاني». الرزق من الله، لكن البركة تأتي من تقوى العبد وإخلاصه في عمله.

 

 

 

ومع ذلك، نرى المشاهد اليومية تتكرر أمامنا بلا خجل: مواطن يشكو ضيق الحال، ثم ينفق ماله على ما لا ينفع، بينما أبناؤه يفتقدون الضروريات. أليس هذا عبثًا؟ ألم يقل الله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. التهلكة ليست قدرًا مفروضًا… إنها قرار شخصي نصنعه كل يوم.

 

 

 

تأمل في تفاصيل يومنا: موظف يضيع وقته في التذمر بدل العمل. تاجر يرفع السعر على السائح بأضعاف، ثم يصرخ أن السياحة “ماتت”. شاب يرفض عملًا شريفًا بحجة أنه “لا يليق به”، بينما آخر يجتهد ويصبر فيكسب رزقًا كريمًا. أب يبذر ماله على كماليات لا يحتاجها، بينما أطفاله يفتقدون ضروريات حياتهم. فهل هذه مصائب أنزلتها الحكومة بنا؟ أم هي نتائج خياراتنا؟

 

 

 

الأردن لا يملك نفطًا ولا غازًا، لكنه يملك كنوزًا أخرى: سياحة، خدمات علاجية، موقع فريد. رزقنا في ضيوفنا، لكننا أحيانًا نستقبلهم بالاستغلال بدل الكرم. فكيف نطلب بركة في اقتصادنا ونحن نطفئها بأيدينا؟ قال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه». كرم الضيف ليس عادة اجتماعية، بل اقتصاد وحياة.

 

ومن أمراضنا التي تنهش مجتمعنا الحسد والتذمر. جار يشتري سيارة فنقول: “من أين له هذا”. شخص يرتقي في عمله فنقول: “أكيد عنده واسطة”. متى نتوقف عن أكل بعضنا بالحسد؟ قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]. فبدل أن نشكر، نغتاب. بدل أن نعمل، نحسد. وهكذا نتراجع، لا لأننا فقراء… بل لأننا نرفض أن نرى فضل الله علينا.

 

 

 

أما البركة التي نضيّعها يوميًا، فهي في صلاة الفجر. قال النبي ﷺ: «اللهم بارك لأمتي في بكورها». لكننا نؤخر البركة إلى منتصف النهار، ثم نلوم الدنيا. كثير من الناجحين يبدؤون يومهم باكرًا، بينما اعتاد البعض تأجيل العمل إلى ما بعد الضحى، ثم يشكون قلّة الرزق. والحقيقة أن الرزق ليس قليلًا… لكنه يحتاج من يستيقظ ليأخذه.

 

 

 

القرآن أعطانا الوصفة الكاملة: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، وقال أيضًا: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. المعادلة في غاية البساطة:

تقوى + شكر + عمل = رزق + بركة.

فهل نحتاج معادلات اقتصادية أعقد من هذا؟

 

المتقون الذين وعدهم الله بالرزق والبركة لهم صفات واضحة: يؤمنون بالغيب، يقيمون الصلاة، ينفقون مما رزقهم الله (البقرة 2-5). ينفقون في السراء والضراء، يكظمون الغيظ، يعفون عن الناس، وإذا أخطأوا استغفروا ولم يصرّوا (آل عمران 133-136). يحيون الليل بالقيام والاستغفار، ويجعلون في أموالهم حقًا للسائل والمحروم (الذاريات 15-19). ويمشون على الأرض تواضعًا، يردون على الجاهل بسلام، ويتجنبون اللغو والمعاصي (الفرقان 63-76). هؤلاء هم من تبنى بهم الأمم وتزدهر الاقتصادات.

 

 

 

نعم، للحكومة دورها في وضع السياسات وتشريع القوانين وتوفير البيئة الملائمة، فهي توفّر الأرض… لكن من يزرعها ويجني ثمارها هو المواطن. وإذا اجتمع صواب القرار مع تقوى المواطن وإخلاصه، حينها تُبنى الأمم ويقوى الاقتصاد.

 

 

 

ومن باب الإنصاف، لا بد أن نعترف: الأردن بلا نفط ولا غاز، ومع ذلك واقف وصامد. عندنا تأمين صحي يغطي ملايين، وتعليم وجامعات يعرفها القريب والبعيد، وسياحة علاجية يقصدها الناس من كل مكان، وحريات نحمد الله عليها. وفوق هذا كله… الدينار الأردني، رغم كل التحديات، ما زال ثابتًا وقويًا. فإذا كان وطننا، بموارده المحدودة، قدّم لنا كل هذا، أفلا يجدر بالمواطن أن يقدّم بالمقابل شيئًا من الإخلاص والانتماء؟ أليس من الظلم أن نتذمّر ليل نهار، بينما الحقيقة أن الخلل الأكبر فينا نحن… في طريقة عملنا، في تعاملنا، في قلة تقوانا قبل أن تكون المشكلة في حكومتنا؟

 

 

الموارد قد تقل، الأزمات قد تشتد، لكن الكارثة الحقيقية ليست في قلة الموارد بل في فقدان الإخلاص. قال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». فالموظف راعٍ، والتاجر راعٍ، والأب راعٍ، والكل مسؤول. وإذا المواطن لم يتق الله في عمله وفي وطنه، فلن تنفعه أي حكومة ولا أي إصلاح اقتصادي.

 

الاقتصاد لا ينهار فقط لأن الحكومة قصّرت، بل ينهار حين يفقد المواطن تقواه وإخلاصه.

ولا يُبنى ويزدهر إلا بسواعد مخلصة.

 

فبلادي وإن جارت علي عزيزة… وأهلي وإن ضنّوا علي كرام.