خبراء: معدل الضريبة ينهك الطبقة الوسطى
يجمع خبراء اقتصاديون على أنّ مشروع قانون ضريبة الدخل الذي نشرته الحكومة أول من أمس على موقع ديوان التشريع والرأي الإلكتروني سوف ينهك الطبقة الوسطى التي تعاني مرارة العيش منذ سنوات، رغم أنه يحابي الطبقة الغنية، ولاسيما البنوك.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ هذا القانون جاء ضرورة للإصلاح الضريبي واضطرت الحكومة على إصداره للحصول على شهادة صندوق النقد الدولي الذي أصرّ على أن يكون بهذه الصيغة ويجب على هذه الطبقة تحمل جزء من تكلفة الإصلاح، يرى آخرون أنّ هذه الطبقة ليست مضطرة لتحمّل تبعات أخطاء متراكمة ارتكبتها الحكومات، وتستمر بها الحكومة الحالية، خصوصا مع عدم وجود بوادر إصلاحية في القطاعات المختلفة.
وخفض مشروع القانون الجديد حجم الاعفاءات التي كانت تحصل عليها الأسر من 24 ألف دينار للأسرة و12 ألف دينار للفرد، الى 18 ألفا للأسرة، تصبح 17 ألفا في 2020 و9 آلاف دينار للأفراد تصبح 8 آلاف في 2020، كما قام بإلغاء إعفاءات إضافية قدرها 4 آلاف دينار كانت تمنح بدل فواتير استشفاء وتعليم.
وكانت الحكومة أقرت مشروع القانون الجديد بعد أيام من إنهاء مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، والذي بدأ في مفاوضاته مع الحكومة متعنتا برأيه حول الشرائح التي ستدخل في التعديل الجديد، ومصرا على القانون –بشكله الجديد- مقابل اعطاء شهادة الائتمان التي تؤهل الأردن للحصول على القروض والتمويلات اللازمة لسد عجز الموازنة من جهة والديون المستحقة على المملكة من جهة أخرى.
كما كانت الحكومة أكدت أنّ مقابل هذه الزيادة في الضرائب ستكون هناك إصلاحات قطاعية في التعليم والصحة والنقل سيلمسها المواطن خلال الفترة المقبلة.
وتشكل الطبقة الوسطى بحسب احصائيات تعود إلى 2010 (بأساس 2008) ما نسبته 29 % من المجتمع، حيث أنّها كانت تضم الأسر التي يتراوح انفاقها ما بين 813.5 الى 1112.3 دينار شهريا (حجم الأسرة المعياري 4.7 فرد)، أما الطبقة محدودة الدخل فقد كان نطاق إنفاقها ما بين 500.6 دينار شهريا إلى 813 دينارا (حجم الاسرة المعياري 6 أفراد أما الطبقة الفقيرة (دون خط الفقر) فقط قدر انفاقها بأقل من 500.5 دينار شهريا (حجم الأسرة المعياري 7.4).
وزير تطوير القطاع العام الأسبق، د.ماهر المدادحة، أشار إلى أنّ هذا القانون سيؤثر بالتأكيد على الطبقة الوسطى، إلا أنّ هذا التأثير سيكون محدودا، مشيرا إلى أنّ القانون جاء كمتطلب إصلاحي من قبل صندوق النقد الدولي وقد اضطرت إليه الحكومة مقابل حصولها على شهادة الائتمان من الصندوق الذي تؤهله للحصول على القروض اللازمة لها العام.
ويرى المدادحة أنّ القانون الحالي "متطلب إصلاحي قديم، وقد تأخرت به الحكومات السابقة، وكان لا بد من إقراره، إلا أنّه جاء اليوم في وقت اقتصادي صعب على المواطن والدولة".
ووفقا للمداحة فإنّ القانون سيمس "المتجنب" و"المتهرب" ضريبيا والشرائح التي كان يجب أن تدفع الضريبة ولم تدفعها، مشيرا إلى أن التأثير على الطبقة الوسطى سيكون بسيطا وليس بالنسب الكبيرة، خصوصا أنّ هناك تدرجا في نسب الضرائب المفروضة بعد 18 ألف دينار للأسرة و9 آلاف دينار للفرد.
وأشار إلى أنّ الإصلاح له تكلفة ولا بدّ من تحمّل بعض الأعباء، خصوصا أن هذا القانون جاء في وضع مالي محرج وصعب سياسيا واقتصاديا.
الخبير الاقتصادي، الدكتور زيان زوانة، اختلف مع سابقه، قائلا إنّ "مشروع القانون الجديد "حابى" الطبقة الغنية على حساب الوسطى والفقيرة"، حيث تجلى ذلك في عدة مواد منها قطاع البنوك الذي لم يرفع عليه الضريبة، وهو قطاع يعتقد زوانة أنّ له خصوصية كبيرة ومحتكر أصلا من قبل فئات معينة نصفها غير أردنية.
وذكر زوانة أنّ ما زاد من هذه المحاباة هو إلغاء الإعفاءات التي كانت تحصل عليها الأسر في الصحة والتعليم، في الوقت الذي تلجأ فيه أصلا هذه الأسر على التعليم والصحة في القطاع الخاص بعيدا عن الحكومي لسوء وتردي هذه القطاعات.
ويرى زوانة أنّ الحكومة قامت بالإبقاء على ضريبة المبيعات ولم تخفض منها، وهي ضريبة تمس كل فئات المجتمع الفقيرة والمتوسطة والغنية.
وأشار زوانة إلى أنّ السياسات الحكومية الاقتصادية السابقة والحالية ما تزال مستمرة في وضع الأردن في موقف الارتهان لصندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أنّ "الوفد الحكومي المفاوض للصندوق كان ضعيفا" ولم يستطع أن يفاوض بشكل قوي يخفف من شروطه على الأردن، مضيفا أنّ الحكومة أيضا لم تأت بأي جديد يعطي مؤشرا إصلاحيا على صعيد السياسات.
وذكر أنّ الحكومة أشارت إلى أنها ستزيد الضريبة مقابل تحسين الخدمات، كيف سيكون هذا وما يزال هناك أكثر من 60 مؤسسة مستقلة والانفاق على القطاع العام كبير جدا فيما أنّ هذا القطاع "مهترئ".
وقال المحامي المتخصص بالضريبة، عبدالرحيم الحياري، إن" مشروع قانون ضريبة الدخل أعفى الطبقة المعدمة من الضريبة، ولكنه أخضع الطبقات التي فوقها وتحديدا الطبقة الوسطى".
وأضاف الحياري أن الحكومة زادت العبء الضريبي على تلك الطبقات واستثنت البنوك والقطاعات المالية وهذا على عكس ما صرحت به الحكومة في أكثر من لقاء بأنها تستهدف جيب المقتدر وليس الفقير.
وبين أن أكبر هم لدى الطبقة الوسطى هو التعليم والصحة والإيجار وقد قامت الحكومة بإلغاء الإعفاءات التعليمية والصحية التي كانت في القانون الساري والتي قيمتها 4 آلاف دينار.
وأكد الحياري أن الحكومة في مشروعها زادت العبء الضريبي وهو مخالف لما جاء في كتاب التكليف الملكي بتقليص العبء على المواطن ومخالف أيضا للدستور الذي يشترط عند فرض الضريبة مراعاة قدرة المكلف على الدفع.
وأوضح أن الأسر كانت معفية بمقدار 28 ألفا مقسمة بين 24 ألفا و 4 آلاف فواتير للتعليم والصحة، ولكن الآن أصبحت 18 ألفا، وبالتالي الحكومة ألغت 10 آلاف دينار كإعفاءات للأسر.
يأتي هذا في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الحالية نشرت دراسة حول "العبء الضريبي" اعترفت خلالها أنّ نسبة العبء الضريبي إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة تصل الى حوالي 26.5 % خلال 2017.
وكشفت الدراسة أن نسبة الـ 26.5 % تتوزع على: ضرائب غير مباشرة تقدّر بـ 17.3 %، وضرائب مباشرة بلغت زهاء 3.7 %، إلى جانب ما نسبته 5.5 % من اقتطاعات الضمان الاجتماعي للعام ذاته.
وبيّنت وجود خلل هيكلي في مكونات النّظام الضريبي؛ اذ تنخفض الضرائب المباشرة كضريبة الدخل إلى نسبة 24 % من إجمالي الإيرادات الضريبية، فيما ترتفع الضرائب غير المباشرة كضريبة المبيعات والرسوم الى نسبة 76 % من إجمالي الإيرادات الضريبيّة.
وأكّدت الدراسة وجود آثار سلبيّة للخلل الهيكلي للعبء الضريبي على العدالة الضريبية، مشدّدة على ضرورة إجراء إصلاحات في الضريبة المباشرة (ضريبة الدخل) لمعالجة الخلل الهيكلي، وتحسين العدالة الضريبيّة، وتكريس تصاعديّة الضريبة.
يشار هنا ايضا الى أنّ الطبقة الوسطى تتركز قطاعيا –بحسب دراسة الطبقة الوسطى المعدة من قبل الحكومة العام 2010- في مجال "تجارة الجملة والتجزئة"، إذ يشكل العاملون في هذا القطاع نحو 21.2 % من إجمالي الطبقة الوسطى، يتبعها قطاع "الإدارة العامة والدفاع" بنسبة 20 %، ثم القطاع الصناعي بنسبة 12 %. ويبرز أيضا قطاع "النقل" و"الاتصالات" كأحد القطاعات المهمة بنسبة 10.1 %، من الطبقة الوسطى فيما تتدنى نسبة القطاع الزراعي وقطاع التعدين والمقالع بنسبة لا تزيد على 3 و2 % على التوالي.
وتوصف هذه القطاعات بـ"المولدة للطبقة الوسطى"، فيما تعتبر قطاعات التمويل والعقارات والاتصالات من بين القطاعات الأعلى أجرا في الأردن، وتشكل العمالة في هذه القطاعات نسبة صغيرة من إجمالي العمالة، لكنها أظهرت معدلات نمو مرتفعة.
وقد كانت لدراسة ذاتها أكدت أنّ "السياسات التي تمكن هذه القطاعات من النمو ستلعب دورا في ايجاد المزيد من الوظائف للطبقات الوسطى والمساهمة في نمو هذه الطبقة".