د. ابو حمور :الإدارة الجيدة وجدية التنفيذ والقدرة على ترجمة الخطط الى برامج عمل هي من يحدد الفارق
د. ابو حمور :الإدارة الجيدة وجدية التنفيذ والقدرة على ترجمة الخطط الى برامج عمل هي من يحدد الفارق
2017-10-09 /
10:22am
د. محمد أبوحمور يحاضر حول الاقتصاد الأردني الواقع والتطلعات
د. ابو حمور : المشكلة الحقيقية في الإدارة و الإرادة والمتابعة والثقة
د. ابو حمور : فشلنا في الوطن العربي في إدارة الندرة وإدارة الوفرة
د. ابو حمور : تراجع مستوى المعيشة بما يناهز 20% خلال اخر خمس سنوات
د. ابو حمور :الإدارة الجيدة وجدية التنفيذ والقدرة على ترجمة الخطط الى برامج عمل هي من يحدد الفارق
قال د.محمد ابو حمور في محاضرته التي ألقاها في المركز المجتمعي المسكوني (الخيمة) حول " الاقتصاد الاردني ...... الواقع والتطلعات"أول أمس:إن الاقتصاد الاردني يواجه العديد من التحديات القديمة الجديدة والتي لا زلنا نعاني منها برغم تشخصينا الدقيق لها،فالبطالة وصلت الى اكثر من 18% اي ما يعادل ثلاثة اضعاف المعدل العالمي، فيما المالية العامة لا زالت تعاني من عجز مزمن ومديونية كبيرة،والطروحات المتعلقة بجذب الاستثمارات لم نشهد لها أثرا كبيرا علىارض الواقع ،وأفكار الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا زالت تراوح مكانها ، والمشاريع الكبرى لا زلنا ننتظر تحقيقها على أرض الواقع . وهذا يقودنا الى البحث في كيفية معالجة الاسباب وليس الاكتفاء بمعالجة الظواهر والأعراض.
وأضاف د. ابو حمور ان الاقتصاد الاردني صغير الحجم ومحدود الموارد ويواجه تحديات اساسية في قطاعات الطاقة والمياه مما يؤثر على تنافسيته،وخلال السنوات الماضية أضافت الاضطرابات السياسية والعسكرية في الدول المجاورة أعباء جديدة على الاقتصاد الاردني تمثلت في إغلاق أسواق مهمة للمنتجات الاردنية وأثرت سلبا على كلف الاستيراد،هذا عدا الأعباء التي ترتبت على استقبال ما يقارب 1,4 مليون لاجيء سوري. إلا انه وفي المقابل يحظى الاردن بقيادة حكيمة استطاعت ان تجنبه الكثير من أزمات المنطقة مما جعل منه واحة أمن واستقرار في منطقة تزخر بالازمات والاضطرابات، يضاف إلى ذلك قوى بشرية مؤهلة وقادرة على العمل والإبداع في مختلف المجالات .
وأوضح د. أبوحمور أن القيادة الاردنية قدمت العديد من المبادرات التي يكفل تنفيذها انعكاسا إيجابيا على الاقتصاد والمواطن الاردني، فكلنا يذكر الطروحات الملكية حول الإصلاح الاداري وضرورة مكافحة الترهل والتسيب في الجهاز الاداري للحكومة ومبادرة المدينة الاعلامية،والافكار التي طرحت حول تحويل الاردن إلى مركز مالي عالمي،وموضوع البطاقة الذكية للتعامل مع الدعم، والحكومة الالكترونية، وغيرها من المبادرات والافكار التي طرحت، لكن وكما هو ملاحظ فقد استطاعت بلدان اخرى في المنطقة ان تقوم بتنفيذ مثل هذه المبادرات،في حين لا زلنا نقف عند مرحلة الافكار دون أن تتم المباشرة بتنفيذ المبادرات.
من جهة أخرى، فقد تبنت الحكومات المتعاقبة العديد من الخطط والبرامج، وكلنا يذكر الاجندة الوطنية والخطة العشرية ورؤية الاردن 2025 وخطة التحفيز وصندوق المحافظات والصندوق السيادي الاستثماري، وبرامج التصحيح الاقتصادي التي نفذت او تنفذ بالتعاون مع الجهات الدولية، ولكن تواضع الإنجازات او عدم وجودها اصلا يؤدي الى اهتزاز الثقة لدى المواطن والمستثمر على حد سواء.
ان الخطط المتعددة التي اعتمدتها الحكومات الاردنية تتشابه في نبل اهدافها وسمو غاياتها ، وعادة ما يظهر الفرق في الادارة الجيدة وجدية التنفيذ والقدرة على ترجمة الخطط الى برامج عمل واجراءات محددة ومحكومة بفترات زمنية ومؤشرات اداء ،وفوق ذلك المتابعة الحثيثة لما يتم انجازه من اعمال مع التطبيق العلمي والعملي لمباديء المحاسبة والمساءلة والحكم الرشيد والادارة النزيهة. وكثيرا ما يتشكل الفرق بين الفشل والنجاح من خلال القدرة على استغلال المزايا المتاحة في التغلب على القيود والمحددات .وتحويل التحديات الى فرص نجاح .
وفي حال تم البحث عن العامل المشترك الذي اعاق تنفيذ هذه المبادرات سوف نجد انها الادارة المناسبة التي تستطيع ان تحول الافكار والمبادرات الى برامج عمل على ارض الواقع،وهنا تتدخل ايضا الارادة الصادقة التي لا بد من توفرها على المستويات التنفيذية للمبادرة الى العمل الفعلي على ارض الواقع، يضاف لذلك متابعة ما يتم البدء به لحين الانتهاء منه ، ولعل واقع عدم التناسق بين ما يطرح من افكار ومبادرات وما ينفذ على ارض الواقع يعمق مشكلة الثقة بين المواطن والجهات الحكومية المسؤولة .وهنا لا بد من الاشارة الى ان أحدى مشكلاتنا التي نعاني منها هو غياب المؤسسية بحيث لا يتم استكمال ما بدء به او عدم البناء على ما يتحقق من انجازات ، وأحيانا نشهد ما هو اعمق من ذلك وهذا يتمثل في غياب الذاكرة المؤسسية ،حيث يتم دراسة موضوع ما لأكثر من مرة والعودة به الى البدايات في حين ان ما تم القيام به سابقا لذات الامر يتم طرحه جانبا .
واشار د. ابو حمور الى ان التجارب السابقة تؤكد امكانية تحقيق نتائج جيدة فمثلا في عام 2004 تم تخفيض عجز الموازنة الى227 مليون دينار، اي ما نسبته 2.7% من الناتج المحلي الإجماليوهي نسبة مقبولة جدا دوليا. فمثلا الأوروبيون عندما قاموا بانشاء منطقة اليورو كان عجز الموازنة المقبول 3%،وفي عام 2009 ارتفع العجز إلى 1500 مليون دينار، ووصل تقريباً 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وبفضل ما تم اتخاذه من اجراءات عام 2010 انخفض العجز من مليار ونصف إلى مليار في عام واحد، والامر يعتمد على السياسات و الحكومات المتابعة. و في عام 2011 بدأ توجهه تنازليا في الشهور الأولى، ثم عاد في الشهور الأخيرة للارتفاع بصورة واضحة . ولعل الاعوام الاخيرة دلالة على أن العجز والمديونية زادت بصورة ليست طبيعية وبصورة لم يسبق لها مثيل بتاريخ المملكة.
وفي معرض توضيحه لابرز التطورات التي شهدتها السنوات الخمس الماضية ،قال د.ابو حمور ان نسبة النمو الاقتصادي لم تتجاوز2.5% وما يتوقع تحقيقه هذا العام يتراوح بحدود 2% ، ونتيجة لتواضع نسب النمو الاقتصادي والزيادة السكانية الطبيعية وتلك الناتجة عن اللجوء السوري فقد تراجع مستوى المعيشة بما يناهز 20% خلال السنوات الأخيرة ،كما نلاحظ ايضا العديد من الظواهر المقلقة مثل وصول نسب الاقتراض الى ما يعادل 70% من دخول المواطنين واغلاق / أو عدم ترخيص عدد من الشركات الصناعية .
ومن اهم المشاكل التي تواجه المالية العامة ارتفاع الفوائد على المديونيةوالمستحقات التي أجلت بحجة عدم ضرورة اصدار ملاحق للموازنة وتم توزيعها على مدى ثلاث سنوات يتبن لدينا بوضوح ان سوء الادارة راكم مبالغ هائلة واعباء كان يمكن التعامل معها بشكل افضل وفي الوقت المناسب.
وأكد د.ابو حمور ضرورة الادارة الجيدة للوفرة المتمثلة في القوى البشرية الاردنية المؤهلة، مع نفس المستوى من الجودة لادارة الندرة المتمثلة في المصادر المالية المتاحة ،فمثلا البنوك لديها ودائع بحوالي 32 مليار دينار منها ما يقارب 10 مليارات متاحة للاقراض.كما ان الخزينة تملك ما يقارب 85% من اراضي المملكة الاردنية الهاشمية كأراضي اميرية،كما ان التطورات التكنولوجية الحديثة وثورة المعلومات تفتح افاقاً واسعة في مختلف المجالات.
وأشار د. ابو حمور الى انه وبالرغم من صغر حجم الاقتصاد الاردني إلا ان نسبة القطاع العام أي حجم الحكومة والقطاع العام من إجمالي الاقتصاد يشكل حوالي 45%، بينما في الدول المتقدمة من 16-20%، معنى ذلك أن لدينا نقطة ضعف واضحة في هذا المجال ، لأن الأصل في دور الحكومات تنظيمي و رقابي لا أن تتدخل في الأنشطة الاقتصادية التي يمكن إدارتها على أسس تجارية ،ولا شك بان هناك ضغوطات على القطاع العام لإحداث تعيينات أكثر بهدف تقليل حجم البطالة، أي أننا نقلل حجم البطالة على حساب زيادة المؤشرات السلبية من عجز ومديونية.
هنا لا بد من الاشارة إلى موضوع الهيكلة التي تمت على رواتب الموظفين،فمن المتفق عليه ان زيادة رواتب الموظفين في القطاع العام أمر إيجابي، لكن هذه الزيادة أدت إلى رفع متوسط راتب الموظف في القطاع العام حسب دراسة دائرة الإحصاءات العامة 430 دينارا، بينما في القطاع الخاص 390 دينارا، معنى ذلك أن هذا يعطي حافزا للناس بأن تذهب للتعيين في الحكومة. بدلا من أن ندفعها باتجاه القطاع الخاص الذي يفترض ان يكون مولدا لفرص العمل عندما نهيء له البيئة الاستثمارية المناسبة،وهكذا ولأننا رفعنا رواتب القطاع العام أصبح الناس تذهب للقطاع العام المعروف بتدني مستوى الانتاجية. وكان يجب أن ترتبط الهيكلة بمستوى الانتاجية كمقياس،وبالتالي اصبح القطاع العام جاذبا للوظائف وليس طاردا لها باتجاه القطاع الخاص.
وبالرغم من ان الهدف المعلن هو أن نصل إلى حكومة رشيقة ذات كفاءة عالية، الا ان بعض القرارات التي يتم اتخاذها عكس ذلك تماماً. نتحدث ابتداءً من عدد الوزراء في الحكومة،و جدول تشكيلات الوظائف الذي يزيد سنويا أكثر من الزيادة التي يحدثها القطاع الخاص، وهذا يرفع من حجم الحكومة ويزيد العبء وبالتالي تصبح الحكومة معنية فقط بتوفير الرواتب للعاملين في القطاع العام، سواء كانوا عاملين أو متقاعدين. هذا العبء يؤدي إلى أن تصبح مواردنا الذاتية عاجزة عن دفع فاتورة الرواتب، وبالتالي نحتاج لمساعدات لدفعها أو لقروض لتسديدها، حتى نصل إلى مرحلة تمثل قمة العجزعندمالا تستطيع الإيرادات الذاتية ان تغطي كامل النفقات الجارية، وهذا الأمر ظهر بوضوح خلال الاعوام الاخيرة. نتيجة لذلك ارتفعت المديونية بصورة كبيرة بل وتضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الأمر لم يحدث بتاريخ المملكة .
وأكد د. ابو حمور ان القطاع الخاص يقوم بدوره لكنه بحاجة لبيئة وظروف مناسبة حتى يعطي ويزيد الانتاجية. وهنا لا بد من ان نؤكد على اهمية الاستثمارات ودورها في رفد الاقتصاد الوطني بدفعات ايجابية وتوليد فرص العمل التي نحن في اشد الحاجة لها،ولكن الملاحظ ان ارتفاع المديونية يؤثر على التصنيف الائتماني للمملكة مما لا يحفز المستثمرين لبدء مشاريع جديدة او توسيع القائم منها. كما انه وقبل ان نستقبل الاستثمارات الأجنبية يجب أن نحافظ على الاستثمارات المحلية للأردنيين ولا نتركهم يتوجهون لخارج البلد، وعلى الجانب الآخر فإن جلب الاستثمارات الأجنبية يتطلب استقرارا تشريعيا،كما انه يجب أيضاً عدم زيادة الضرائب الى مستوى أعلى من الدول المجاورة. والمستثمر عندما ينظر إلى عجز الموازنة والمديونية، وهي مرتفعة جداً بالذات في الاعوام الاخيرة، فانه يعرف أن هذه المديونية عبارة عن ضرائب مؤجلة، وهذا أمر لا يشجعه على الاستثمار. لذلك يجب طمأنة المستثمر، وأن تكون المؤشرات الاقتصادية مريحة له.
وفي توضيح لمضامين الورقة الملكية السادسة قال د. ابو حمور أن النقاشات حول الورقة النقاشية الملكية السادسة، أوضحت ان الإصلاح الإداري هو محور أساس في مكافحة مظاهر السلبية وعوامل الانقسامات التي أصابت المجتمعات العربية وشاهدنا آثارها في بعض الدول نتيجة العوامل الداخلية والظروف الإقليمية، ومتغيرات الصراعات الدولية في المنطقة، وتراجع النمو الاقتصادي إلى مستويات خطيرة، وتخلخل الثقة بقيم المؤسسية.
وأضاف بان الرؤية الأردنية المبكرة في الإصلاح الديمقراطي والإصلاح الإداري، التي عبَّرت عنها الأوراق النقاشية الملكية، وما يتحدث به جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين دوماً، كان له الدور الأكبر في تجنب الوقوع في أشكال من المعاناة للدولة والشعب كما حدث في دول أخرى في المنطقة، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة فقد استطاعت حكمة القيادة الأردنية أن تبلور رؤية واضحة لسيادة القانون بوصفها مسؤولية الدولة والمواطن معاً، وربط ذلك بالتعددية السياسية والتنوع الثقافي والاجتماعي كرافد للاقتصاد الوطني، وتعزيز العدالة الاجتماعية كتعبير عن ضمان سيادة القانون لحقوق الأقلية والأغلبية.وأشار الى إن تلك رؤية متقدمة ويمكن القول إنها سابقة في تحديد مكامن النهوض الحقيقي للمجتمع والدولة، من خلال الربط بين الإصلاح الإداري وسيادة القانون، وتوضيح مسارات هذا الربط عبر تطوير الإدارة وتطوير القضاء. كما تشكِّل هذه الرؤية نموذجاً جديراً بالاستفادة منه لدى الأشقاء وتقديم الصالح العام ومصلحة الوطن والهوية الجامعة، على كل ما عداها من مصالح فردية ضيقة وآنية، وما يعطل المسير نحو مستقبل آمن لأجيال الأمّة.
هذا وقد رحب في بداية اللقاء الأب سامر عازر بالمحاضر والحضور وأدار اللقاء الاعلامي والاقتصادي الاستاذ سلامة الدرعاوي وفي نهاية اللقاء اجاب د. ابو حمور على الاسئلة والاستفسارات التي اثارها الحضور.