إنهاء الصراع العربي الأسرائيلي أو استمراره بيد الإدارة الأمريكية   |   سماوي يلتقي سلامة ولحود ويبحثان سبل التوأمة بين مهرجان جرش والمهرجانات اللبنانية   |   اللجنة التنفيذية لشؤون التربية والتعليم في 《الميثاق الوطني》تصدر توصيات حول نظام الثانوية العامة الجديد (نظام الحقول   |   شركة زين تطلق دليل إمكانية الوصول الشامل لتهيئة مبانيها ومرافقها للأشخاص ذوي الإعاقة   |   فعالية رياضية نوعية تشعل أجواء الحماس في جامعة فيلادلفيا   |   مذكرة تفاهم بين الضمان الاجتماعي والبوتاس العربيّة لتنظيم إجراءات تسديد الاقتطاعات المستحقة من رواتب المتقاعدين   |   ACY Securities تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة وتؤكد دورها في تطوير الأسواق المالية الأردنية والإقليمية   |   جهود الإعلام الأردني تعزز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع   |   مؤسسات المجتمع المدني وتحقيق مستهدفات التحديث الاقتصادي   |   أبوغزاله يعرض رؤيته لإصلاح الأمم المتحدة أمام دبلوماسيين من 30 دولة   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - مشرف أنظمه وشبكات في مركز الحاسوب.   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - فني صيانة الكترونيات في مركز الحاسوب.   |   ديانا كرزون تسحر الجمهور بأحدث أعمالها الغنائية 《دوخني》   |   ماذا على مؤسسة الضمان أن تفعل في المرحلة القادمة.؟    |   عمّان الأهلية تنظّم ندوة عن الصناعات الدوائية ويوما طبيا في عين الباشا   |   زين تدخل في شراكة مع المنتدى الدولي لأعمال الإعاقة كأول شركة اتصالات في المنطقة   |   مجموعة الخليج للتأمين – الأردن تعزز ريادتها في قطاع التأمين بعد فوزها بجائزة   |   شركة ميناء حاويات العقبة تكشف عن أبرز مؤشرات أدائها التشغيلي لشهر تشرين الثاني 2025   |   لجنة الاقتصاد والاستثمار في حزب الميثاق الوطني تبحث تعزيز بيئة الأعمال في العقبة   |   مشاركة واسعة في البطولة السعودية للهواة على ملاعب نادي ديراب للجولف   |  

وكان أبوهما صالحًا


وكان أبوهما صالحًا
الكاتب - د. نهاد الجنيدي

وكان أبوهما صالحًا

 

الموضوع: القادم أحلى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

شوي شوي يا جمال… الصوت بلّش يجاوب.

البرد يتسلّل إلى النخاع الشوكي، ورياح صرصر تدقّ النوافذ كأنها تستأذن بالدخول.

الليل صامت، وزخّات مطر خفيف تتساقط ببطء.

 

جمال يتمتم:

يا حو يا حو 

البرّد مش طبيعي ….مش طبيعي يا محمد… خود احفر إنت.

 

هامان يقاطع وهو يشمّر عن كمّه:

أعطوني إياها أنا… إنتو تعبتوا.

 

خلف يسأل:

كيف الأمور يا شباب؟

 

ويردّ محمد من بعيد:

لا تخاف… من عندي تمام.

كل شي تحت السيطره 

فجأة يلمع ضوء قوي، كأنه شمس الساعة وحدة ظهرًا.

يصرخ محمد:

النجدة شباب! أكلناها! الشرطة كبست… شكلو حدا من الحيران بلّغ!  

سكن الهواء فجأة ،و المطر توقف من الصدمة !!

صوت خشن يرتفع:

شباب… ولا حركة. إحنا مراقبينكوا من أول ما جيتوا. آآه… شو نقول مبروك ؟… لقيتوا إشي؟

 

يحاول بشير الكلام:

يا سيدي والله…

 

لكن الضابط يقاطعه:

لا تخاف. إنتو عاشر ناس بيحفروا هون. بس دمرتوا الآثار والموقع. ما في دهب هون… الله يسامحكم.

كل ما تشوفوا سلحفاة ولا سمكة بالحجر… تيجوا تخربوا الدنيا؟ انتو عارفين إنه ممنوع البحث عن الدفائن؟

 

هامان يحاول يبرّر:

والله يا سيدي عارفين… بس الطفر قاتل. وقال تعالى:

﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾

 

يبتسم الضابط وهو يهدي الجو:

آه… بس أبوهما… مش أبوكما، يا عباقرة.

فيضحكون قليلًا رغم خوفهم.

 

خلف يرفع حاجبه:

سيدي… الأردن مليانة كنوز. عشرين حضارة مرّت من هون. الكل كان يدفن. ولا تنسى الأتراك… إحنا مدينة فوق مدينة.

ويقرأ:

وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ .

فيرد الضابط:

صح… بس البحث ممنوع لأنه ممكن تدمروا تاريخ بلد كامل من غير ما تحسّوا.

 

هامان يدخل مرة ثانية:

يا سيدي… مش الحكومة قالت رح تنظّم عملية البحث؟ وتعمل مكافآت للشخص اللي ببلّغ عن موقع أثري؟

أنا من سنة أجاني حلم إنه في أرض بعمان الغربية فيها ذهب بعدد شعر راسي…

لو طلع صح، بنعش اقتصاد البلد! رحت… ولقيت إشارات… بس خايف أبلّغ وأروح بسين وحيم.

لو الأمور واضحة… من بكرا الصبح ببلّغ.

 

محمد يضيف:

وبعدين كل أطياف المجتمع بتحكي بهالموضوع… الطبيب، المهندس، سواق التكسي… والله يا سيدي غير الحكومة ما تلحق مواقع أثرية.

 

بشير يتنهد:

والناس بدها أي بصيص أمل… وصاروا كلهم سياسيين ونشطاء ما شاء الله من قلة الشغل. لو الدولة تحدد نسبة أو مكافأة واضحة… أنا اليوم بعطيكم موقع التاريخ نفسه بيحكي عنه.

 

همّام يكمل:

وبعدين كل أوروبا بتعطي نسبة ومكافأة… وانتو كمان بتحموا الناس البسيطة من المحتالين…

لأنه كل واحد مقتنع إنه يا بأرضه… يا تحت بيته… في دهب.

 

الهواء يسكت فجأة…

والعيون كلها تلتفت على الأب الصالح اللي تقدم خطوة واحدة بس، لكنها كانت أكبر خطوة في الليلة.

لحيته تتحرك مع نسمة برد، وصوته يطلع مثل همس فجر:

 

يا أولادي… الأرض إلها حرمة، والتراب إلّه قصة، والرزق ما بيجي بالحفر بالليل… الرزق بيجي من باب نظيف.

ربنا ما حكى عن كنز بسبب الحفر… حكى عنه بسبب الصلاح.

 

ثم رفع صوته قليلًا:

“﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾”

 

سكت الجميع، والضابط يهز رأسه احترامًا.

محمد يقول بصوت منخفض:

يا عم… الدنيا ضاقت.

 

الأب يرد بابتسامة فيها وجع وحنان:

بعرف… بس الحفر مش دايمًا يفتح باب رزق… مرات بيفتح باب مصيبة،خاصة اذا مرصود !

 

خلف يسأل:

طب شو نعمل؟”

الأب يرد:

إحنا أمة شغل… مش أمة انتظار. بس الشغل بدّه عقل، قانون، ونظام… مش فوضى.

 

الضابط يضيف:

وعشان هيك الحكومة بتفكر تنظم العملية: تبليغ… مكافآت… ترخيص… منع عشوائية.

مش غلط الناس تشتغل. الغلط نضيّع تاريخ الأردن.

 

عنصر البحث الجنائي يسلّط الضوء على قاع الحفرة.

تراب… حجارة… كسرة فخار… ولا ذهبة واحدة.

 

هامان بخيبة مضحكة:

يعني… مش دهب؟

 

الضابط يرد:

لا. هاي بقايا جرة قديمة. جزء من تاريخ ناس عاشوا هون… مش كنز.

 

محمد يسأل:

يعني نرجع فاضيين؟

 

الأب يرد:

ما لاقيتو ذهب… بس اخدتوا عبره. الأرض ما بتتنقب بلا علم… ولا بلا قانون… ولا بلا نية طيبة.

 

ثم يقرأ بصوت مرتل:

﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا… ﴾

 

الضابط يضع كشافه جانبًا ويقول:

شباب… هاي المرّة امشوا على البركة.

اللي بدو دهب الأردن… لازم يحمي ترابها وتاريخها قبل كل شي .

 

يتنفس الشباب بعمق. المطر خف، والريح صارت ألطف، والكلام صار أعمق.

 

محمد ينظر للحفرة:

يمكن لو الدولة تنظّم الشغلة… نرتاح كلنا.

 

هامان يهز رأسه:

والله يا جماعة… لو القانون نزل… أنا أول واحد ببلّغ عن أرض جدي.

 

بشير يضحك:

القانون هذا لو يجي… بيشغل الشباب. بدل ما هم عاملين حالهم منظرين ونشطاء، وهم مش عارفين وين الله حاططهم.

 

الأب الصالح يبتسم:

والقادم أحلى… إذا كانت قلوبنا احلى .

 

ويرفع يديه للسماء ويدعو:

اللهم اجعل رزقهم مباركًا، واجعل وطنهم آمنًا، واجعل قلوبهم صالحةً مثلما حفظت كنز اليتيمين من قبل.

 

وهكذا… فهموا كلهم أن الأردن مش ناقص ذهب،

الأردن نفسه هو الكنز.

الإنسان كنز.

القانون كنز.

والنية الصالحة كنز.

 

وما دام في ناس قلبها على البلد…

فالقادم أحلى.