سجناء في مصر يلجأون لتهريب النطف.. على غرار أسرى فلسطين
على غرار بعض الأسرى الفلسطينيين، بدأ سجناء مصريون لأول مرة في اللجوء إلى تهريب النطف خارج أسوار السجون في ظل منع الخلوة الشرعية، وإصدار أحكام مطولة بالسجن ضد البعض، وسعي آخرين منهم وزوجاتهم لتحقيق حلم الأبوة والأمومة.
فضلا عن تكدس السجون بأعداد غير مسبوقة، وذلك وفقا لشهادة زوجة سجين جنائي وحقوقيين مصريين تحدثوا لـ"عربي21".
حلم سجين
تقول السيدة الثلاثينية أسماء صابر (اسم مستعار)، وهي زوجة سجين جنائي، إنها حامل منذ أشهر قليلة بعدما نجح زوجها في تهريب نطف منوية، موضحة أنهم اضطروا للجوء إلى هذا الأمر بعدما صدر بحقه، قبل نحو 7 أعوام، حكم بالسجن المؤبد (25 عاما)، وهو الأمر الذي "مثّل صدمة كبيرة وعنيفة جدا لكل العائلة، ولي بشكل خاص".
وأضافت، في تصريح خاص لـ"عربي21": "حلم زوجي كان يتمثل في أن ينجب ولدا، لكن ظروف السجن لم تمهله؛ إذ تم حبسه بعد أقل من 3 أشهر على زفافنا. كما أنني أحلم، كأي زوجة، بأن أصبح أمّا ويكون لدي أطفال يملؤون علي الدنيا كلها".
وتابعت أسماء: "رغم أني تعرضت لضغوط كثيرة من أسرتي من أجل الانفصال عن زوجي بعد النطق بالحكم في قضيته، ونظرا لطول فترة سجنه، إلا أنني أصررت على التمسك به، خاصة أن زواجنا تم بعد فترة حب طويلة، ولأنني أعلم أنه مظلوم وبريء".
واستطردت قائلة: "فوجئت في إحدى المرات خلال الزيارة يخبرني بقصة تهريب النطف، وأن أحد رفقائه داخل السجن لجأ لهذا التصرف سابقا، وقد استلهم منه هذا الأمر، وقال لي إن الشيء الوحيد الذي كان، ولا زال، يتمناه أن يرزقه الله بولد يحمل اسمه، وأخبرني عن الإجراءات التي سنقوم بها".
وحينها كانت أسماء، التي تُقيم في أحد الأحياء الشعبية بمحافظة القاهرة، مترددة، ولم تستوعب ما يقوله لها زوجها السجين، ولم تعطه جوابا في وقتها، إلا أنها في الزيارة التالية، وبعد تفكير طويل، وافقت على ذلك، ثم أخبرت أسرتها بالأمر لاحقا.
وأكملت بالقول: "كما كنت أتوقع، رفضت أسرتي تلك الفكرة في البداية، لأنهم يرفضون فكرة استمرار زواجي من الأساس حتى الآن، لكني واجهتهم وضغطت كثيرا عليهم، حتى أنني بكيت أمامهم أكثر من مرة كي يقبلوا بالأمر؛ فأنا أبحث عن سعادة زوجي بأي طريقة لأنني أعشقه حقا، ومستعدة لفعل أي شيء من أجله".
وختمت أسماء حديثها بالقول: "فيما بعد نجحنا في الحصول على نطفة منوية من زوجي خلال إحدى الزيارات ثم توجهنا بها في اليوم ذاته -بحضور أهلي وأهل زوجي- إلى أحد مراكز الإنجاب من أجل إبقائها صالحة وإجراء الفحوص المطلوبة، ولاحقا نجح الحمل بفضل الله، ونحن الآن في انتظار قدوم مولودنا الأول".
محاولات عديدة
من جهته، قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي: "قد يعتقد البعض أن ظاهرة تهريب النطف مقصورة فقط على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إلا أن هذا الأمر غير صحيح بالمرة؛ فالسجون المصرية شهدت بالفعل محاولات عديدة لتهريب النطف"، مشيرا إلى "تنامي تلك الظاهرة، خاصة في ظل وأد كل المحاولات المبذولة لتوفير الخلوة الشرعية داخل السجون".
ولفت بيومي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إلى أن "نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك أقر ضمنيا الحق في الخلوة الشرعية لكثير من السجناء، ومنهم سجناء الجماعة الإسلامية خلال فترة التسعينيات، ولكن حدث ذلك بصورة غير رسمية وغير مُقننة"، مردفا: "لطالما طالب العديد من السجناء بضرورة منحهم الحق في الخلوة الشرعية بسبب المدد الحبسية الطويلة التي يحاكمون بها، لكن دون جدوى".
وأضاف بيومي: "نحن نرى أن منع هذا الحق الضروري والأساسي عن السجناء، سواء جنائيين أو سياسيين، يُعدّ أمرا خطيرا، وهو يصطدم بحقوق كثيرة على رأسها حق الأمومة والأبوة، فضلا عن أن المنع يفتح مجالات للعلاقات غير السويّة التي قد تظهر وتنمو داخل السجون المختلفة".
واستطرد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، قائلا: "إننا ومن منطلق المطالبة بوجوب إقرار حقوق السجناء كافة، نرجو تعديل قانون السجون ولائحته التنفيذية، ليتم النص على ضرورة تنظيم الحق في الخلوة الشرعية، وبصورة تحفظ للسجين وأسرته كرامتهم"، داعيا لضرورة "إقرار استراتيجية حقيقية داخل جميع مقار الاحتجاز والحبس من أجل أنسنة ظروف السجن والاعتقال بشكل آدامي".
وفي حال تطبيق الخلوة الشرعية سيساهم ذلك في مواجهة وتقليل معدلات الانحراف أو الطلاق التي ربما تحدث بين السجناء وزوجاتهم، بحسب بيومي.
يُشار إلى أن أول خلوة شرعية حدثت داخل السجون المصرية كانت خلال عام 1952 في عهد الملك فاروق الأول، وذلك بعدما تم السماح لوزير الحربية آنذاك اللواء حسين سري عامر –الذي سُجن بعد فشله في رئاسة نادي الضباط- بالاختلاء بزوجته.
كثافة غير مسبوقة
بدوره، لفت مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، إلى أن "تهريب النطف موجود بالفعل منذ سنوات ماضية بين السجناء الجنائيين في مصر، إلا أنه لا يتم الإفصاح عن ذلك لاعتبارات مختلفة متعلقة بعادات وتقاليد المصريين، ولأننا شعب مُحافظ، وفي ظل المخاوف والحواجز المجتمعية إزاء هذا الأمر، فضلا عن تجنب المضايقات الأمنية التي قد يتعرض لها السجناء داخل محبسهم أو خلال زيارات أسرهم لهم".
وأوضح العطار، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن "تهريب النطف بدأ ينتشر بشكل أكبر مما كان عليه في الماضي عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، في ظل الكثافة غير المسبوقة داخل السجون بعدما تم اعتقال عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، وفي ظل أحكام السجن لمدد طويلة لبعض السجناء، وإصرار السلطات على منع أي خلوة شرعية بين السجناء وزوجاتهم".
بينما أوضح العطار أنه لم يتم رصد أي حالة من حالات تهريب النطف بين المعتقلين السياسيين حتى الآن، مضيفا: "لا أعتقد أن هذا الأمر موجود بين المعتقلين السياسيين، كما أنني أستبعد حدوث ذلك، رغم كل ما يتعرضون له، ورغم أن كثيرين منهم صدر بالفعل أحكام قاسية ومطولة ضدهم".
ووفقا لتقرير سابق أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، خلال شهر نيسان/ أبريل 2021، هناك نحو 120 ألف سجين ومحبوس احتياطي ومحتجز في مصر، بينهم نحو 65 ألف معتقل ومحبوس سياسي.
هذا الرقم "الكبير" قريب مما أعلنه الإعلامي نشأت الديهي، المُقرب من الأجهزة الأمنية، حيث قال سابقا، إن عدد المساجين في مصر يبلغ 114 ألف سجين، من بينهم 84 ألف سجين صدر بحقهم أحكام نهائية، و30 ألفا حبس احتياطي وفقا للقانون، معتبرا أن "عدد المساجين بالنسبة للسكان يليق بمصر".
طريقة تهريب النطف
وعن طريقة تهريب النطف، أشار العطار إلى أنه "في اليوم الذي يُسمح فيه بزيارة السجناء يقوم السجين -قبيل الزيارة مباشرة- بوضع العينة (السائل المنوي) داخل كيس مُخصص لهذا الأمر، وهذا الكيس يُوضع في بعض الأغراض التي يخرجها السجين كمعلبات الأكل الفارغة أو غيرها، ثم سرعان ما يتم تسليم هذا الكيس للأهالي خلال الزيارة".
ونوه إلى أنه "أحيانا لا يكون هناك تضييق كبير في الزيارات الخاصة بالسجناء الجنائيين على عكس ما يقع بحق المعتقلين السياسيين".
وذكر أن "الحيوانات المنوية تظل حيّة داخل السائل المنوي لساعات طويلة، خاصة إذا ما جرى وضعها في وعاء مُعقّم ويتم حفظها بمواد خاصة بعيدا عن الهواء، وسرعان ما يجري إتمام عملية التلقيح أو التّطعيم الاصطناعي داخل إحدى المستشفيات أو المراكز الطبية المتخصصة في ذلك، وذلك كي يضمنوا بقاء الحيوانات المنوية على قيد الحياة، وأن تظل قادرة على الإخصاب"، موضحا أن "تقنية التلقيح الاصطناعي منتشرة في مصر لمعالجة حالات العقم لدى الرجال أو النساء".
وحذّر مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، من أن "حرمان السجناء من ممارسة الحق في الخلوة الشرعية ربما يكون له عواقب وخيمة على السجناء وأسرهم والمجتمع ذاته"، مشيرا إلى تداعيات ذلك.
حقوق ضرورية
وأوضح مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، شريف هلالي، أن عقوبة السجن، تفترض حرمان السجين من حريته فقط، بالتالي لم تمنعه من باقي الحقوق الأخرى، والتي منها على سبيل المثال الحق في الممارسة المشروعة للجنس، والذي هو من بين أهم حقوق الإنسان، بل إنه قد يقترب من درجة أهمية الطعام والشراب.
وأشار هلالي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إلى أن "المعايير الدولية لحقوق السجناء والمحتجزين أكدت على النظرة الخاصة بتأهيل السجناء وإعدادهم بشكل مناسب أثناء فترة وجودهم في السجن للحظة خروجهم، بالتالي لا يجب أن ينفصلوا عن مجتمعهم الإنساني وأسرهم في المقدمة".
وقال منتقدا: "هناك من ينظرون إلى موضوع الخلوة الزوجية على اعتبار أنه رفاهية في ظل التردي الشديد لأوضاع السجون والمعاملة القاسية للسجناء، وفي ظل وفاة المئات منهم سنويا بسبب سوء الرعاية الصحية داخلها أو تحت تأثير التعذيب في مقار الاحتجاز وحرمانهم من حقوقهم الأساسية".
عواقب وخيمة
لكنه يرى أنه "لا يجب أن يكون السجين محروما من الخلوة الزوجية، لأن هذا الحرمان يؤدي إلى آثار صحية واجتماعية في غاية الخطورة سواء على السجين أو أسرته، وفي داخل السجن قد يؤدي إلى ظواهر صادمة، ويؤدي إلى إحباطات نفسية بالنسبة له".
واستطرد هلالي قائلا: "كما قد يؤدي هذا الحرمان الجنسي إلى آثار اجتماعية على الزوجة أيضا، وهو جزء من الحق في تكوين أسرة المعترف به ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
ونوّه إلى أن "الكثير من الدول، وحتى دول عربية كالسعودية وقطر والأردن وغيرها، لا تحرم السجين من الخلوة الشرعية، بل إن بعض تلك الدول تسمح بخروج السجين لساعات أو ليوم أو يومين لإتمام الخلوة الشرعية مع زوجته داخل المنزل دون التذرع بأي مشاكل أو نقص في الإمكانيات، أو وجود صعوبات تحول دون إعطاء هذا الحق المشروع".
وأضاف: "لذلك، لا يجب أن نمنع السجين من حق الاتصال بزوجته، ويجب أن يتم تقنين هذه الخطوة في قانون ولائحة السجون، خاصة أنه كان يتم السماح بالخلوة الزوجية لكثير من السجناء المنتمين للحركة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات في السجون المصرية، وكانت إدارة السجون تسمح بهذه المسألة"، مشدّدا على أن "كبت ومنع هذه الرغبة الطبيعية لدى السجناء يُسبّب الكثير من المشاكل والتشوهات النفسية وغيرها".
تغيير قانون السجون
وتابع هلالي: "الآن تغيرت بعض مواد قانون السجون، وجرى تغيير تسمية السجون بمراكز إعادة التأهيل ومصلحة السجون بإدارة الحماية المجتمعية، والسجين بالنزيل، بينما لا يجب أن يكون هذا التغيير شكليا فقط، بل يجب أن يمتد إلى تغيير مضمون وفلسفة معاملة السجناء واحترام حقوقهم الواردة في قانون ولائحة السجناء، والموافقة على مبدأ الخلوة الزوجية سواء داخل أو خارج السجن، ويمكن تنظيم ذلك بحيث لا يكون عبئا على مصلحة السجون، ولتكن مثلا مرة واحدة كل شهرين في مكان مُخصص لذلك داخل السجن".
وطالب بـ"السماح للسجين بزيارة خارجية لزوجته خارج السجن، ويمكن اعتبارها مكافأة للسجناء على حسن سيرهم وسلوكهم داخل السجن، وهي جزء من مبدأ إعادة التأهيل للسجناء".
وأوضح أن "بعض السجناء يلجأون إلى تهريب أو محاولة تهريب النطف قبل أن يخرجوا من محبسهم بعد سنوات طويلة، وهم مُعاقون نفسيا، ولم يعد بقدرتهم سوى بقايا شهوة جنسية"، لافتا إلى أنه في حال نجاح تلك العملية يتم "توثيق المولود بسهولة، لأنه في مصر يتم السماح لأحد أقارب الزوج بتسجيل المواليد في مكاتب الصحة المعنية".
يشار إلى أن فكرة تهريب النطف كانت قد برزت لدى الأسرى الفلسطينيين المتزوجين، والمحكومين بالمؤبد ومدى الحياة؛ وذلك في مسعى لتحدي الواقع الذي فرضه الاعتقال بافتراض الحرمان الأبدي من اللقاء الشرعي بالأهل، وحق الإنجاب.
رغم أن هذه الفكرة المبتكرة اصطدمت في بدايتها بمحاذير واعتبارات دينية، ومجتمعية، إلا أنه مع تفهّم المجتمع للظروف الاستثنائية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون وذووهم، خاصة أصحاب المحكوميات العالية، تم كسر تلك الحواجز، وتَشكّل رأي عام شعبي مُساند لهذه العملية، ومحتضن لها.
جدير بالذكر أن مدير مركز "فلسطين لدراسات الأسرى"، رياض الأشقر، قال، في تصريح صحفي، إن إجمالي الأسرى الفلسطينيين الذين نجحوا في الإنجاب عن طريق النطف المهرّبة بلغ 71 أسيرا، 53 منهم من الضفة الغربية، و11 من قطاع غزة، إلى جانب 6 أسرى من القدس المحتلة، وواحد من فلسطينيي الداخل، لافتا إلى أن هؤلاء الأسرى أنجبوا 102 من الأطفال، منهم عدد من التوائم، وذلك بعد نجاح عمليات التلقيح