تحديات تيار الإسلام السياسي والاستحقاق المطلوب
في 17 حزيران من العام الماضي، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين «الوثيقة السياسية للحركة الإسلامية في الأردن»، لغرض إعادة تعريف نفسها والتوثيق بين الرؤى و المطلقات والمصالح والأهداف. أكدت الجماعة على الالتزام بفكرة الدولة الوطنية واحترام الدستور، وقواعد اللعبة الديمقراطية، والحقوق والحريات، وتمكين المرأة
والشباب، لكن الوثيقة تجنبت الحديث عن مسألة حيوية وحساسة وهي الفصل بين الدعوي والسياسي.
هل تأخرت الجماعة في إصدار الوثيقة ؟
في مؤتمر الإعلان عن الوثيقة صرحت الجماعة أنها استغرقت عاما من التحضير والمناقشة, غير أنها تأخرت سنوات في اصدراها، إذ أن المتغيرات التي رافقت واعقبت الربيع العربي كانت تستوجب المراجعة والتقويم وإنتاج الفكر السياسي الجديد.
التجديد والتطوير على المستويين الفكري والسياسي ليس ترفاً فكرياً، وليس لجهة تقديم أوراق الاعتماد لاسترضاء اي جهات أو مؤسسات خارجية أو داخلية، بل لأنها عملية ضرورية لأسباب موضوعية بالدرجة الأولى، بل واشتد الأمر ضروره عند حدوث انتكاسة الجماعة في مصر وتصنيفها منظمة إرهابية في دول عربية عدة.
تجربة المراجعة وفصل الدعوي عن السياسي قامت به حركة النهضة في تونس، وسبقتها في ذلك الحركة المغاربية في الفصل بين الدعوي والسياسي والنقابي.
هل فصل الدعوي عن السياسي ضرورة ؟
أسستْ جماعةُ الإخوان المسلمين في الأردن يوم 19/11/1945م. وكانت الجماعة في تلك الفترة تشهد حضوراً جماهيرياً ، وقبولا اجتماعياً لا يخفى.
جاء تأسيس الحركة بمبادرة من الحاج "عبد اللطيف أبو قورة"، الذي اتصلَ بالمرشد العام ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين "حسن البنا"رحمهما الله، وتعرَّف على الجماعة وكان عضواً في الهيئة التأسيسية في مصر. ورغم تسجيل الحركة كجمعية خيرية، إلا أنها أعادت تعريف نفسها عام ١٩٥٣ باعتبارها جماعة إسلامية تعني بالعمل الاجتماعي وذات طبيعة سياسية، ما يعني أن الظروف الموضوعية آنذاك لم تكن تستوجب الفصل التخصصي في الواجبات، ولأن شبهة الفصل بين الدين والحياة كانت في ذروتها في تلك اللحظة، فكان من المناسب أن تنظر الحركة إلى الإسلام ليس كدِين فقط، بل كبرنامجٍ أخلاقي شامل، يتناول قضايا سياسية، اقتصادية اجتماعية وروحية.
الوثيقة الفكرية للحركة الإسلامية في الأردن خطوة نحو الأمام، ولكنها ليست كافية، ربما بسبب بعض الاعتبارات والتجاذبات الداخلية التي حولت الانطلاقة المطلوبة إلى قفزة محدودة واستجابة للحد الأدنى من التطوير المنتظر .
أهمية الفرصة التي تحملها اللحظة أن العالم يخوض غمار الأحداث العاصفة وأن الجماعة تمر في لحظات صعبة وعلى أعتاب استحقاق تنظيمي لانتخاب قيادة جديدة، فهل ستفرز الانتخابات قيادة قادرة على إحداث الفرق المطلوب في التطوير والتجديد؟ ام ان القوى المحافظة ستحاول دون ذلك تحت عنوان المحافظة على الموروث والخشية من التجديد أو ما يسمى بالحفاظ على الثوابت؟.
الكاتب
محمود بشير