جماعة عمان لحوارات المستقبل تعلن عن مبادرتها حول السياحة العلاجية في الأردن كرافعة للاقتصاد الوطني الأردني   |   《طلبات》 الأردن تكرم سائقيها المتميزين وفريق باترول الداعم والشركاء المساندين لسنة 2025   |   حماس أم تهوّر ؟.   |   الموازنة… اختبار دولة لا اختبار مجلس: من يحمي الأردن فعليًا   |   تالوار يتصدر … وبريسنو يخطف الأضواء عربياً في انطلاق بطولة السعودية المفتوحة المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة   |   البريد الأردني وسفارة بنغلادش تبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك   |   أبوغزاله وآفاق الرؤيا يوقّعان اتفاقية لتبادل الخبرات وتنفيذ برامج مهنية مشتركة   |   سامسونج تفوز بجائزة Euroconsumers 2025 عن فئة المكانس اللاسلكية العمودية   |   الإمارات تعلن دعمًا بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة لعام 2026   |   54) مليون دينار فائض اشتراكات تأمين التعطل لسنة 2024   |   مبادرات هادفة ومستدامة لأورنج الأردن في اليوم العالمي للاشخاص ذوي الإعاقة   |   العماوي يهاجم الموازنة: دين عام منفلت.. ورؤية اقتصادية غائبة والحكومة تكرر النهج نفسه   |   رئيس عمّان الأهلية يشارك في المنتدى الخامس لرؤساء الجامعات العربية والروسية   |   البنك الأردني الكويتي يحصل على شهادة ISO/IEC 27001:2022 المحدثة في إدارة أمن المعلومات   |   النزاهة ومكافحة الفساد.. ركيزة التحديث والإصلاح   |   مصدر رسمي يكشف حقيقة قرار إسرائيلي بعدم تزويد الأردن بحصة المياه   |   الغذاء والدواء: سحب مستحضرات +NAD وحقن غير مجازة من عيادتين   |   فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالبا تسببوا بمشاجرات داخل جامعة اليرموك   |   تعاون بين شركة أكابس (Acabes)، الذراع التكنولوجية للبنك العربي وشركة ميناآيتك    |   جمعية المطاعم السياحية تنتخب اعضاء مجلس ادارتها الجديد    |  

واحد واحد


واحد واحد
الكاتب - د. نهاد الجنيدي

واحد واحد

بسم الله الرحمن الرحيم 

الغيوم متلبدة، والهواء مشبع برائحة البارود.

الحمام الأبيض، الذي كان رمزًا للسلام، لم يعد يرفرف بطمأنينة، بل اندفع مع الجنود في قلب المعركة، وريشه يتلوّن بالأحمر كأنه يحمل دماء الشهداء على جناحيه. صار يزاحم الطائرات في السماء ويعيق حركتها، كأن الطبيعة نفسها أعلنت أن لا سلام مع عدو لا يفهم إلا لغة النار.

 

الملائكة تراقب من السماء، كأنها تشهد اختبارًا: أيثبتون على الكرامة أم يفرّون إلى الهوان؟

الدخان يملأ الفضاء، أزيز الرصاص يمزّق الهواء، لهيب النار يشتعل في الخنادق، وصوت المدافع يهزّ الأرض حتى تظنها زلزالًا.

 

وسط هذا الجحيم، على ضفاف نهر الأردن في بلدة الكرامة، كان المشهد كأنها صفحة من كتاب التاريخ؛ أهل الرباط لم يعرفوا إلى الانسحاب سبيلًا، ولا خطرت ببالهم فكرة الاستسلام، بل كانوا كمن عاهدوا أنفسهم أن يجعلوا من أجسادهم مشاعل تحرق، ومن دمائهم دروبًا تُفهم العدو معنى الوطن.

 

ومن بين هذا الضجيج اخترق الأثير صوت الملازم البطل خضر شكري يعقوب، صافٍ كالفجر، خالد كالزمن:

“واحد واحد… الهدف موقعي… ارموا… ارموا… انتهى.

 

لم يكن مجرد نداء عسكري، بل كان رسالة ووصية أخيرة، ألقاها ليصنع بها مستقبلًا للأمة. جسده صار درعًا، ودمه صار وقودًا، وصوته صار عهدًا خالدًا في ضمير الأردن.

 

وتردّد صدى استشهاده كما تردّد في يومٍ قديمٍ من أيام الإسلام الأولى، حين صاح المشركون: قُتل حمزة، فهاجت قلوب المؤمنين لا لتنهزم، بل لتثأر. كذلك كان صوته؛ لم يُضعف عزيمة، بل أيقظها، ولم يكسِر الصفوف، بل وحّدها.

 

انتهت المعركة، وسكن لهيبها، فإذا بصورة جديدة تولد من بين الرماد:

العلم الهاشمي شامخ يرفرف، لا ينحني ولا يتراجع، كأنه يهمس: ارجعوا إلى حصونكم وخلف جدرانكم.

 

وكأن الأرض ذاتها رفعت صوتها في وجوههم:

“هنا خضر… هنا جعفر الطيار… هنا عبيدة… هنا خالد بن الوليد… أولو البأس الشديد… هنا عمّان.

 

وامتزج هذا الصدى في الأرض المقدسة؛ ارتفع الأذان من المآذن، فأجابته أجراس كنيسة القيامة، لتلتقي كلها مع صوت اللاسلكي وهو يجلجل:

… الهدف موقعي… انتهى.

 

منذ ذلك اليوم وقف العدو مذهولًا: كيف لأولو البأس الشديد، وهم محاصرون، أن يحوّلوا موتهم إلى حياة لوطن كامل؟ كيف يتسابقون إلى الموت كما يتسابق غيرهم إلى الحياة؟ لم ولن يفهموا أن في الأردن رجالًا يعشقون الشهادة كما يعشقون الحياة، وأن الكرامة ليست لفظًا يُردّد، بل دم يسري وروح لا تنكسر.

 

واليوم، بعد أكثر من خمسة عقود، حين يطلق نتنياهو أو غيره تهديداته، يعود صدى ذلك الصوت من عمق التاريخ، يخترق الدخان والرصاص من جديد. لكنه هذه المرّة لا يقتصر على خندق صغير في الكرامة، بل يملأ الفضاء الرحب:

 

إن عدتم عدنا.

 

ويأتي الصدى هذه المرّة محمّلًا بوعد أثقل من الرصاص وأقوى من المدافع، يجلجل في سماء فلسطين كلها:

الهدف تل أبيب… انتهى 

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.