نشرت مجلة "تايم" تقريرا أعده بريان بنيت، يتحدث فيه عن سبب غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمداهمة مكتب محاميه الخاص مايكل كوهين.
ويشير التقرير إلى أن سبب غضب ترامب نابع من اعتماده على كوهين ليتجاوز عاصفة ممثلة الأفلام الإباحية دانيالز ستورمي.
ويقول بنيت: "مع غروب شمس 9 نيسان/ أبريل، جمع الرئيس دونالد ترامب نائبه والقادة العسكريين البارزين ومستشار الأمن القومي على طاولة (الكابينت روم)؛ لمناقشة أهم القرارات التي سيتخذها، بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة: هل سيستخدم القوة العسكرية ضد تهديد أجنبي؟ وزعم أن الحكومة السورية في دمشق استخدمت السلاح الكيماوي في بلدة قرب العاصمة، وقتل فيها 40 مدنيا بريئا، بشكل خرق فيه القانون الدولي، واجتاز الخط الأحمر الذي رسمه دونالد ترامب العام الماضي".
وتستدرك المجلة بأن الرئيس كان يفكر في أمر آخر، حيث قال: "لقد سمعت أنهم حطموا مكتب أحد محامي الشخصيين"، وتحدث دون سؤال، وذلك بعدما سمح للصحافيين بدخول الغرفة، وأضاف متذمرا: "هنا نحن نتحدث عن سوريا.. وأنا أواجه التصيد الدائم"، وكان جنرالاته جامدين، حيث بدأ صرخاته المذهلة ضد أهم قوة حفظ نظام في أمريكا، مكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي آي"؛ لأن محققيه داهموا مكتب كوهين وغرفة في فندق، ووصف ترامب المداهمة بـ"العار" وبأنها "هجوم على بلدنا".
ويجد التقرير أنه "كالعادة، فإنه لم تكن لدى ترامب المعلومات الكاملة عن المداهمة، التي تمت بموافقة من قاض فيدرالي، لكنه استمتع في اللحظة، خاصة أنه من النادر قيام سلطات القانون بتفتيش مكتب محام للبحث عن أدلة جريمة، والأندر قيامها بمداهمة مكتب محام يعمل للرئيس".
ويكشف الكاتب عن أن المداهمات كانت متعلقة بقيام محامي ترامب والمرتب الدائم للرئيس بتقديم مال للممثلة الإباحية ستيفان كليفورد، التي تقوم بإداء أدوارها تحت اسم "ستورمي دانيالز"، وتزعم أنها أقامت علاقة جنسية برضاها مع ترامب في عام 2006، بالإضافة إلى أن المداهمة مرتبطة بدور كوهين في ترتيب صفقة بين "أمريكا ميديا إنك"، التي تصدر مجلة "ناشونال إنكويير" وكارين ماكدوغال، التي اختيرت عام 1998 شخصية العام لـ"بلاي بوي"، التي قالت لأصدقائها إنها أقامت علاقة جنسية مع ترامب في الوقت ذاته.
وتجد المجلة أن "ما بدا كأنه ملحمة غير منطقية في حياة هذا الرجل العام، الذي خرق التقاليد، تحول إلى ملحمة قانونية وسياسية، وكما قادت قضية التحرش بباولا جونز لمحاكمة بيل كلينتون، وفتح (أف بي آي) التحقيق في رسائل هيلاري كلينتون، فإن التاريخ الشخصي لترامب يهدد رئاسته، ففي السياسة كما في الحياة، فإن السقوط من عل يبدأ من الجذور أو (الشر من شرارة)، حيث يقول المؤرخ السياسي في جامعة برنستون جوليان سيزلر: (هو رئيس محاصر)".
ويبين التقرير أنه من غير المعلوم إذا كانت المداهمة التي تمت على مكتب كوهين مرتبطة بالتحقيقات الأوسع التي يقوم بها روبرت مولر، بشأن علاقات محتملة بين حملة ترامب وتدخل روسي فيها، إلا أن الخبراء القانونيين كلهم متفقون على أن منح قاض فيدرالي أمرا بمداهمة مكتب محام، علاوة على كونه محامي الرئيس، يعني أن هناك دليلا كبيرا يرغب "أف بي آي" بالكشف عنه، مشيرا إلى أن قائمة الجرائم المحتملة تشمل، بحسب تقرير "واشنطن بوست"، على خروقات مالية للحملة، ودفع أموال، وتزوير مصرفي، وتزوير إلكتروني، وهو ما ينفيه كوهين ومحاميه.
ويعلق بنيت قائلا إن "هذا كله نوع من السيرك الذي يدور حول أقوى رجل في العالم، فهو يقرر مصير الملايين، وفي شهر نيسان/ أبريل يواجه سلسلة من الأزمات المتعددة، فشن ترامب حربا اقتصادية مع الصين، التي ستترك آثارها على حياة الملايين من الأمريكيين، وفي غضون أسابيع سيلتقي وجها لوجه مع ديكتاتور كوريا الشمالية، الذي يهدد بتدمير واشنطن، وفي الوقت ذاته يتقدم تحقيق مولر، وسيزداد الحريق اشتعالا مع ظهور كتاب مدير (أف بي آي) السابق جيمس كومي في 17 نيسان/ أبريل".
وتفيد المجلة بأنه في الوقت الذي يتفاخر فيه أنصار الرئيس بما حقق من إنجازات، مثل التخفيض الضريبي بقيمة 1.5 تريليون دولار، وزيادة نمو الاقتصاد، والصفقة الجديدة مع كوريا الجنوبية، إلا أن المقربين منه يشعرون بالخوف من طريقته التي تفاقم الأزمات، فعندما سئل إن كان سيعزل مولر، فأجابت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة هاكبي ساندرز قائلة: "بالتأكيد يعتقد أن لديه السلطة"، فيما قال ترامب: "لماذا لا أعزل مولر، حسنا، إن ما يحدث هو عار، سنرى ماذا سنفعل"، وتحدث عن عمل هذا، وفكر بعزل وزير العدل جيف سيسشنز؛ بسبب إخراجه نفسه من التحقيق الذي يجريه مولر، بالإضافة إلى أنه فكر بعزل نائبه رود روزنستاين، المسؤول الذي تعطيه التنظيمات الصلاحية لعزل مولر.
وينوه التقرير إلى أنه عندما قام ترامب بتأجيل رحلته لأمريكا اللاتينية، فإن مساعديه قالوا إن القرار بسبب سوريا، لكن مساعدين آخرين قالوا إنه من أجل التفكير بما سيفعله مع تحقيق مولر.
ويرى الكاتب أنه "لو تحرك الرئيس ضد مولر أو أي من المسؤولين معه، فإن ذلك سيكون بمثابة تحول تاريخي مثير، وسيكون النسخة عن (سكاكين ليلة السبت) في عهد نيكسون، التي لم تقد المحققين للكشف عن تعاملات مالية غير قانونية مع الروس، لكن مزاعم ممثلة إباحية، التي قام كوهين بتنظيم عملية دفع مالي لإسكاتها؛ ليدفن تفاصيل علاقتها مع الرئيس، ويقول أنصار الرئيس إن عزل مولر سيكون له منطقه، ويأتي بعدما شعر الرئيس أن المحقق الخاص أبحر بعيدا عن الهدف الأصلي الذي كلف به".
وتقول المجلة إن "فضائح ترامب مع النساء تظل أمرا معروفا، حيث انتخب بعدما استمع الناخبون لأشرطة فيديو عام 2005 عن ترامب وهو يتحدث بفخر عن تقبيله النساء ولمسهن، وبعدما كشفت 19 امرأة عن قضايا تحرش وإساءة ضدهن، (ويعتقد أن الأشرطة عن الاتهامات المزعومة من الأمور التي اهتم بها المحقق الخاص مولر من مداهمته لمكتب كوهين)، لكن ما كشف عنه هو محاولات حاشية ترامب التكتم على علاقاته، وقتل أي دعوى قانونية ضد الرئيس ومن حوله".
ويورد التقرير نقلا عن كليفورد، قولها إنها قابلت ترامب عام 2006 في مباراة غولف في بحيرة تاهو، حيث حضرت بأجر مدفوع، وركب الاثنان عربة غولف قبل أن يدعوها ترامب إلى الفندق، كما قالت كليفورد في عام 2011 في مقابلة مع "تاش ويكلي"، التي نشرت في كانون الثاني/ يناير، وبعد أن مارسا الجنس، وعدها ترامب مرارا بأنه سيعطيها مكانا في برنامج المتدرب للنجوم، فيما كانت زوجته ميلانيا قد وضعت ابنهما بارون، وقالت كليفورد في مقابلتها مع برنامج "ستون دقيقة" في الشهر الماضي، إن رجلا تقدم منها وهي في موقف سيارات في لاس فيغاس عام 2011، وهددها جسديا قائلا: "اتركي ترامب وحده.. انس القصة"، حيث أنكر كوهين أن تكون له علاقة بالتهديدات.
ويشير بنيت إلى أن الممثلة وعارضة الأزياء ماكدوغال قالت إنها قابلت ترامب عام 2006، عندما كانت تقوم بتصوير حلقة من المتدرب للنجوم في قصر لمجلة "بلاي بوي" في لوس أنجلوس، وطلب ترامب رقمها، كما قالت في مقابلة مع "سي أن أن" التي وصفت تفاصيل علاقتها التي استمرت 10 أشهر مع ترامب، واعتقدت أنها تعيش علاقة حب معه "دائما ما قال لي إنه يحبني"، وقالت ماكدوغال، المدرسة في مرحلة الروضة قبل أن تصبح عارضة، إنها منحت صوتها لترامب في عام 2016، وبأن علاقتها معه تمت من خلال حراسه، وفي إحدى المرات دعاها ترامب إلى شقته في مانهاتن، وقالت إن الزيارة جعلتها تشعر "بالذنب، مذنبة جدا"، وهو ما أقنعها بفسخ العلاقة.
وتستدرك المجلة بأنه رغم نفي ساندرز المزاعم، إلا أن محامي ترامب الشخصي تورط في الأمر كما يزعم، ويعمل كوهين مع ترامب منذ عام 2006، عندما عين نائبا للمدير التنفيذي لمنظمة ترامب والمستشار الخاص لها، واستقال بعد انتخاب ترامب رئيسا ليصبح محاميه الخاص، وكان يحب أن يؤدي دور الرجل القاسي، ففي عام 2015 هدد كوهين مراسلا كتب تقريرا عن طلاق ترامب من إيفانا، قائلا: "احذر، كن على حذر.."، بحسب موقع "ديلي بيست"، وقال: "لأن ما سأقوم بعمله لك سيكون مثيرا للاشمئزاز".
وبحسب التقرير، فإنه قبل أشهر من الانتخابات دفعت "أمريكان ميديا إنك"، التي يديرها صديق ترامب، ديفيد بيكر، إلى ماكدوغال مبلغ 15 ألف دولار، حيث اشترت قصتها التي لم تنشرها أبدا، وكان الدفع محاولة تعرف في عالم الصحافة الشعبية بـ"امسك واقتل"، حيث تشتري الصحيفة القصة ولا تنشرها، ويعتقد أن كوهين كان يعرف عن هذه الصفقة.
ويذكر الكاتب أن صحيفة "وول ستريت جورنال" كشفت عن المبلغ المدفوع، لافتا إلى أن كليفورد قدمت دعوى قضائية ضد ترامب, حيث اتهمته بأنه لم يوقع العقد, وتتهم كوهين بخرق شروط العقد عندما قدم معلومات للإعلام, ومن هنا كان محققو "أف بي آي" مهتمين عندما طرقوا باب كوهين بوثائق عن أي أموال أو ترتيبات قدمها كوهين لكليفورد وماكدوغال.
وتبين المجلة أنه لو ثبت أن المبالغ دفعت لمساعدة ترامب على الفوز فإن ذلك سيكون خرقا لقوانين تمويل الحملات الانتخابية، مستدركة بأن مشكلات كوهين أعمق، فالمحققون مهتمون بالكشف عن تزوير مالي، وإن ثبت فإن المحامي الخاص سيواجه سجنا لمدة 30 عاما.
ويفيد التقرير بأن كوهين عمل لعقود على تعاملات مالية لترامب، وحقيقة بحث المحققين عن اتصالاته مع ترامب أمر يثير قلق الرئيس، الذي يواجه تحديا من مولر، لكن جبهة كوهين تعد تحديا جديد له.
وينقل الكاتب عن البروفيسور جوناثان تيرلب من جامعة جورج واشنطن، قوله إن التحقيقات مع كوهين قد تؤدي إلى تحقيقات جديدة، فهي مثل الطعم الذي قد يدفع ترامب للتحرك ضد مولر أو وزارة العدل، وربما قادت إلى محاكمته، أو محاولة إعاقة مسار القضاء.
وتقول المجلة إن الرؤساء عادة لا يواجهون قضايا تتعلق بخيانات زوجية ولا مع نجمات أفلام إباحية، وتعتقد أن ترامب ملام على ما حدث له، فلو حصل على النصيحة القانونية المناسبة لتم دفن هذه الأمور، لكنه فاقم في كل مرحلة من الأمور، ففي 6 نيسان/ أبريل وعلى متن الطائرة الرئاسية من ويست فيرجينيا، أخبر الصحافيين أنه لا يعرف شيئا عن الاتفاق بين محاميه والممثلة الإباحية.
ويلفت التقرير إلى أن ترامب يواجه إمكانية الإطاحة به بسبب التحقيق الروسي، ويرى المحيطون به أن عليه ألا يتحدث كثيرا، لكن ترامب لم يعد لديه الكثير من المستشارين الذين يحذرونه ويدعونه للحيطة، ففي 29 آذار/ مارس رحلت مديرة اتصالاته هوب هيكس، وتبعها مستشاره للأمن القومي أتش آر ماكماستر، ومستشاره للأمن الداخلي توم بوسيرت، وقبله وزير الخارجية ريكس تيلرسون، مشيرا إلى أن هناك حديثا عن عزل رود روزنستاين ومدير طاقمه جون كيلي، فيما يلوم ترامب وزير العدل سيسشنز لأنه أخرج نفسه من التحقيقات، ففي اعتقاد ترامب أنه لو لم يقرر سيسشنز الخروج من التحقيقات لما عين روزنستاين المحقق الخاص مولر، وبعد المداهمات على مكتب كوهين فإن الكثير من الجمهوريين يرون أن عزل مولر الآن سيكون "انتحارا".
وتختم "التايم" تقريرها بالقول: "منذ ليلة الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، تساءل معارضو ترامب السياسيون والفلاسفة حول المدة التي سيبقى فيها ترامب في السلطة، ومن توقعوا أنه لن يعمر طويلا شعروا بالانزعاج لاستمراره، فبعد هذا كله فهنا رجل تحدى التقليد والنقد، ووصل إلى أعلى منصب في البلاد، ولا تنس أنه قضى عقودا يشحذ قدراته بصفته شخصا مستفزا للإعلام، فشخص مثله لديه مهارة استخدام الإثارة والتضليل والتحريض خلال الخمسة عشر شهرا لصالحه، إلا أن عرض الواقع الذي يقوم به ترامب أصبح يتصادم مع الحقيقة أكثر من أي وقت مضى".