مصدر صحي: نصف مليون غزي قد يموتون في هذه السنة
في البداية يجب عليّ التوضيح: لا أنوي التوجه إلى ضمائر القراء ليعملوا شيئاً يتعلق بالنصف مليون غزي الذين يتوقع أن يموتوا. ولا أنوي أيضاً تهدئة القلوب أو ذرف الدموع. ولا أريد الشفقة مثل متسولين أو ممن يطرقون باب الأغنياء، من أجل الذين ماتوا أو الذين سيموتون. للأسف، المحيط هنا غريب ومنغلق.
لا أريد من أحد أن يغضب، فأنا على ثقة، حسب تجربتي الصعبة، بأن أي دعوة، باستثناء التعاطف على الأغلب، سيرد عليها بنداءات غاضبة وهجمات مضادة، سواء بقول "جلبوا ذلك لأنفسهم” أو "لا مشاعر لديّ تجاههم”، أو بردود أسوأ. قسوة النفوس هذه تسيطر على كثيرين هنا. أي كلمة تعاطف مع الآخر تعدّ خيانة يجب على المسؤولين عن الأخلاق إسكاتها أو حذفها. فلماذا أطلب تضييع الوقت والجهد على المكان الخطأ؟ إذا كان هناك من يندب سوء مصيره ويبكي لحظه السيئ كونه يعيش في محيط شرق أوسطي متوحش وليس في محيط إسكندنافي في رفاهية، سأضطر أن ألفت انتباهه إلى أنه هو من اختار هذا الواقع لنفسه.
وبتعبير أكثر دقة، يمكن القول إنه من المفروض أن نبكي على مصيرنا. لماذا اختار الله اليهود كي يحتلونا؟ لماذا لم يختر الإسكندنافيين لاحتلالنا. فهؤلاء على الأقل لا يدعون باسم "إرث الأجداد” و”قبور الأبرار” و”تخليص الأرض”.
عودة إلى العنوان. لماذا أكتب إذا لم تكن عندي طموحات كبيرة؟ يدور الحديث هنا عن عادة إنسانية قديمة، وهي عدم كبت الألم، بل يجب الصراخ مثلما غنت المطربة اللبنانية فيروز: يا صوتي يلي طاير خبرهم علّي صاير بلكي بيوعى الضمير. إذا كان الأمر هكذا فإليكم النبأ الصادم: رئيسة قسم الصحة العامة في جامعة أدنبرة، البروفيسورة ديبي سردهار، التي تتابع ما يحدث في غزة، حذرت في مقال نشرته في "الغارديان” البريطانية بأنه إذا لم تحدث انعطافة دراماتيكية في غزة، فإن ربع السكان هناك، نصف مليون شخص، سيموتون هذه السنة؛ لأسباب صحية، لأن المنظومة الصحية في القطاع انهارت. نصف مليون شخص متوفى في المستقبل في غزة، بمقارنة نسبية مع عدد سكان دول أخرى، هو مثل 2.5 مليون إسرائيلي و75 مليون أمريكي. أي أن الـ 22 ألف شخص الذين قتلوا في عمليات القصف الأولى هم، عفواً على التعبير، مبلغ تافه مقارنة بما ينتظرنا. هم مقدمة للكارثة التي بدأنا نشعر بها بشأن القطاع. لا يجب الانتظار كثيراً، لأننا نشاهد في هذه الأثناء نتائج الدمار في القطاع، الذي يشبه جهنم أكثر مما يشبه أي مكان على الكرة الأرضية. والروح اليهودية الهائمة التي تصل إلى مكان بعيد في العالم من أجل مساعدة الشعوب التي تتعرض للكوارث الطبيعية، تختار الآن الاستراحة عندما تحدث كارثة إنسانية على بعد مرمى حجر منها، بل من أكبر الكوارث التي شهدها العالم في القرن الحالي.
رغم ذلك، هناك حتى من لا يكفيه كل هذا الحصاد المبارك. شخصية رفيعة اسمها عميحاي إلياهو، لا يستبعد إلقاء قنبلة نووية لتدمير غزة، مرة وإلى الأبد. وتسفي يحزقيلي، محلل الشؤون العربية "يكتفي” بتصفية 100 ألف فلسطيني، لكنه لا ينسى التحفظ والتأكيد على أنها ليست سوى البداية- الضربة الأولى، أما التتمة فآتية بالطبع. بحساب بسيط، إذا كان الـ 22 ألف قتيل الأوائل مع كل هذا الدمار الذي يحيط بهم، يمكن أن يصل عددهم في النهاية إلى نصف مليون قتيل حسب طموح يحزقيلي، ففي السنة القادمة سيموت 2.5 مليون شخص، هكذا نكون قد استكملنا الحصة (2.3 مليون نسمة) إضافة إلى الفائدة. سيتم محو غزة نهائياً. لن ترى لاحقاً أو يسمع بها أحد. سيطبق صمت فوق هذه الهاوية. وستمسي غزة النابضة بالحياة أرضاً للموتى.