المعركة وعوامل النصر والهزيمة ...   |   برنامج Jordan Source ينهي مشاركته في فعاليات منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024 بنجاح   |   المهرجان الثقافي الدولي للفن التشكيلي المعاصر في الجزائر   |   سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر ... ولكن!   |   《جو أكاديمي》 ترعى الجلسة الحوارية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني مع دولة رئيس الوزراء     |   وزير الثقافة يطلع على تجربة الكويت الإعلامية   |   بيان صادر عن المنتدى العالمي للوسطية   |   فلاح الصغيّر نقيبًا لنقابة شركات الدعاية والإعلان وخدمات التسويق   |   مراقب الشركات : تحقيق التنمية المستدامة يتطلب استثمارا بالموارد البشرية   |   تخريج 21 مشاركة ببرنامج Female Future   |   بَــعــدَ أَن تَــقــفِــز بــالــمــظــلَّـة ؟!   |   البنك الأردني الكويتي يشارك في مبادرة جمعية البنوك الوطنية الكبرى لدعم شراء الشقق السكنية لأول مرة   |   عمان الأهلية تشارك في فعاليات أسبوع معرض المهارات التمريضية   |   عمان الاهلية تشارك بفعاليات اليوم الوطني لهندسة الطب والاحياء المنظّم من IEEE (EMBS)   |   فاز الصفدي لكنّ العرموطي 《لم يخسر》 .. كيف سيختار النواب لجان التشريع ومَن سيتولّى الرقابة؟   |   ردّاً على منشور الدكتور الرحاحلة؛ كنتَ ستزيد تشوّهات التأمين الصحي يا عزيزي.!   |   أورنج الأردن تقدم 40 منحة جامعية عبر YO للشباب للسنة الثالثة على التوالي   |   الصفدي يترأس أول اجتماع لمكتب دائم النواب..وتسمية أعضاء لجنة الرد على خطبة العرش   |   اعتماد النقابة اللوجستية الأردنية لتقديم دبلوم الفياتا الدولي   |   تطبيق 《Visa Airport Companion 》 الجديد للحصول على تجربة سفر مميزة في جميع أنحاء العالم   |  

الأساس الفلسفي لمنهج التحليل الاجتماعي


الأساس الفلسفي لمنهج التحليل الاجتماعي
الكاتب - ابراهيم ابو عواد

الأساس الفلسفي لمنهج التحليل الاجتماعي

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

1

     منهجُ التحليلِ الاجتماعي لَيْسَ أداةً للسيطرة على الإنسان، وإنَّما هو آلِيَّة فكرية لتحرير الإنسان مِن سَطْوَةِ الأحلام المَقموعة ، والصِّراعاتِ الشُّعورية المَكبوتة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى الحِفَاظِ على حَيَوِيَّةِ الروابط الوجودية بين الإنسانِ والبيئةِ المُحيطةِ به ، وتفعيلِ العلاقات المصيرية بين العقلِ الجَمْعِي والوَعْي القَصْدِي ، بِوَصْفِهَا قواعدَ رافعةً للبناء الاجتماعي ، وأنساقًا ثقافية تَحْمِي المُجتمعَ مِن الاغترابِ عن طبيعته الإنسانية ، وهُويته الحضارية ، وسُلطته المعرفية . ولا يُمكِن للإنسانِ أن يَبْنِيَ أبعادَ شخصيته على قواعد البناء الاجتماعي ، إلا إذا عَقَدَ مُصالحةً بَين حُرِّيته الإبداعية وسُلطةِ المُجتمع المعرفية ، وَصَنَعَ تاريخًا شخصيًّا لأحلامِه وشُعورِه ووَعْيِه ، يَحفظ التوازنَ بين المعاييرِ الأخلاقية والأنساقِ الثقافية ، لِكَيْلا يَحْدُثَ تآكُلٌ في شخصية الفرد الإنسانية ، أو انحسارٌ في مصادر المعرفة التي تَتَحَكَّم بالترابطِ المادي بين مُكَوِّنَات الطبيعة ، والتواصلِ الرُّوحي بين عناصر التاريخ .

2

     تحريرُ الإنسانِ لا ينفصل عن حُرِّية المُجتمع.والإنسانُ والمُجتمعُ لا يستطيعان إدراكَ جَوْهَرِ الوُجود_ واقعيًّا وذهنيًّا_ إلا بتحويل الأشكال البدائية للوَعْي الإنساني إلى تيَّارات فكرية قادرة على طرحِ الأسئلة المصيرية ، والجَمْعِ بين المَصلحةِ الشخصية والمَنفعةِ الجَمَاعِيَّة ، ضِمْن فلسفة الفِعْل الاجتماعي الذي يُعيد الاعتبارَ لإنسانيةِ الإنسان ، عن طريق تكريس الأحداثِ اليومية والوقائعِ التاريخية كإحساسٍ مُتَجَدِّد بقيمة الذات ، وَلَيْسَ وسيلةً لخداع الذات . وهذا يَعْني أنَّ العلاقات الاجتماعية لا تُصبح أنظمةً حياتيةً فَعَّالَةً إلا إذا امتلكَ الإنسانُ القُدرةَ على صناعةِ الحَاضِرِ،وعدمِ الهُروبِ مِن الماضي،وامتلكَ المُجتمعُ السِّيَادَةَ على مَسَارِه_ جَوهريًّا وشكليًّا_. وعمليةُ خِدَاعِ الذاتِ هي مُحاولة يائسة للإفلات مِن الحواجزِ الزمنية والحُدودِ المكانية،لأنَّ الإنسان لا يَتَحَرَّك في الفَرَاغ ، ولا يُوَلِّد أفكارَه مِن العَدَم . إنَّ الإنسانَ كائنٌ خاضعٌ لأنماطِ الحياة التي يُفْرِزُها الزمنُ ، وكَينونةٌ تابعةٌ للتَّنَوُّع الثقافي الذي يُفْرِزُه المَكَانُ . وبالتالي ، مُوَاجَهَةُ الذاتِ أفضل مِن خِدَاعها ، وإيجادُ أجوبة وجودية منطقية عن الأسئلة المصيرية أكثرُ جَدْوَى وأهميةً مِن الالتفافِ على الحقيقة ، والتَّهَرُّبِ مِن التحديات.

3

     الأساسُ الفلسفي لمنهج التحليل الاجتماعي يقوم على رُكْنَيْن : تحرير الإنسان وحُرِّية المُجتمع ، وهذا يَضمن انتقالَ الأحلامِ الفرديةِ والطُّموحاتِ الجَمَاعية مِن قَبْضَةِ الزَّمَن إلى أُفُقِ التضامن الاجتماعي ، ومِن حَيِّزِ المَكَانِ إلى فضاءِ التفاعل الرمزي بَين اللغةِ والفِعْلِ ، ومِن دوافعِ الغريزة إلى سِيَادَةِ المعايير الأخلاقية . وعمليةُ الانتقالِ لا تَحْدُث بِمَعْزِل عن العقل الجَمْعِي ، لأنَّه أساسُ التجانسِ الثقافي ، ومَنْبَعُ التواصلِ اللغوي ، ومَصْدَرُ الشُّعُورِ والوَعْيِ . والعَقْلُ الجَمْعِي يُمَارِسُ سُلطةَ المعرفة في العلاقات الاجتماعية لتخليصها مِن الهَيمنة والتَّبَعِيَّة، ويَضَعُ الشروطَ لتحقيق المُصلحة المشتركة بين الإنسانِ والمجتمعِ . وهذه الشروطُ مُترابطة معَ بُنيةِ الواقع المُعَاصِر ، الذي يُقَدِّم فهمًا جذريًّا لمنظومةِ النَّقْدِ والنَّقْضِ الخَاصَّةِ بالسِّيَاق الزمني الذي نَشَأتْ فيه فلسفةُ الفِعْلِ الاجتماعي ، التي تَحْمِي الأحداثَ اليوميةَ والوقائعَ التاريخيةَ مِن التَّحَوُّلِ إلى سِلَعٍ ثقافية للاستهلاك الأيديولوجي . وإذا كانَ الفِعْلُ الاجتماعي يُفَسِّر الواقعَ المُعَاصِرَ ويُغَيِّره ، باعتباره كِيَانًا فكريًّا احتماليًّا ، ولَيْسَ شيئًا حتميًّا ، فإنَّ سُلطة المُجتمع المعرفية تُفَكِّك شخصيةَ الإنسانِ وتُرَكِّبها ، باعتبارها مَاهِيَّةً وُجوديةً نِسْبِيَّةً ، ولَيْسَتْ حقيقةً مُطْلَقَةً ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى إعادة بناء شخصية الإنسان مِن مَنظور واقعي ، يتعامل معَ حيويةِ العقلِ الجَمْعِي كأداةٍ للإنقاذ، ولَيْسَ عِبئًا ثقيلًا يتمُّ التخطيط للتَّخَلُّص مِنه ، ويُؤَدِّي _ كذلك _ إلى إعادة بناء التنظيم الاجتماعي مِن مُنْطَلَق عقلاني ، يتعامل معَ انفجار الطاقة الرمزية اللغوية كآلِيَّة للخَلاصِ ، ولَيْسَ شِعاراتٍ رَنَّانَة يتمُّ المُتاجرة بها لتحقيق مكاسب شخصية . واتِّحَادُ المَنظورِ الواقعي معَ المُنْطَلَقِ العقلاني يُسَاهِم في اكتشاف جُذورِ الحُلْمِ الإنساني الذي تعيش فيه الأنساقُ الثقافية ، ويَعيش فِيها ، كما يُسَاهِم في مَنْعِ المُجتمع مِن التَّحَوُّل إلى هِجْرَة وجودية مُستمرة مِن الأحلام الوردية إلى الكوابيس المُزْعِجَة .