شكت المعلمة لارا الرشدة من إنهاء خدماتها بعد إصابتها بمرض التصلب اللويحي في رِجلها اليسرى، وكان ذلك بعد خدمة دامت 17 عاماً في إحدى المدارس الحكومية.
كانت الرشدة معلمة لغة إنجليزية ورتبتها معلم أول، في مدرسة بمنطقة إسكان الجمارك في العاصمة عمان، وتعطي الحصص في أكثر من طابق، "كنت أطلع وأنزل على الدرج، في كل مرة أتحرك فيها أشعر بصعوبة وحركة بطيئة، وجاءتني هجمة المرض لأول مرة في تشرين الأول عام 2021، أثناء تواجدي في المدرسة، وبعدها بثمانية أشهر، في نهاية حزيران الماضي، أحالوني إلى المعلولية".
وعندما ذهبت إلى المستشفى، أخبرها الطبيب أنها تعاني من نقص بعض الفيتامينات، ووصف لها أدوية تتناولها لمدة شهر، لكن حالتها لم تتحسن، بل ازدادت سوءا، فذهبت إلى طبيب آخر ليخبرها بعد إجراء حزمة من الفحوصات، أنها تعاني من مرض "التصلب اللويحي"، وأنه يمكن أن تتحسن حالتها، ونصحها أن تأخذ إجازة ولا تترك عملها.
وبعدها لم تستطع العودة إلى المدرسة، فطلبت إجازة ثلاثة أشهر، وفي أثناء ذلك كانت لجنة طبية تتابع حالتها بتوصية من مؤسسة الضمان الاجتماعي، وبعد انتهاء الإجازة، أخبرتها اللجنة أنها لا تستطيع العمل وسيتم إنهاء خدماتها واحتساب راتب "المعلولية".
واقترحت الرشدة على اللجنة الطبية أن تأخذ إجازة بدون راتب لكنها قالت لها أن تترك العمل لأن إجازاتها انتهت، "لم أستطع متابعة الأمر بسبب حالتي الصحية، أو حتى الاعتراض وتوكيل محام لرفع قضية، كما أن أحد معارفي أخبرني أن القضية دروبها طويلة وليس مؤكدا أن أكسب القضية".
وتبيّن الرشدة بأن اللجنة ترى أن لا شفاء من مرضها ولا تستطيع العودة للعمل، "أنا عمري 44 عاما، ولم وبقي لي عشر سنوات كي أصل إلى سن التقاعد، وإنهاء خدماتي ظلم كبير تعرضت له، في وقت كنت أحتاج لمساعدة".
وبعد احتساب راتب المعلولية، اقتطع من راتبها 120 دينارا، وأخبرت الرشدة اللجنة أن الراتب قليل وظروفها المعيشية لا تسمح بأن يقل الراتب، فهي مطلّقة ومسؤولة عن ابنها الذي يدرس في الجامعة، "راتبي كان 540 دينارا وبعد المعلولية أصبح 420 دينارا".
وتقول الرشدة: "أحتاج من يساعدني، أشعر بضغط نفسي كبير، وإنهاء خدماتي زاد الطين بلة، لا أريد الجلوس في المنزل، فأنا قادرة على العمل برجل واحدة، وكأنني لست إنسانة عملت بجد سنوات طويلة في المدرسة".
ماذا يقول الخبراء؟
الناطق السابق باسم نقابة المعلمين نور الدين نديم يقول في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن النقابة لطالما سعت لإيجاد نظام خدمة مدنية مميز أقرب إلى العدالة والشفافية يتفهم أن يكون الموظف لائقاً صحياً للعمل.
ويوضح أن الموظف وهو بكامل لياقته الصحية، لا يكاد يتمكن من تحمل تكاليف الحياة وكفاية نفسه وأسرته، ويلجأ للعمل الإضافي أو وظيفة مسائية أخرى ليتمكن من تغطية تكاليفه المعيشية، فكيف إذا أصابه مرض أقعده أو أعجَزه، فهو بحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام، وذلك لأبعاد نفسية وأخرى مادية.
وينبه إلى أن المعلم "ليس آلة؛ وإنما هو بشر ومن الطبيعي أن يتعب أو يمرض، وهناك حالات مرضية لا تُعجز المعلم أو تقعده، وإنما بحاجة لمغادرات وإجراء الفحوصات، بحيث لا تؤثر على سير العملية التعليمية ولا تضر بمصلحة الطالب، ولا مبرر للاستغناء عن خدماتهم".
ويذهب إلى أن بعض المعلمين لا يرغبون بترك وظيفتهم، ليس فقط لأسباب مادية وإنما لحاجتهم النفسية لاستشعار بقائهم على قيد الإنتاج والقدرة، وأن مرضهم لا يحتاج من رب العمل سوى تفهم حالتهم الصحية ومراعاتها، وأنهم على استعداد على أن يجوروا على أنفسهم ويبذلوا كامل وسعهم لأداء واجباتهم الوظيفية على أكمل وجه.
ويشير نديم إلى أن المدارس الحكومية أكثر حماية لحقوق الموظفين من المدارس الخاصة، فهناك مراعاة إنسانية بين الموظفين، تقوم المدرسة برفع كتاب للوزارة يفيد بعدم قدرة المعلم على الوقوف أو صعود الدرج، "حالات إنسانية يجري تفريغها بالكامل أو إعطاء نصاب جزئي أو التدريس بالطوابق الأرضية في المدرسة والإعفاء من الوقوف في الساحات أو تحويلها لمسمى إداري أو أمين مكتبة أو قيّم مختبر".
ويشدد على ضرورة توفير تشريع يحمي المعلم، وبخاصة في المدارس الخاصة، ويفصّل آلية التعامل حال المرض، بطريقة تحفظ كرامة المعلم وحقه في العمل ما دام قادرا، وحقه في راتب يسد احتياجاته.
بينما يقول الخبير بالتأمينات الاجتماعية والناطق السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي في حديثه إلى "المرصد العمّالي"، إنه لا يجوز إنهاء خدمات أي موظف في القطاع العام لأسباب صحية، إلا بعد صدور قرار من المرجع الطبي في مؤسسة الضمان بانطباق مفهوم العجز الطبيعي الدائم على هذا الموظف.
وعلى ضوء إصابة الرشدة أثناء تواجدها في المدرسة، يوضح الصبيحي أن الإصابة تُكيف بوصفها "إصابة عمل" وتتكفل مؤسسة الضمان الاجتماعي بالعناية الطبية اللازمة، وإذا نتج عن الإصابة عجز أقل من 30 بالمئة تستحق تعويضاً من دفعة واحدة، أما إذا زاد عن 30 بالمئة فتستحق راتبَ اعتلالِ العجز الإصابي.
وبدورها تقول رئيسة جمعية التصلب اللويحي المتعدد إيمان سلامة، في حديثها إلى "المرصد العمّالي"، إن التصلب اللويحي هو مرض مزمن، يتعرض المصاب من خلاله إلى هجمات في أحد أجزاء جسمه، ويصيب الفئات العمرية بين (30 إلى 50) عاماً.
وتوضح أنه لا يمكن الشفاء كلياً من المرض، والأدوية تخفف من الهجمات التي يتعرض لها المصاب، وأن المرض يحتاج إلى رعاية نفسية خاصة إلى جانب الأدوية، كي يصل إلى حال من الاستقرار.
وتشير إلى أن المرض لا يمنع المصاب من العمل، وأن المصاب بحاجة إلى إجازة لتتحسن حالته الصحية، "لا يجوز إنهاء خدمات أي شخص أصيب بالمرض، أنا مصابة بهذا المرض وأقوم بوظيفتي رئيسة للجمعية على أكمل وجه، وعلى أصحاب العمل أن يتعاملوا مع المصاب ويراعوا حالته النفسية جيّدا".
وفي تصريح سابق لممثل الجمعية الأردنية للدماغ والأعصاب في الأردن الدكتور موريس دحدله، خلال فعاليات المؤتمر الدولي لمرض التصلب اللويحي، الذي انعقد في عمّان عام 2016، يبيّن بأن عدد المصابين بالمملكة بمرض التصلب اللويحي يُقدر بنحو خمسة آلاف مصاب، ثلثاهم من الإناث