الموازنة… اختبار دولة لا اختبار مجلس: من يحمي الأردن فعليًا
الموازنة… اختبار دولة لا اختبار مجلس: من يحمي الأردن فعليًا؟
بقلم: الأمين العام لحزب البناء والعمل
الدكتور زياد الحجاج
مع اقتراب التصويت على الموازنة، تبدو الدولة أمام لحظة فاصلة تتجاوز الجداول الحسابية والخطابات التقليدية. لسنا أمام نقاش موسمي، بل أمام امتحان سياسي حقيقي يحدد اتجاه البلاد في عام يزداد صعوبة وتعقيدًا.
فالشارع الأردني لم يعد يكتفي بالاستماع، ولم يعد يقبل الخطابات المنمّقة تحت القبة، ولم يعد ينتظر الوعود المؤجلة. المواطن اليوم يراقب ويحاكم ويقارن، ويعرف ما الذي تغيّر، وما الذي لم يتغيّر، ومن يعمل لمصلحة الوطن ومن يعمل لمصلحة موقعه.
وفي مجلس النواب، برزت أصوات وطنية صلبة واجهت القضايا بوضوح، ووضعت الحكومة أمام مسؤولياتها. أصوات حذّرت من انهيار قطاعات، وكشفت تعثر مشاريع، وأشارت إلى ثغرات في الرقابة، وتحدثت بلسان المواطن الذي دفع أثمانًا اقتصادية واجتماعية لم يعد قادرًا على تحملها.
لكن السؤال الأكبر يبقى:
هل تكفي هذه الأصوات لحماية الأردن إذا صمتت الأغلبية؟
الدولة لا تُحمى بالخطب، بل بالقرارات.
ولا تُبنى بالمجاملة، بل بالمواقف.
ولا تنهض بموازنة تُقرأ بلا رؤية ثم تُمرّر بلا ضمان.
الحكومة تطلب الثقة مرة أخرى، لكنها لا تقدم خطة إصلاح واضحة، ولا جدولًا زمنيًا للمشاريع المتوقفة، ولا رؤية تعيد الثقة للمستثمر، ولا سياسة تحمي المزارع، ولا برنامجًا يعالج تآكل المداخيل، ولا إجراءات ملموسة لمحاربة الفساد الذي أنهك المؤسسات.
فكيف يمكن لمجلس النواب أن يمنح الموافقة على موازنة لا يعرف مسارها؟
كيف يصوّت نائب مسؤول على أرقام لا ترتبط بأي رافعة تنموية؟
وكيف يتحمل مجلس كامل تبعات عام جديد من دون رؤية اقتصادية واضحة؟
الموازنة ليست قانونًا كبقية القوانين؛
إنها قرار سيادي يرسم شكل العام المقبل، ويحدد قدرة الدولة على الثبات في بيئة إقليمية مضطربة واقتصاد عالمي ضاغط وشارع مثقل بالإرهاق والغضب.
ولذلك نقول بوضوح:
كل نائب سيصوّت دون مطالب واضحة وضمانات محددة سيضع نفسه في مواجهة سياسية مباشرة مع شعب لا ينسى.
فالجيل الجديد ليس الجيل الذي تمرر عليه التبريرات.
إنه جيل يعرف أرقامه جيدًا، ويعرف من وقف معه ومن دار ظهره.
أما الحكومة، فواجبها اليوم أن تثبت أنها لا تبحث عن “تفويض جديد”، بل تملك مشروعًا إصلاحيًا حقيقيًا. لا يكفي إرسال رسائل طمأنة، بل لا بد من تقديم إجراءات، وأرقام، والتزامات، وخطة طريق تُقنع الناس قبل النواب.
ويجب أن نُدرك جميعًا:
لا موازنة تمر بلا ثمن،
لكن ثمن هذا العام لن يكون ماليًا فقط…
بل سياسيًا واجتماعيًا، وسيدفعه الجميع:
الحكومة إن فشلت، والنواب إن جاملوا، والشارع إن تُرك وحيدًا.
وفي الختام:
هناك نواب يستحقون الاحترام لأنهم قالوا الحقيقة،
وهناك نواب سيكتب التاريخ مواقفهم لحظة التصويت،
وحكومة مطالَبة بأن تفتح مسارًا جديدًا يليق بحجم التحديات.
فالأردن اليوم لا يحتاج خطابات،
بل يحتاج قرارات تحميه، وسياسيين يملكون الجرأة على اتخاذ الموقف الصحيح في اللحظة الصحيحة.
