نفاع : إعادة تفعيل خدمة العلم… قرار وطني استراتيجي يفتح آفاق المستقبل   |   الميثاق الوطني يُرحب بإعلان سمو ولي العهد إعادة تفعيل خدمة العلم   |   تجارة الأردن: خدمة العلم رافعة وطنية لتمكين الشباب   |   《جو أكاديمي》 تحتفي بأوائل الثانوية العامة من طلابها وتكرم معلميهم المتميزين بعد تحقيق إنجاز غير مسبوق: 31 طالباً من أصل 35 في قائمة الأوائل   |   سامسونج توسّع نطاق البرنامج التجريبي لواجهة 《One UI 8》ليشمل مزيداً من أجهزة 《Galaxy》   |   The St. Regis Amman Celebrates Culinary Excellence at the Jordan International Food Festival   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين أعضاء هيئة تدريس للعام الجامعي 2025/2026، وفقاً للتخصصات التالية:   |   انطلاق معسكر التمكين الاقتصادي في بيت شباب إربد   |   هل يرعب الارهابي النتن ياهو الشجب والاستنكار ؟   |   الأخوّة البرلمانية الأردنية: ترحيب بالسفير السعودي وتعزيز أطر الشراكة   |   حفل حزب المحافظين الأردني / تحت التأسيس بقاعة عمان الكبرى   |   كيف نبني الأردن بعد قرن من إنشائه: العدالة الاجتماعية كأساس للتنمية المستدامة (الحلقة الثالثة)   |   شركة بوابة الأردن تعقد شراكات استراتيجية لتعزيز جودة الخدمات في《أبراج السادس   |   (7) مُمكّنات تحقيق عائد أكبر على استثمار أموال الضمان   |   شركة ميناء حاويات العقبة توقع اتفاقية مع مؤسسة الحسين للسرطان لتوسيع نطاق التوعية بسرطان الثدي في العقبة   |   أداء المملكة في المرونة وتركيزها على النمو المستقبلي عاملان محوريان في ترسيخ مكانة مجمع الملك الحسين للأعمال كبوابة للأعمال من العالم إلى الأردن والمشرق العربي   |   أنشطة متنوعة تنفذها مديرية شباب محافظة العاصمة   |   تهنئة من مصلح الحمايدة....   |   جماعة عمان تدعو إلى بناء القوة القادرة على رد العدوان   |   منصّة زين للإبداع ZINC)) تدعم فِكرة مشروع 《يونيفليكس》UNIFLIX   |  

جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به


جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به
الكاتب - الدكتور منذر جرادات

جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به

الدكتور منذر جرادات

المختص في الإعلام والفكر السياسي

aljaradat@hotmail.com

في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية ،لا يبدو تمر هذه الذكرى مجرد لحظة احتفالية تعود إلى عام 1946، بل أننا نتوقف عند هذا اليوم كمسار متجدد يفرض نفسه لصياغة الذات الوطنية، ويدفعنا للشعور بالمسؤولية المتواصلة لاختبار معنى السيادة في زمن التحولات السريعة؛ فالاستقلال ليس الخروج من عباءة الانتداب فقط وإنما يمثل قدرة الدولة على صيانة قرارها الحر وتحصين هويتها من التآكل ، والتأكيد على ممارسة سياستها وفق معايير ذاتية متجذرة في الوعي لا استجابة لأي ضغوط.

لقد وُلد الأردن في بيئة جيوسياسية مضطربة في عين العاصفة وفي ظروف لا ترجح بقاء الدول فيها، لكنه شق طريقه بتوازن نادر بفضل الله وحكمة من قاد الدولة من ملوك ورجال الوطن الأوفياء وضلوعهم في السياسة العقلانية والجغرافيا المليئة بالتحديات . 

ومنذ تأسيسه الاردن بقي متمسكا بثوابته الواضحه وواعٍ لدوره الحقيقي ، بعيدًا كل البعد عن الانفعال، ورفضه الاصطفاف الأعمى أو المغامرات غير المحسوبة وهو ما يعكس جوهر مدرسة سياسية فريدة من نوعها حافظت على بوصلة الموقف وسط متغيرات قاسية.

وحين نُسقط عدسة الفكر السياسي الرمزي على هذه التجربة نستحضر جلجامش هذا الملك السومري الذي لم ينل خلوده من البطولات القتالية ،بل من رحلته نحو الحكمة حين أدرك أن المجد الحقيقي يبنى على وعي الإنسان وحدود السلطة وعلى ما يتركه من أثر في مدينته التي تستمر بالحكمة و بالعقل، لا بالقوة.

 وهكذا بدا الأردن في رحلته السياسية؛ إذ لم يستند في بقائه على ثقل مادي بل إلى إرادة واعية تدير التوازن وتحمي الثوابت وتبني الجسور لا الجدران في مقاربة مستقرة بين الواقعية والمبدأ بين الاستقلال السياسي والاستقلال الأخلاقي.

فمنذ الملك المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني تم الحفاظ على خيط ناظم في فلسفة الحكم يقوم على حماية الدولة من الداخل والتموضع الذكي في الخارج ، وعلى أن الكرامة هي جزء لا يتجزأ من الاستقلال، ولا عن القدرة على قول "لا" في اللحظة التي يكون فيها الصمت شكلا من أشكال التفريط ولنا شواهد في كل المحطات التي مر بها الاردن كان يتصرف بوصفه دولة لها شخصيتها وليست مجرد تابع في معادلات إقليمية مضطربة.

ولأن كل دولة تُعرف بثوابتها، فإن الأردن لم يتخلى يومًا عن قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست قضية مجاورة بل قضية وطنية ومن ثوابت الدولة الأردنية، التي لا تخضع لإعادة التقييم أو المقايضة بل ركن من أركان التوازن الداخلي والسيادة وجزء أصيل من فلسفة الموقف لا من ضرورات الخطاب السياسي الموسمي.

هذه المدرسة السياسية التي صنعها الأردن ليست وصفة جاهزة لكنها تشبه الرحلة التي خاضها جلجامش نحو إدراك المعنى حيث يصبح الاستقلال الحقيقي فعلًا يمارس، لا شعارات في زمن يغيب فيه الخط الفاصل بين الهوية والمصالح العابرة،إذ يثبت الأردن مرة تلو الأخرى لاختياره الطريق الأصعب؛ طريق الدولة الأخلاقية المتزنة التي تحافظ على نفسها دون أن تفقد معناها، والتي تعرف أن السيادة ليست في اليافطات ولا في الكلمات الكبيرة بين الحان الأغاني، بل في المواقف المتزنة وفي الشجاعة الهادئة وفي البقاء الكريم وفي وجدان كل وطني حر، ولهذا فإن الاستقلال الأردني هو أحد القلائل الذين يُحتفل به… ويُمارَس في آنٍ واحد.