أرفض أن أكون رمادياً من قرطاج
أرفض أن أكون رمادياً من قرطاج
بقلم الأستاذة :سماح أبوخلف
في تاريخ البشرية، هناك العديد من القصص التي تُظهر العواقب الوخيمة لعدم التحرك والسلبية المجتمعية. إحدى هذه القصص المأساوية هي قصة مدينة قرطاج العريقة، التي ظلت على الحياد وتراخت حتى ضاعت منها البلاد.
كانت قرطاج، المدينة الفينيقية العظيمة، تقع على الساحل الشمالي لأفريقيا بالقرب من تونس الحديثة. تأسست في القرن التاسع قبل الميلاد، وأصبحت واحدة من أعظم مراكز التجارة والنفوذ في البحر الأبيض المتوسط. بفضل موقعها الاستراتيجي وثروتها التجارية، ازدهرت قرطاج وأصبحت مركزًا للثقافة والعلم والقوة العسكرية.
في القرن الثالث قبل الميلاد، دخلت قرطاج في سلسلة من النزاعات مع الجمهورية الرومانية، المعروفة بالحروب البونيقية. استمرت هذه الحروب لعدة عقود، وكانت تتسم بالصراع العنيف والتنافس الشرس على السيطرة في المنطقة.
بعد الهزيمة في الحرب البونيقية الثانية، بدأت قرطاج تتراجع وتفقد قوتها تدريجيًا. اختار الشعب القرطاجي الحياد والانسحاب من المواجهة المباشرة مع روما. والمحافظه علي تجارته وممتلكاته بدلاً من الاستعداد والتجهيز لمواجهة جديدة، ركزوا على التجارة والازدهار الاقتصادي معتقدين أن بإمكانهم تجنب الحرب القادمة بعدم التخطيط والمشاركه
لكن روما، التي لم تنسَ تهديد قرطاج السابق، كانت تُخطط لتدمير المدينة نهائيًا. عندما بدأت الحرب البونيقية الثالثة في عام 149 قبل الميلاد، كانت قرطاج غير مستعدة تمامًا. حاولت المدينة الدفاع عن نفسها، ولكن كان الأوان قد فات. بعد حصار طويل وصعب، استطاع الرومان اقتحام المدينة في عام 146 قبل الميلاد.
تم تدمير قرطاج بالكامل، وتم إحراقها وتسويتها بالأرض. قُتل العديد من سكانها، وتم بيع البقية كعبيد. لم يبقَ من قرطاج إلا الأطلال، واختفى أثرها كقوة عظمى في التاريخ.
تاريخ قرطاج يعلمنا أن الحياد في الأوقات الحرجة يمكن أن يكون كارثيًا. يجب على المجتمعات أن تكون مستعدة للدفاع عن نفسها، وأن تتخذ خطوات فعّالة للحفاظ على قوتها ووحدتها. الوحدة والتلاحم ومشاركه العمل الوطنى والعمل الجاد هي السبل الوحيدة لتجنب مصير مشابه لقرطاج .
الشعب الرمادي، والحيادى الذي لا يشارك وطنه بحركة واضحه ،رغم هدوئه الظاهر، يشكل خطرًا كبيرًا على تقدم المجتمع. ولكن من خلال تعزيز الثقة بالمؤسسات، إبراز قصص النجاح، توفير منصات للمشاركة، والتعليم والتوعية، يمكننا تحويل السلبية إلى طاقة إيجابية تُسهم في بناء مجتمع أخلاقي، اقتصادي واجتماعي قوي. حان الوقت لنبذ السلبية والانخراط في صنع مستقبل مشرق لوطننا. فلنكن جميعًا جزءًا من الحل، ولنتذكر أن كل مشاركة، مهما كانت صغيرة، تصنع فارقًا كبيرًا.