ثنائيات كورونا
للناس فيما يشتهون مذاهب، مع تعاقب الليل والنهار تترسخ القناعة بأن اكبر تحدي يقابل العلم اليوم هو فايروس كورونا.
كوفيد 19 أصغر الكيانات غير الحيّة، مقابل أضخم إمبراطوريات العلم والتقدم والمعرفة البشرية.
دون مدافع ولا طائرات ومجردا من أسلحة الدمار الشامل التقليدية يخوض معركته ويشق طريقه نحو مستقبل غامض ومجهول ومحمّل بعدم المعرفة بالنتائج التي سيصل إليها، والأهداف التي يسعى لتحقيقها.
في بداية الوباء استخف به السياسيون وهم يبحثون عن هويته ونشأته، وكيفية التوظيف السياسي والاقتصادي والانتخابي.
فالفيروس من وجهة نظر الصين هو مُنشأ أميركي، فيما يُصرّ ترامب على أنه فايروس صيني، بينما ذهب نجله إلى التذكير بأن الفيروس ديمقراطي يسعى لإفشال الحزب الجمهوري في المعركة الانتخابية بداية شهر نوفمبر القادم.
الاستقطاب الدولي على أشُدّه في حرب باردة جديدة بحثا عن الدولة التي يتم تلزيمها المسؤولية الأخلاقية والمادية، بإخفاء المعلومات أو بإخفاق الإجراءآت، من أجل تمويل مشاريع إعادة البناء وانتشال الاقتصاد العالمي العملاق الذي أصبح يعاني ويئن تحت وطأة الفايروس، فيما وقفت النظريات الاقتصادية العالمية عاجزة ومكبلة، وبدأ المختصون في البحث عن البدائل حتى لو كانت هجينة وخليط بين المتناقضات.
أكبر المستفيدين من نظرية دعه يعمل دعه يمر هو الفايروس نفسه، الذي لا يتوقف عن العمل ولا يزال يحصد ضحاياه ويضرب في مكان حتى مع إجراءآت حظر التجوال ومنع المرور والسفر.
بعد أن تلاشت الآمال السريعة بفك شيفرة القاتل الجديد فضلا عن اكتشاف اللقاح الضامن لتخليص البشرية من سطوته وجبروته، بدا العالم أكثر واقعية في التعامل مع الجائحة، وبرزت توجهات تدعوا إلى التعايش مع هذا الوباء والخروج بأقل قدر من الخسائر البشرية والاقتصادية، وبعبارة أخرى اقتسام الحياة على هذه الأرض بين الإنسان والمستعمر الجديد، وفق قواعد خاصة لم يتم الكشف عن برتوكولاتها بعد.
عشاق نظرية المؤامرة مدججون هذه المرة بأسماء مشهورة في عالم الشهادات العلمية يحاولون تفسير ظاهرة الفايروس باعتباره صناعة برمجيات جينية خبيثة في سياق الحروب البيولوجية لكنهم لم يقدموا إجابة مقنعة على أسئلة مشروعة من قبيل الاستفسار عن المصدر، ومن المستفيد؟ وبدلا من التوقف عن الاستمرار في هذه المتاهة ذهبوا إلى التأكيد على أن التخليق الجديد خرج عن التحكم والسيطرة،.
في الوقت الذي يبشر البعض ببتشكيل نظام عالمي جديد بعد كورونا، يرى البعض بأن هذه الجائحة هي من علامات دنو الأجل وقيام الساعه التي تؤذن بصدام الكون وزوال البشرية، والمفارقة انهم وقفوا مشدوهين ومستسلمين باعتبار أن هذا القدر لا عاصم له اليوم من أمر الله.
فيما هذا الموقف مخالف لقواعد الدين الذي يأمر بالعدل والإحسان وإعمار الأرض وإقامة الحياة الكريمة فإذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها وله بذلك أجرها.
فريضة الوقت الواجبة هي البحث عن الفسيلة الواقية من هذا الوباء وتخليص البشرية من هذا الألم.
لكن للناس فيما يشتهون مذاهب
لله في خلقه شؤون.
زكي بني إرشيد.
2020 /05 /20.