هل ساهمت حرب أوكرانيا بإبراز معاناة الشعب الفلسطيني؟
مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية والاهتمام العالمي الكبير بدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي، سلطت "عربي21" الضوء على انعكاسات هذه الحرب على معاناة الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 74 عاما.
وحظي الغزو الروسي على أوكرانيا باهتمام عالمي كبير، وقد عملت الولايات المتحدة وأوروبا على دعم كييف بكل السبل؛ عسكريا وماديا واقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وهو ما فتح باب اتهامات ضد الغرب بازدواجية المعايير.
تأثير مزدوج
وعن مدى مساهمة الحرب في أوكرانيا في تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الإسرائيلي، أوضح الباحث المختص في الشؤون الأوروبية والدولية، الخبير حسام شاكر، أن "حرب أوكرانيا لها تأثير محتمل مزدوج، الأول؛ أنها غطت على أي قضية أخرى في العالم؛ وهذا يشمل القضية الفلسطينية في الأساس، وهذا يعني أن قضية فلسطين ضمن الواقع، من شأنها أن تكون متضررة، بسبب الانصراف العالمي إلى القضية الأوكرانية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "في المقابل، أي تصعيد يحصل في فلسطين ليس في صالح داعمي الجانب الأوكراني، وبالتالي فستحرص الدول التي تمثل استراتيجيا الجانب الاحتلالي - الولايات المتحدة - على أن يكون هناك نوع من الهدوء كي لا يتم صرف الأنظار بعيدا عن الأولوية الأوكرانية حاليا".
ونوه شاكر، إلى أن "المعادلة هنا مزدوجة، القضية الفلسطينية تخسر إن بقيت حالة الركود في المنطقة، ولم تكن ثمة أحداث ساخنة، ولكن حصول تطورات بما فيها احتمال اندلاع انتفاضة عارمة أو تصعيد حربي، فهذا لا يخدم الموقف الأمريكي والغربي الداعم لأوكرانيا ويريد فقط أن يسلط الأضواء عليها، وهنا سيحصل نوع من الضغط على الجانب الإسرائيلي للتهدئة، وهذا حاصل، ونلحظ ذلك في الأسابيع الأخيرة من خلال الاتصالات المكثفة لمنع احتدام الموقف في فلسطين، وهذا يأتي ضمنا في الحسابات الأوكرانية الدولية".
وعن ارتباط التطبيع بمدى الأهمية التي يبديها العالم نحو القضية الفلسطينية، فقد نبه إلى أن "هوس العرب بالتطبيع، مشرقا ومغربا، مع الاحتلال، لا يعني تجاهل القضية الفلسطينية، ولكن التطبيع هو تجاوز سياسي للقضية الفلسطينية؛ بمعنى علاقات متقدمة مع الاحتلال حتى في مستوى الاستراتيجي مع تجاوز قضية فلسطين. و"قمة النقب" كما سميت تعبر عن هذا المنحنى بوضوح، ولكن هذا لا يعني أن القضية الفلسطينية تخسر في الاهتمام العالمي بسبب التطبيع بشكل مؤكد، لأن فلسطين تبقى قضية مهمة في جدول الأعمال العالمي وأي تصعيد يحدث أو سخونة في الموقف، سيعيد الاهتمام العالمي لقضية فلسطين".
الاهتمام الدولي
وأشار إلى أن "التطبيع الحالي بلغ ذروة كبيرة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفي عهده أيضا شهد محطات تصعيد كبيرة على صعيد القضية الفلسطينية في ذروة لقاءات التطبيع".
ورأى أن "الاهتمام الدولي بقضية فلسطين سيبقى قائما، لكنه مرتبط بالحدث الذي يفرض نفسه ويمنح القضية أولوية ضاغطة على جدول الأعمال العالمي، ودون وجود أحداث ساخنة ضاغطة على الجانب الاحتلالي في فلسطين فإنه لن يتم الالتفات للقضية كأولوية دولية، خاصة مع انشغال الأطراف الدولية بأولويات أخرى".
وحول الاهتمام الأمريكي بالقضية الفلسطينية، ذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، "ليس لها اهتمام استثنائي بقضية فلسطين، وبالعكس، فإن إدارة ترامب وضعت قضية فلسطين على رأس اهتماماتها وتحركاتها، ولكن من أجل تصفية القضية، وأما إدارة بايدن، فلم تقدم حتى الآن أي محتوى سياسي حقيقي وأي توجهات سياسية سوى الحديث العام، حول إيجاد حل للقضية وإمكانية التفاوض حول حل الدولتين".
ولفت شاكر إلى أنه "لا توجد في الأفق من جانب إدارة بايدن أي إشارات واضحة على تحريك الملف في هذا الشأن، وهذا لا ينفك عن إدراك الأطراف جميعا، بأن الاحتلال ليس مهيأ لأن يتخذ أي قرار استراتيجي في هذا الشأن، توجد حكومة هشة في مربع الاحتلال، وهذه الحكومة غير قادرة على إبرام أي مشروع سياسي واتفاق مع الجانب الفلسطيني في المسار السياسي؛ وهذا مسدود بالكامل، وهذا الحكومة يمكن أن تسقط عن أول اختبار سياسي مفصلي، وهي تتأرجح، وبالتالي فإنها تنتفي هنا فكرة وجود شريك في الساحة الإسرائيلية".
وبناء على ما سبق، بحسب الخبير، فإنه يظهر أن "ما تقوم به إدارة بايدن، عبارة عن تزجية الوقت وإعطاء انطباع معين حول اهتمامها بالقضية، لكنها منصرفة بعيدا"، مشيرا إلى وجود "تنافر نسبي في المواقف الأمريكية الإسرائيلية، لكن هذا لا يصرف النظر عن الطبيعة الاستراتيجية التحالفية القائمة بين الجانبين، وعليه، فإنه لا يوجد اهتمام استثنائي لواشنطن في عهد بايدن بالقضية الفلسطينية سوى بالحرص على التهدئة وعدم انزلاق الموقف لتصعيد كبير".
قواعد اللعبة
وفي ظل هذا الواقع، نبه شاكر إلى أن "هناك لحظة مهمة للجانب الفلسطيني كي يغير قواعد اللعبة إن استطاع، من خلال إثبات عدم وجود شريك في الجانب الإسرائيلي، وبالتالي نفض يده من أي ترتيبات مسبقة تمت مع الجانب الإسرائيلي من خلال اتفاقات أوسلو، والجانب الآخر، الاستفادة من اللحظة السياسية الحاصلة من خلال الأزمة الأوكرانية؛ عبر تصعيد الموقف على أكثر من مستوى، وتسخين الجبهة في مواجهة الاحتلال في فرض حقائق جديدة، وهنا نحن بحاجة لقيادة فلسطينية قادرة على خوض التحدي".
من جانبه، رأى الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية منصور أبو كريم، أن "الأزمة الأوكرانية سلطت الضوء على القضية الفلسطينية، نظرا لازدواجية المعايير ما بين التعاطي الدولي؛ الأوروبي والأمريكي خاصة مع حرب أوكرانيا والاحتلال؛ حيث يظهر الاختلاف والتناقض الأمريكي والأوروبي، في الهجوم على روسيا وإدانة غزوها لأوكرانيا، بينما تغفل أي إدانة للاحتلال الإسرائيلي".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "القضية الفلسطينية تمر في أسوأ مراحلها، وهي اليوم ليست على أجندة المجتمع الدولي ولا القوى الإقليمية، وهناك إغفال لهذه القضية والبحث في مآلاتها ومحاولة ترميم مسار التسوية بعد أن استطاع الاحتلال تدمير هذا المسار نتيجة لسياسات حكومته السابقة، وبالتالي فإن هذه القضية لا تأخذ الاهتمام الكافي؛ لا على المستوى السياسي ولا على حتى على المستوى الاقتصادي نظرا لانشغال العالم بالغزو الروسي وجائحة كورونا".
وذكر أبو كريم، أن "إدارة بايدن لا تهتم بالقضية الفلسطينية من الجانب السياسي، وإنما تهتم بمحاولة ترميم العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وتحسين الوضع الاقتصادي، ما يعزز المقاربة الاقتصادية بعد أن تخلت إدارة بايدن عن المقاربة السياسية، وبالتالي فإن ما يحكم إدارة بايدن هو استمرارها لسلوك سابقتها إدارة ترامب، ولكن بأدوات ووسائل أخرى".
وأفاد بأن "إدارة بايدن ليس لها أجندة أو مقاربة جديدة للتعاطي مع القضية الفلسطينية، وإنما محاولات لتهدئة الوضع في الأراضي الفلسطينية وتحسين الوضع الاقتصادي، وهذا جزء من تحول الموقف الأمريكي من المقاربة السياسية للتسوية إلى المقاربة الاقتصادية؛ ما يعزز الحل الاقتصادي على حساب السياسي، وهذا يشكل تحديا أمام الشعب الفلسطيني وقضيته".
ونبه الباحث، إلى أن "القضية الفلسطينية تعاني من تحديات كبيرة وتراجع الاهتمام على المستوى الدولي"، منوها إلى أن "الاحتلال يحاول تجاوز القضية الفلسطينية التي أصبحت في أدنى مستويات اهتمام المجتمع الدولي، وهناك العديد من القضايا ذات الأولوية؛ فعلى مستوى الشرق الأوسط، هناك أزمة اليمن والأزمة السورية إضافة إلى الأزمة الأوكرانية