إنهاء الصراع العربي الأسرائيلي أو استمراره بيد الإدارة الأمريكية   |   سماوي يلتقي سلامة ولحود ويبحثان سبل التوأمة بين مهرجان جرش والمهرجانات اللبنانية   |   اللجنة التنفيذية لشؤون التربية والتعليم في 《الميثاق الوطني》تصدر توصيات حول نظام الثانوية العامة الجديد (نظام الحقول   |   شركة زين تطلق دليل إمكانية الوصول الشامل لتهيئة مبانيها ومرافقها للأشخاص ذوي الإعاقة   |   فعالية رياضية نوعية تشعل أجواء الحماس في جامعة فيلادلفيا   |   مذكرة تفاهم بين الضمان الاجتماعي والبوتاس العربيّة لتنظيم إجراءات تسديد الاقتطاعات المستحقة من رواتب المتقاعدين   |   ACY Securities تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة وتؤكد دورها في تطوير الأسواق المالية الأردنية والإقليمية   |   جهود الإعلام الأردني تعزز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع   |   مؤسسات المجتمع المدني وتحقيق مستهدفات التحديث الاقتصادي   |   أبوغزاله يعرض رؤيته لإصلاح الأمم المتحدة أمام دبلوماسيين من 30 دولة   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - مشرف أنظمه وشبكات في مركز الحاسوب.   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين: - فني صيانة الكترونيات في مركز الحاسوب.   |   ديانا كرزون تسحر الجمهور بأحدث أعمالها الغنائية 《دوخني》   |   ماذا على مؤسسة الضمان أن تفعل في المرحلة القادمة.؟    |   عمّان الأهلية تنظّم ندوة عن الصناعات الدوائية ويوما طبيا في عين الباشا   |   زين تدخل في شراكة مع المنتدى الدولي لأعمال الإعاقة كأول شركة اتصالات في المنطقة   |   مجموعة الخليج للتأمين – الأردن تعزز ريادتها في قطاع التأمين بعد فوزها بجائزة   |   شركة ميناء حاويات العقبة تكشف عن أبرز مؤشرات أدائها التشغيلي لشهر تشرين الثاني 2025   |   لجنة الاقتصاد والاستثمار في حزب الميثاق الوطني تبحث تعزيز بيئة الأعمال في العقبة   |   مشاركة واسعة في البطولة السعودية للهواة على ملاعب نادي ديراب للجولف   |  

واحد واحد


واحد واحد
الكاتب - د. نهاد الجنيدي

واحد واحد

بسم الله الرحمن الرحيم 

الغيوم متلبدة، والهواء مشبع برائحة البارود.

الحمام الأبيض، الذي كان رمزًا للسلام، لم يعد يرفرف بطمأنينة، بل اندفع مع الجنود في قلب المعركة، وريشه يتلوّن بالأحمر كأنه يحمل دماء الشهداء على جناحيه. صار يزاحم الطائرات في السماء ويعيق حركتها، كأن الطبيعة نفسها أعلنت أن لا سلام مع عدو لا يفهم إلا لغة النار.

 

الملائكة تراقب من السماء، كأنها تشهد اختبارًا: أيثبتون على الكرامة أم يفرّون إلى الهوان؟

الدخان يملأ الفضاء، أزيز الرصاص يمزّق الهواء، لهيب النار يشتعل في الخنادق، وصوت المدافع يهزّ الأرض حتى تظنها زلزالًا.

 

وسط هذا الجحيم، على ضفاف نهر الأردن في بلدة الكرامة، كان المشهد كأنها صفحة من كتاب التاريخ؛ أهل الرباط لم يعرفوا إلى الانسحاب سبيلًا، ولا خطرت ببالهم فكرة الاستسلام، بل كانوا كمن عاهدوا أنفسهم أن يجعلوا من أجسادهم مشاعل تحرق، ومن دمائهم دروبًا تُفهم العدو معنى الوطن.

 

ومن بين هذا الضجيج اخترق الأثير صوت الملازم البطل خضر شكري يعقوب، صافٍ كالفجر، خالد كالزمن:

“واحد واحد… الهدف موقعي… ارموا… ارموا… انتهى.

 

لم يكن مجرد نداء عسكري، بل كان رسالة ووصية أخيرة، ألقاها ليصنع بها مستقبلًا للأمة. جسده صار درعًا، ودمه صار وقودًا، وصوته صار عهدًا خالدًا في ضمير الأردن.

 

وتردّد صدى استشهاده كما تردّد في يومٍ قديمٍ من أيام الإسلام الأولى، حين صاح المشركون: قُتل حمزة، فهاجت قلوب المؤمنين لا لتنهزم، بل لتثأر. كذلك كان صوته؛ لم يُضعف عزيمة، بل أيقظها، ولم يكسِر الصفوف، بل وحّدها.

 

انتهت المعركة، وسكن لهيبها، فإذا بصورة جديدة تولد من بين الرماد:

العلم الهاشمي شامخ يرفرف، لا ينحني ولا يتراجع، كأنه يهمس: ارجعوا إلى حصونكم وخلف جدرانكم.

 

وكأن الأرض ذاتها رفعت صوتها في وجوههم:

“هنا خضر… هنا جعفر الطيار… هنا عبيدة… هنا خالد بن الوليد… أولو البأس الشديد… هنا عمّان.

 

وامتزج هذا الصدى في الأرض المقدسة؛ ارتفع الأذان من المآذن، فأجابته أجراس كنيسة القيامة، لتلتقي كلها مع صوت اللاسلكي وهو يجلجل:

… الهدف موقعي… انتهى.

 

منذ ذلك اليوم وقف العدو مذهولًا: كيف لأولو البأس الشديد، وهم محاصرون، أن يحوّلوا موتهم إلى حياة لوطن كامل؟ كيف يتسابقون إلى الموت كما يتسابق غيرهم إلى الحياة؟ لم ولن يفهموا أن في الأردن رجالًا يعشقون الشهادة كما يعشقون الحياة، وأن الكرامة ليست لفظًا يُردّد، بل دم يسري وروح لا تنكسر.

 

واليوم، بعد أكثر من خمسة عقود، حين يطلق نتنياهو أو غيره تهديداته، يعود صدى ذلك الصوت من عمق التاريخ، يخترق الدخان والرصاص من جديد. لكنه هذه المرّة لا يقتصر على خندق صغير في الكرامة، بل يملأ الفضاء الرحب:

 

إن عدتم عدنا.

 

ويأتي الصدى هذه المرّة محمّلًا بوعد أثقل من الرصاص وأقوى من المدافع، يجلجل في سماء فلسطين كلها:

الهدف تل أبيب… انتهى 

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.