معركة الفساد في الأردن: ولكن أين هم "الفاسدون"؟
المركب
أعادت ما عرفت بـ"فضيحة تعيينات" 109 نواب أردنيين في البرلمان الأردني لأبنائهم في المجلس، المطالبات بفتح ملفات فساد في بلد يرى فيه 75 في المئة من الشعب أن الفساد زاد خلال السنوات الأخيرة، بحسب استطلاع لمنظمة الشفافية الدولية التي صنفت الأردن ثالثا بين ثماني دول عربية من حيث معدلات الفساد.
ودفع التراشق بين أقطاب السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأردن حول تعيينات تحوم حولها شبهات فساد واستغلال للمنصب العام، نوابا في البرلمان لفتح ملفات لرئيس الحكومة الحالي عبد الله النسور، واتهامه هو الآخر بتعيين أقارب له في مناصب حكومية، ليرد النسور تحت قبة البرلمان قائلا: "هل تهاجر عائلتي البلد حتى تنتهي مهمتي برئاسة الحكومة، حتى يرضى البعض؟ أسرتي تهاجَم باستمرار.. وهل عليّ إغلاق الفرص أمام أفراد عائلتي وكل من ينتمي لي؟".
واعتبر النسور أنه "لا فساد أو حتى الحديث عن إشاعة فساد في الأردن خلال السنوات الخمس الأخيرة"، وهي فترة تولية منصبه.
لكن هذه التصريحات لم تقنع الشارع الأردني الذي خرج سابقا في مسيرات عام 2011، وعلى مدار 3 سنوات، رافعا شعار محاربة الفساد ووقف "نهب المال العام" كأولوية له. وقد أثمرت هذه التحركات في الضغط على الحكومات الأردنية للزج بـ"باشاوات" خلف القضبان، أبرزهم مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي، ومحاكمة متنفذين، كـالرئيس السابق لمجلس إدارة شركة الفوسفات الأردنية وليد الكردي، صهر العائلة المالكة والفار من وجه العدالة.
ويشعر أردنيون بعد تراجع الحراك الشعبي، أن الفساد "بات مؤسسيا في الأردن، حيث يمكن تلمس الفساد، ولكن لا ترى فاسدين"، كما يقول نشطاء.
ويرى الناشط في حراك مدينة معان، أكرم كريشان، أن "الفساد في الأردن أصبح مؤسسيا متجذرا متراكما منذ القدم، ولا يقوم على شخص معين، إنما شخصيات متغلغلة تمارس شتى أنواع الفساد في القطاع الحكومي"، بحسب قوله .
ويعتقد كريشان أن الفساد في الأردن يضرب في القطاع العام، وخصوصا العطاءات الحكومية، بشكل أكبر من القطاع الخاص.
اقرأ أيضا: "وثائق بنما" تكشف كيف سرق متنفذون عطاءات الدولة الأردنية
من جانبه، يقول الكاتب الأردني عمر كلاب؛ إن "الحكومة، وحتى خطاب التكليف الملكي، كان يتحدث عن النزاهة والترهل ومحاربة الفساد، ولم ير الناس فاسدا واحدا.. بمعنى لدينا فساد وليس لدينا فاسدون، وكأن الفساد كيان مستقل بحاله، كيان شبحي كيان هلامي"، بحسب تعبيره.
وقد طال الحديث عن الفساد في السنوات الأخيرة مشاريع وعطاءات حكومية أردنية من أبرزها: بيع عوائد الفوسفات، حيث أبرمت عقود شحن بحرية مع شركات أجنبية، لم يكشف التحقيق عن هوية مالكيها، بأسعار تفوق أسعار السوق العادلة، واتفاقية الكازينو، التي حمّلت خزينة الدولة غرامات واحتوت على مخالفات، ومشروع سكن كريم لعيش كريم، وهي مبادرة ملكية تتضمن بناء 100 ألف شقة على مدى خمسة أعوام، يفترض أن يكون نصفها قد أنجز قبل أعوام، إلا أن المشروع تعثر بسبب وجود شبهات فساد مالي وإداري.
ودارت شبهات فساد أيضا حول مشاريع تتعلق بعطاء توسعة المصفاة الأردنية، وفساد مالي كبير في مؤسسة موارد التي تملك الحكومة الأردنية أسهمها، إلى جانب شبهات فساد في مشروع جر مياه حوض الديسي، وشبهات فساد في إنفاق منحة النفط الكويتية، وغيرها من المشاريع والعطاءات العامة.
"البرلمان الأردني شريك في تغول الفساد"
وحسب استطلاعات محلية، لا يثق المواطن الأردني في المجالس النيابية وفي دورها الرقابي أو محاسة السلطة التنفذية، بسبب ضعف أداء هذه المجالس التي برأت فاسدين وطوت ملفات فساد تحت القبة، وممارسة نواب أعمالا تجارية ومصالح مشتركة مع الحكومة، وإحالة عطاءات على شركات إنشائية وهندسية تابعة لنواب.
ففي عام 2012 صوت مجلس النواب الأردني السادس لصالح عدم إحالة مسؤولين ووزراء إلى القضاء، خلافا لتوصية تقرير لجنة التحقق النيابية في ملف بيع عوائد الفوسفات، إلى جانب تبرئة وزراء ومسؤولين في ملفات شابها فساد، كملف "سكن كريم لعيش كريم" واتفاقية الكازينو.
ويقول رئيس لجنة التحقيق في ملف بيع عوائد الفوسفات في مجلس النواب السادس عشر، أحمد الشقران، الذي بكى أمام المجلس بعد طي ملف الفوسفات: "نحن في مجلس السادس عشر بذلنا المستحيل، واستعنّا بالإعلام لكي نمنع حل لجنة التحقيق في خصخصة الفوسفات، وعندما انتهينا من تقريرنا، فوجئنا بتجييش حكومي وغير حكومي كبير لإفشال التصويت على توصيات اللجنة بتحويل عدد من الوزراء المتهمين إلى القضاء".
ويرى النائب السابق أنه "لا توجد إرادة حكومية حقيقية لمحاربة الفساد في الأردن، بل على العكس فإن الكثير من الممارسات الحكومية تسهل للفاسدين الطريق، والأداة الحكومية الأبرز لمكافحة الفساد، وهي هيئة مكافحة الفساد، لا حول لها ولا قوة، وليس لها أدنى سلطة حقيقية، ولا أدل على ذلك من أن الهيئة لا تستطيع التحقيق أو استجواب أي وزير حالي أو سابق"، وفق قوله.
أما تقارير ديوان المحاسبة، فيرى الشقران أنها "ضعيفة، ولا تصل إلا لحالات الفساد البسيطة غير المؤثرة"، مضيفا: "فشلت مجالس النواب المتعاقبة فشلا ذريعا في بذل أي جهود حقيقية لمحاربة الفساد، وتخلت تماما عن دورها الرقابي على الحكومة، وفي مرات كثيرة ساهمت المجالس في إيقاف التحقيق في قضايا فساد كبيرة".
هيئة مكافحة الفساد
أما هيئة مكافحة الفساد الأردنية، التي تأسست عام 2006، فتؤكد بدورها أن وجودها كان له دور وقائي في التصدي للفساد.
وفي هذا السياق، يقول عضو مجلس الهيئة، طلال الشرفات، إن "الهيئة أحالت للقضاء الأردني 45 قضية فساد منذ مطلع العام الحالي".
وأوضح الشرفات أن الهيئة تحقق في ملف تعيينات النواب الأخيرة؛ فيما إذا كانت تشكل جرم فساد أو ضمن الصلاحيات الإدارية".
وأكد أن "وجود هيئة لمكافحة الفساد، أعطى نتائج مثمرة، من خلال الدور الوقائي الذي تقوم به من خلال وقف بعض المسائل التي تؤدي لارتكاب فساد، كمراقبة العطاءات الحكومية في أثناء عرضها، أو بعض القرارات الإدارية، والتطبيق الخاطئ لنصوص القانون، ومراجعة دورية لبعض الإجراءات المتعلقة بحكومة الإجراءات الإدراية والاقتصادية"، بحسب قول الشرفات الذي شدد على أن الهيئة لا تتعرض لضغوط مباشرة إو غير مباشرة لإنفاذ القانون من أي جهة كانت.
المواطن الأردني
ويفسر الكاتب عمر كُلاب سبب عدم وثوق المواطن الأردني بالجهود الحكومية لمحاربة الفساد؛ بأن "المواطن لم يلمس تحسنا في مستوى اختيار القيادات والمناصب العليا".
وأضاف: "المسابقات التي تعلن عنها الحكومة تكون نتائجها معروفة سلفا.. هذا أفقد المواطن الثقة في كل الإجراءات والتعيينات الحكومية في الدرجات العليا، إلى الحد الذي أوصل العشائر الأردنية للمطالبة في مناصب كوتات، وكأنها محاصصة وفيها حصص عشائرية"، على حد وصفه.
كما يشير كلاب إلى "الحديث الكبير الذي رافق الخصخصة والبيوعات الوطنية وقضايا الفساد التي سمع (المواطن) عنها بالملايين من رئيس الحكومة عبد الله النسور عندما كان نائبا.. لم ير المواطن الأردني شخصيات بالسجن"، مضيفا: "هو يدرك أن كل التصفيات التي حدثت إما تصفيات على أرضية سياسية، أو على أرضية استقواء على أشخاص ليس لهم أي سند عشائري".
ويتساءل كلاب: "لماذا عندما تقدم الحكومة الأردنية على محاربة الفاسدين، تلجأ بعض العشائر إلى احتضان أبنائها وتدافع عنهم عشائريا؟".
ويتابع: "هذا الموضوع يشكل جزء منه ثقة متردية في الحكومة وبإمكانية الضغط عليها، بالمقابل يلمس المواطن إجراءات حكومية غير رشيقة وغير شفافة وغير واضحة، وبالتالي من حقه أن يتكرس لديه الانطباع بأن الفساد قائم".
وتتفق النائبة في البرلمان الأردني، هند الفايز، مع النائب السابق الشقران في أن المجالس النيابية الأردنية كانت في بعض المفاصل شريكة في عمليات الفساد.
وتقول: "مجالس النواب شريكة في الفساد؛ لأن الذي لا يحاسب ويغض الطرف هو فاسد"، بحسب تعبيرها.
وأشارت إلى أن "المواطن الأردني لم يلمس الخطوات الحكومية لمحاربة الفساد"، معتبرة أن "المواطن قادر على قراءة الوضع أكثر من أي طرف آخر".
وقالت الفايز إن ما يقلقها هو الفساد الإداري، ومثال ذلك "تعيين 109 موظفين من أولاد النواب كخدمات شخصية للنواب، كي يغضوا الطرف عن العديد من القضايا.. (هذا) بحد ذاته فساد".
حزبيا، اعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي، في بيان صحفي، أن كلام الجهات الرسمية عن عدم وجود ملفات للفساد "لا يعدو كونه كلاما نظريا لا يستند إلى الحقيقة بشيء".
وقال البيان إن "المواطن الأردني ما زال يشعر بأن هناك عدم جدية في إحداث إصلاح حقيقي في البلاد، وأن مكافحة الفساد ليست إلا شعارا زائفا تمارسه الحكومات المتعاقبة"، وفق تعبير البيان.
وينذر الحديث عن تزايد الفساد، إلى جانب مطالب الإصلاح، بعودة الحراك للشارع الأردني من جديد بعد أن توقف لأسباب داخلية وخارجية. وفي هذا السياق، أطلق حراكيون دعوات لوقفات للمطالبة بالإصلاح، وبينها في حي الطفايلة، أحد أفقر أحياء عمان.