كاميرات ودموع
كاميرات ودموع
الطرقات ليست ساحة بطولة،
بل جسورًا نعبر بها نحو أحلامنا.
فلا تجعلها كابوسًا… ينتهي بالظلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
موسيقى صاخبة… أغنية بلغة غريبة لا تُفهم.
سيارةٌ تشقّ ليل عمّان بسرعةٍ جنونية.
ضحكاتٌ عالية، وصوت شاب يصرخ بثقةٍ جوفاء:
تخطّينا الكاميرا! أسرع يا جلال… خرجنا نلهو، مش نمشي زي السلاحف!
خفّ عند الكاميرا الجاية، بعرف مكانها بالضبط!
وفي الجهة المقابلة…
أمٌّ بصوتٍ يفيض حنانًا:
ياسمين… ديري بالك على جميل يا ماما.
آه يا بنتي… مش قادرة أستنى اليوم اللي تلبسي فيه اللاب كوت الأبيض وتصيري دكتورة… وتعالجي أسناني.
ياسمين تبتسم… جميل يضحك ويحضن لعبته…
حياة بسيطة، أحلام كبيرة.
فجأة… صرخة تمزّق الليل:
يا جلال! وقّف! رح نصطدم!
اصطدامٌ مروّع… زجاج يتناثر… ثم صمت ثقيل.
وصوت طفل صغير يبكي في العتمة:
يمّاااااه… ياسمين ماتت!
لكن الأم لا تُجيب،
والأحلام تُطفأ في لحظة.
تتسابق صفارات الإسعاف مع الزمن،
رجال الدفاع المدني يبذلون المستحيل،
لكن حين تتدخل ثوانٍ من التهور…
حتى البطولة تقف عاجزة أمام دمعة طفل.
استهتار جلال لم يسرق ضحكة ياسمين فقط،
بل استبدل حلم اللاب كوت الأبيض…
بكفنٍ أبيض لا يُخلع.
إلى متى؟
إلى متى نسمح للسرعة أن تصبح سلاحًا؟
الكاميرات لم تُوضع لتعاقب الملتزمين،
بل لتحمي الأبرياء من سائقٍ فقد ضميره… ولم يبحث عنه.
جلال ينظر حوله… دم، صراخ، دمار،
وجميل يحتضن الفراغ وهو يبكي أخته.
جلال يهمس بانكسار:
سامحيني… أرجوكم سامحوني.
سامحني يا جميل ،انا اسف…..
وتختلط دموع جلال بدموع جميل،
فتنهمر فوق أحلامٍ لن تعود،
لكن الدموع لا تُعيد الأرواح،
ولا تُرمّم الأحلام التي تكسرت على الإسفلت.
الطريق لم يطلب بطولة،
بل طلب عقلًا، رحمة، وخوفًا من الله على أرواح الناس.
كانت ياسمين تريد أن تُنقذ الناس…
فأصبحت درسًا يُنقذ غيرها.
اليوم جميل لا يسأل عن لعبته،
بل يسأل بدمعة:
لو ما تهوّر… كانت أختي لسه معنا؟
هذه ليست قصة كاميرا،
هذه قصة لحظة بلا رجعة.
الكاميرات لا تقتل،
الذي يقتل هو الغرور… والاستهتار.
فإن لم نخَف على أرواح الناس من قلوبنا،
فلتكن هناك عيون على الطريق
تحمي من لم تحمه الأخلاق.
لأجل ياسمين… لأجل جميل… لأجل من تُحب.
السرعة لحظة… والفقد عمر.
وإن مررت بكاميرا يومًا فلا تقل:
يا الله… كاميرا
بل قُل في قلبك:
يمكن هاي الكاميرا عم تحمي حدا بحبّه.
