صور بانوراميه مذهلة لقبة الصخرة من قلعة مكاور بمادبا (شاهد)   |   المنتجات البديلة أقل خطورة من السجائر التقليدية مع مركبات ضارة أقل بنسبة تصل إلى 95%   |   السعودية تستضيف النسخة الـ 27 لبطولة مجلس التعاون الخليجي للجولف في جدة   |   السعودية تستضيف النسخة الـ 27 لبطولة مجلس التعاون الخليجي للجولف في جدة   |   شركة لافارج الاسمنت الأردنية تعلن تحقيق صافي أرباح بقيمة 33.8 مليون دينار في 2024   |   شركة توزيع الكهرباء تطلق خدماتها الإلكترونية التجريبية عبر تطبيق واتساب   |   بمناسبة احتفالاتها باليوبيل الذهبي.. دائرة المكتبة الوطنية تنظم مؤتمرها الدولي الأول   |   موقع عماد السيد المسيح (المغطس) يفوز بجائزة جيست أكتا (GIST ACTA) العالمية للسياحة الأثرية والثقافية لعام 2025   |   الدويري يعلن ترشحه لمنصب نقيب المقاولين للدورة الـ25 بحضور عدد من أعضاء الهيئة العامة .. شاهد الصور   |   15 مليار دينار حجم مبادلات الأردن والسعودية التجارية خلال 5 سنوات   |   تريند مايكرو تحصد لقب «الخيار المفضل للعملاء» من جارتنر لعام 2024   |   نجاح لافت لطلاب قسم العلاج الطبيعي في امتحان الأوسكي (OSCE) بجامعة فيلادلفيا   |   أورنج الأردن تنظم ورشة عمل توعوية لتعزيز شمولية الأشخاص ذوي الإعاقة بالشراكة مع اللجنة البارالمبية الأردنية   |   الحكومة: تعديل ساعات الدوام الرسمي في جميع المؤسسات والدوائر الحكومية للأيام الثلاثة المقبلة بسبب الأحوال الجوية   |   أسير إسرائيلي يقبّل رأس عنصر من القسام خلال تسليمه للصليب الأحمر   |   رغم المحنة.. مطاعم شهيرة في غزة تعود للعمل وسط الركام   |   《حماس》 تسلّم 6 من الاسرى الإسرائيليين في قطاع غزة وتستعرض اسلحة اغتنمتها اثناء الحرب.. شاهد   |   رغم توثيق التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال .. ترامب يقطع المساعدات عن أجهزة عبّاس الأمنيّة   |   وفد تجاري برازيلي كبير يزور الاردن صيف هذا العام   |   جامعة فيلادلفيا تهنىء جلالة الملك بالسلامة   |  

... عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض


... عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض
الكاتب - حازم صاغية
لاحظ مراقبون كثر، وبحقّ، أنّ الفرض القسريّ للحجاب يشبه النزع القسريّ للحجاب. ذاك أنّ قسريّة السلوكين تهجس بفرض الواحديّة على شعب قابل أن يكون تعدّديّاً، وأن يختار أفرادُه كيف يعيشون حياتهم تبعاً لخياراتهم وأذواقهم وأفكارهم.
والحال أنّ واحداً من أسباب الفرض القسريّ للحجاب هو النزع القسريّ له، على ما عرفته تركيّا الأتاتوركيّة وإيران الشاهنشاهيّة وسوريّا الأسديّة في سنوات رفعت الأسد الطاووسيّة.
مع هذا هناك أشكال عدّة من التحجيب القسريّ الذي تفرضه الأنظمة، وأحياناً المجتمعات، ولا يقتصر على منديل من قماش. ففي 6 أكتوبر (تشرين الأوّل) الجاري، نشرت «نيويورك تايمز» مقالة لروجير كوهين، أحد أبرز كتّابها، عن مدينة وهران في الجزائر، افتتحها بهاتين الفقرتين:
هذه المدينة الساحليّة الجميلة إنّما المهمَلَة، «تدير ظهرها إلى الخليج»، كما كتب ألبير كامو في روايته «الطاعون». ففي عيشه في وهران وجد أنّ «من المستحيل أن ترى البحر، وعليك دائماً أن تذهب وتبحث عنه». وهذا ليس استعارة سيّئة عن الجزائر نفسها، وهي البلد الذي أدار ظهره إلى العالم ولفّ نفسه بظلمة بلغت كثافتها درجة مُخدّرة. فهي طويلاً ما أقفلت حدودها مع المغرب، وفقط مؤخّراً أعادت فتح معابرها مع تونس، بعد أكثر من سنتين من الإغلاق، كما أنّها تُبقي تجارتها مع جيرانها في أدنى الحدود، وتمضي في تحجيب سلطاتها السياسيّة.
وليس هناك نزع قسريّ للحجاب يفسّر هذا التحجيب الجزائريّ، اللهمّ إلاّ الذاكرة الاستعماريّة، علماً بأنّ الجزائر نالت استقلالها قبل ستين سنة ولم تَعرف بعد الاستقلال أيّاً من الحكّام القليلي التديّن. والراهن أنّ النسيان أفضل من ذاكرة استعماريّة كهذه لا تتذكّر إلاّ بانتقائيّة وأحاديّة شديدتين، ولا تكون خصوبة تذكّرها للماضي سوى تعبير عن إدقاع الإنجاز في الزمن الحاضر. وهذا ناهيك بأنّ رسم الماضي بوصفه مجرّد ملحمة حربيّة أبديّة خير تعزيز لنظام يبغي حجب بلده عن العالم ما استطاع ذلك.
وكان مفاجئاً، فيما الإيرانيّون والإيرانيّات ينتفضون ضدّ التحجيب القسريّ ونظامه، أن يعلن وزير الثقافة اللبنانيّة السيّد محمّد المرتضى مشروعاً جديداً لتحجيبنا: فقد «تبلّغت» وزارته أنّ جهات أجنبيّة «صديقة» رتّبت نشاطاً ثقافيّاً يبدأ بعد أسابيع قليلة ويتضمّن زيارة مجموعة من الأدباء إلى لبنان، لإقامة ندوات متنقّلة في أكثر من مكان فيه، وأنّ «بين هؤلاء عدداً من معتنقي المشاريع الصهيونيّة فكراً وممارسة وداعميها سواء في أعمالهم الأدبيّة أو في حياتهم العاديّة».
وإذ ذكّر بيان الوزير بأنّ «لبنان متشبّث بالانفتاح الثقافيّ والتلاقح الفكريّ بين حضارات الأمم، ونرحّب من ثمّ بأيّ تعاون ثقافيّ بين الدول والشعوب، كما نثمّن أيّ انفتاح على الفكر العالميّ وتجلّياته المعرفيّة»، فقد حذّر من «استغلال الحراك الثقافيّ في سبيل الترويج للصهيونيّة وخططها الاحتلاليّة العدوانيّة الظاهرة والخفيّة، التي بدأت بالأرض ولن تنتهي بالعقول»، مشدّداً على أنّ «التطبيع الثقافي أشدّ ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أيّ تطبيع سياسيّ أو أمنيّ أو عسكريّ. وما دامت القوانين اللبنانيّة التي تعبّر عن مشيئة الشعب بكامل أطيافه وكذلك قيم أبناء هذا الوطن وأخلاقيّاتهم وتضحياتهم، تحظر كلّ أنواع التطبيع مع إسرائيل، بما فيها التطبيع الثقافيّ مباشرةً أو مواربةً، فإنّ وزارة الثقافة في لبنان لن يكون في مقدورها، قانوناً وانتماءً إلى الحقّ، أن تفتح الباب لثقافة صهيونيّة ولو مُقنّعة، أو أن تشرع لبنان ليكون منبراً دعائيّاً لأدب صهيونيّ المحتوى ولأدباء صهيونيّي الأهداف والمقاصد والهوى».
ولسوف يكون إضاعة للوقت وامتهاناً للعقل مناقشة هذه اللغة التي كانت النازيّة الألمانيّة أهمّ مؤسّسيها (والنازيّة، بالمناسبة، بدأت أعمالها بالحرب الثقافيّة وبإحراق الكتب، لأنّها أيضاً رأت أنّ «التطبيع الثقافي أشدّ ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أيّ تطبيع سياسيّ أو أمنيّ أو عسكريّ»). لكنْ يبقى أنّ رغبة الوزير المعلنة ليست سوى تحجيبنا حيال العالم الخارجيّ وسيولة الأفكار والمعارف، وتركنا فريسة لشعارات دعائيّة ضحلة ومثيرة للقرف ينتفض الإيرانيّون اليوم ضدّها. ولا بدّ أخيراً من ملاحظة تضيء على الأغراض السياسيّة الملتوية لسياسات فرض الحجاب الموصوف بمناهضة التطبيع. ذاك أنّ «حركة أمل» التي يمثّلها الوزير المرتضى في الحكومة هي إيّاها التي خاضت ضدّ الفلسطينيّين أشرس حروب الحرب اللبنانيّة والتي عُرفت بـ«حرب المخيّمات». حصل هذا قبل أن تصاب الحركة، هي الأخرى، بحبّ فلسطين على نحو لا يتأدّى عنه إلاّ الإمعان في إفقار لبنان وعزله عن العالم، وفي قهر سكّانه بمن فيهم فلسطينيّوه.
إنّ سياسة التحجيب هذه باتت بلا أحجبة من أيّ نوع كان.