إدارات الشركات.... في مواجهة الازمات
د.محمد ابوحمور
وزير مالية سابق
يمر العالم هذه الايام بأوقات عصيبة ويواجه ظروفاً استثنائية تكاد تكون فريدة في طبيعة ما تفرضه من تحديات على مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وقد كتب الكثير حول ما ستخلفه الازمة الراهنة على الاقتصاد الكلي والمالية العامة والتجارة الدولية والعلاقات بين الدول وحتى النظم السياسية.
ويبدو ان محاولات التصدي لاثار هذه الازمة على مستوى المؤسسات الاقتصادية لم تحظ بما تستحقه من اهتمام بالرغم من ان مختلف الطروحات تؤكد بان القطاع الخاص لا بد ان يكون له دور ريادي في النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل، وضمن هذا الاطار من المهم ان نبحث دور مجالس ادارة الشركات وما يمكن ان تساهم به في مواجهة الظروف الراهنة لتمكن الشركة من السير قدماً نحو بر الامان وصولاً الى التكيف مع واقع ما بعد الازمة .
نمط الازمة التي نمر بها حالياً يتصف ببعض المزايا الخاصة ومن أهمها انها أزمة عالمية تؤثر على مختلف دول العالم ، وهي لم تكن وليدة ظروف داخلية على مستوى الشركات او محلية على مستوى الوطن بل نتيجة لظروف صحية يمر بها العالم أجمع، ومن غير الواضح حتى الان المدى الزمني الذي سوف تستغرقه او طبيعة الاثار التي سوف تنجم عنها، كما ان درجة تأثيرها تختلف بين قطاع واخر .
ففي حين انها تشكل فرصة للنمو لبعض القطاعات مثل صناعة الادوية والمطهرات والمواد الغذائية، فهي تشكل ما يشبه الكارثة لقطاعات اخرى مثل المنشات السياحية والنقل الجوي والمرافق الترفيهية وغيرها، الا أنه وفي كل الاحوال هناك جوانب مشتركة لا بد للادارات من مراعاتها في مختلف الظروف.
حددت التشريعات ذات العلاقة دور ومهام ومسؤوليات مجلس الادارة بما في ذلك وضع السياسات والخطط والاجراءات التي تحقق مصلحة الشركة وتحافظ على حقوق المساهمين وتخدم المجتمع المحلي ، واعداد استراتيجية لادارة المخاطر ، وتحديد مهام وصلاحيات الادارة التنفيذية ومراجعة وتقييم ادائها.
ولا شك بان دور مجلس الادارة في الشركة يشمل جوانب متعددة لها انعكاسات مباشرة على قدرة الشركة على تحقيق اهدافها وتلبية احتياجاتها وطبيعة علاقتها مع مختلف الشركاء والاطراف ذات العلاقة، ولا بد لمجلس الادارة ان يمتلك القدرة على قيادة اعمال الشركة باسلوب ريادي يمكنها من مواجهة ما قد يطرا من ظروف مستجدة بما في ذلك في أوقات الازمات وما تحمله من عراقيل وصعوبات، وبحيث تكون الشركة ليس فقط قادرة على السيطرة على الازمة والخروج منها باقل الخسائر وانما ايضاً ان تحول الازمة الى فرصة عبر التفكير الابداعي والاستعداد المسبق الذي يتيح وضع الخطط والسيناريوهات المختلفة للتعامل مع المخاطر المتوقعة وما قد ينتج عنها من أزمات ، وعبر بناء هيكل تنظيمي وخطط مستقبلية للشركة تتصف بالمرونة التي تتيح التعامل مع المستجدات والازمات.
ولا شك بان كل شركة تواجه مصاعب وتحديات مختلفة في أوقات الأزمات وذلك تبعاً لطبيعة نشاطها والقطاع الذي تنتمي له وموقعها الجغرافي وحجمها وقدرتها التنافسية وغير ذلك من العوامل ، الا أن هناك جوانب مشتركة تظهر في ادارة الازمات مثل كيفية توزيع الادوار والمسؤوليات، وتحديد الاولويات، ومدى القدرة على تحقيق التناسب بين ضرورة اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة قد لا يتوفر لها معلومات وبيانات ملائمة مع المتطلبات التظيمية والرقابية واستحقاقات الحوكمة الرشيدة، وكذلك تحدي الحفاظ على التكامل بين ادارة الازمة وبين ادارة الرقابة الداخلية للشركة .
لذلك فان دور مجلس الادارة يبدو ضرورياً وحاسماً في مثل هذه الظروف، فلا بد له من التأكد من ان الادارة التنفيذية لديها خطط واجراءات واضحة للتعامل مع المستجدات مع توفر القوى البشرية القادرة على تنفيذ هذه الخطط والبرامج، وفي مثل هذه الظروف لا بد ان يحافظ مجلس الادارة على عقد اجتماعاته بشكل دوري ومنتظم وفقاً لما تستدعيه المستجدات، مع تعزيز وتكثيف التواصل مع الادارة التنفيذية للتمكن من متابعة التطورات أولاً بأول وكذلك لتقييم ما تقوم به هذه الادارة من أعمال وتقديم النصح والارشاد حيثما لزم ذلك، أضافة الى تمكين ادارة الازمة من الحصول على المصادر اللازمة لها وتفويضها الصلاحيات المناسبة بما في ذلك امكانية الاستعانة بخبرات خارجية ومراعاة حجم الاعباء المترتبة عليها.
من الضروري ان يقوم مجلس الادارة وبشكل مسبق بتوفير العوامل التي تتيح التعامل بنجاح مع الازمات بما في ذلك التأكد من وضع الخطط الملائمة ومراجعتها دورياً وتطوير القدرات العملية والاهتمام بتوفير ما يشبه نظام انذار مبكر لكي لا تتفاجأ الشركة بتغير الظروف، أضافة الى فتح قنوات الاتصال بين مختلف المستويات الادارية للتمكن من التعامل مع الازمات في الوقت المناسب فالتوقيت كثيرا ما يشكل الفرق بين النجاح والفشل، أضافة لتوفير قاعدة صلبة من المعلومات المتعلقة بعمل الشركة والقطاع الذي تعمل فيه والتاثيرات المحتملة للعوامل المختلفة.
من المتوقع من مجلس الادارة ان يحدد قنوات واضحة وسلسلة للحصول على المعلومات بما يتناسب مع دوره في التصدى للأزمات والمصاعب التي تواجه الشركة ، وان يتأكد من توفر خطة ملائمة تضمن استمرارية العمل بعد الازمة ، وأن يضمن ان القرارات التي تتخذ في مرحلة ما تتفق والاهداف طويلة المدى للشركة .
تصبح المسؤولية مضاعفة على مجلس الادارة في وقت الازمة ويحتاج لتكريس وقت أطول لمتابعة شؤون الشركة، فأضافة الى التوسع في دعم وتوجيه الادارة التنفيذية للشركة لا بد من تكثيف التواصل مع الشركاء واصحاب المصلحة واحاطتهم علماً بالجهود التي تبذل لتجاوز الازمة.
ومن المهم ايضاً تنظيم التواصل مع وسائل الاعلام عبر صوت موحد لكي يعكس صلابة الادارة وتوحدها في مواجهة الأزمة مع التركيز على الشخصية المستقلة للشركة قانونياً والاعلاء من شأنها، وعدم شخصنة ما تقدمه الشركة او ما تحققه من انجازات، أضافة لذلك من الضروري ان تتوفر لدى مجلس الادارة القدرة على البحث عن الفرص المستقبلية للشركة وتحفيز الافكار الابداعية والاستفادة من كل الخبرات المتوفرة، وفي ذات الوقت لا بد من الحفاظ على مرتكزات الحوكمة الرشيدة وتعزيز الشفافية بشكل يبث الطمأنينة داخل وخارج الشركة، وفي كل الاحوال يجب مراعاة عدم التأثير سلباً على الشركة عبر المبالغة في رد الفعل وطرح استنتاجات لا ترتكز الى بيانات ومعلومات ذات ملاءة ، أو من خلال التدخل غير المبرر في اجراءات الادارة التنفيذية.
لا يقتصر دور مجلس الادارة على ما يقوم به من مهام قبل وأثناء الازمة فلا بد لهذا الدور ان يتواصل حتى بعد انتهاء الازمة وذلك من خلال تقييم ومراجعة مدى كفاءة وفاعلية خطة ادارة الازمة وما تم القيام به من خطوات ومدى فعاليتها ومساهمتها في الحفاظ على الشركة، وكذلك النظر في مستوى الاداء للمجلس والادارة التنفيذية ، وتقدير ما تم التعرض له من عواقب واضرار والنظر في كيفية اصلاحها، مع التأكد من عودة الاعمال الى طبيعتها وفقاً لما استجد من ظروف وينبغي لمجلس الادارة ان يحفز كافة كوادر ومكونات الشركة لمعالجة الاثار والنتائج السلبية والانطلاق لاستعادة قدرة الشركة على العمل بكفاءة وفاعلية ، والاستفادة من الظروف التي مرت بها الشركة لغايات مراكمة الخبرات والاستعداد لما يحمله المستقبل من مسؤوليات ومتطلبات.
تطرح الظروف التي نمر بها حالياً العديد من التحديات امام مختلف المستويات الادارية في الشركات ومن المهم ان لا تصاب الادارات بالهلع والارتباك بل لا بد من القيام بكل ما يلزم لتجاوز هذه الظروف وبث روح من التفاؤل والثقة في المستقبل ، والعمل جدياً لاقتناص الفرص والسير قدماً نحو افاق جديدة من التميز والابداع وحفز الطاقات واستكشاف مكامن القوة لدى الشركة وترميم الجوانب التي لا بد لها من تدعيم.
بمعنى اخر هذا وقت القرارات الحكيمة والاجراءات الحاسمة التي تتيح تجاوز المرحلة الصعبة وايجاد البيئة الملائمة لانطلاقة جديدة تحقق من خلالها الانجازات وتعالج الثغرات، ومن المهم في هذا الاطار توافر الوعي لدى الجميع بما ترتب من اثار وانعكاسات تمهيداً لاشراكهم في العمل الذي يضمن تحويل الازمة الى فرصة كل حسب موقعة وفق رؤية واقعية واضحة وبرامج عملية قابلة للتنفيذ مع التأكد من الحفاظ على الكوادر والخبرات البشرية التي يمكن اعتبارها من الاصول المهمة في الشركة.
وفي عالم متغير لا بد من تغيير أسلوب التفكير لدى الادارات وخاصة القيادية منها لتستطيع تقييم القدرات الحقيقية للشركة مع الاخذ في الاعتبار الفرص والتحديات وكيف يمكن التعامل معها عبر مراجعة الخطط الاستراتيجية لمختلف نشاطات الشركة وكل ذلك في اطار من التواصل الفعال والحوكمة الرشيدة والشفافية في التعامل مع مختلف الاطراف ذات العلاقة سواءً كانت داخل أو خارج الشركة.