كلمــــــة معالي الدكتور محمد أبوحمّور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي بمؤتمرالنهضة العربية: تجديد الرسالة الحضاريّة
كلمــــــة
معالي الدكتور محمد أبوحمّور
الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
(الجلسة الافتتاحية)
بسم الله الرحمن الرحيم
عطوفة الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، رئيس الجامعة الأردنية؛ راعية هذا المؤتمر
سعادة الأستاذ الدكتور زيد عيادات، رئيس مجلس أمناء منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية
الأخوات والإخوة الأفاضل من أهل الفكر والعلم والضيوف الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أحييكم جميعاً، متمنياً لكم تمام التوفيق في جهودكم الميمونة بإذن الله لإنجاح أعمال هذا المؤتمر والعمل على تحقيق أهدافه النبيلة، وللضيوف الأعزاء كل الترحيب والتمنيات بطيب الإقامة في بلدهم الثاني الأردن.
يتشرف منتدى الفكر العربي بأن يكون شريكاً فاعلاً مع منظمة النهضة العربية ومكتبات الجامعة الأمريكية في بيروت، في التعاون والمتابعة لخدمة الرسالة الحضارية للنهضة العربية ورؤاها الفكرية؛ ذلك أننا ومع الجامعة الأم في هذا البلد الطيب (الجامعة الأردنية)، ومع هذه النخبة الخيِّرة من أعلام الفكر والثقافة وكبار الباحثين، والمؤسسات الفكرية والثقافية النظيرة في الوطن العربي، يمكن أن نشكِّل فضاءً جديداً للحوار الهادف والبنّاء؛ من أجل صياغة رؤية مشتركة، تكفل لنا استعادة المبادرة المستندة إلى القيم النهضوية في خدمة قضايا الأمّة، ومستقبل أجيالها، وفتح آفاق التفاعل الحضاري بيننا وبين الآخرين؛ ضمن الفضاء الإنساني الواسع، وتطوير هويتنا وعناصر التجديد والقوة والنماء في ثقافتنا العربية والإسلامية والإنسانية.
الأخوات والإخوة الأعزاء
من دواعي اعتزازنا أن نرى مساهماتكم ومشاركاتكم القيمة في محاور هذا المؤتمر تثمر فكراً متجدداً قادراً على تأكيد دور المثقف العربي في هذه المرحلة الحساسة والحافلة بالتحديات، التي يمرّ بها الوطن العربي، ودور مراكز الدراسات والمؤسسات الثقافية وسائر هيئات المجتمع المدني في وعي قيم النهضة وأبعادها، وانتشال الإنسان العربي من واقع الإحباط واليأس، وإعادة الأمل إليه لمواصلة المسيرة الحضارية، ودحر الأميّة الثقافية التي تتغلغل مع تفاقم الأزمات، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ والفكرية أيضاً.
لقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال في كتابه "الفكر العربي وسيرورة النهضة"، أننا كنّا وما زلنا في الأوساط الفكرية العربية نتداول البحث في كيفية تفعيل دور المثقف والمفكر العربي، وبلورة الأفكار والتصورات المتعلقة بالأولويات في بناء المواقف العملية لصانعي القرار، وتمكين المواطن بالوعي من التحوّل من متلقٍ للأفكار إلى متفاعلٍ معها، مما يضعنا جميعاً أمام جسامة الدور الذي نتحمل مسؤوليته في مواجهة التحديات.
ولم يكن شعار منتدى الفكر العربي منذ تأسيسه "الانتماء والإنماء" إلا تعبيراً عن ضرورة بلورة فكر عربي تنموي حُرّ ومستقلّ، ينأى عن الخلافات السياسية وحساسياتها، وينتهج الحوار سبيلاً إلى معالجة القضايا برؤية تكاملية، تقوم على وعي الحاضر والمستقبل، وثقافة المشاركة المؤسسية بين القطاع الرسمي والفكر الأكاديمي والاقتصادي والمجتمع المدني، وكذلك تأكيد دور المشاركة الشعبية في صنع القرار.
وعبر ستة وثلاثين 36 عاماً مضت أنجز المنتدى العديد من المشروعات ذات الروح والمضامين النهضوية، بنظرة استشرافيةٍ واقعية، توِّجت خلال السنوات الخمس الماضية بإطلاق "الميثاق الاجتماعي العربي" (2012)، و"الميثاق الاقتصادي العربي" (2015)، ونحن مقبلون قريباً - بإذن الله - على إطلاق "الميثاق الثقافي العربي"، ومن بعده "الميثاق السياسي" و"الميثاق البيئي"، في إطار المشروع الأكبر "النهضة الفكرية العربية".
إن عملنا في هذه المواثيق وغيرها من المشروعات الفكرية يأتي في سياق رسالة المنتدى القائمة على تجسير الفجوة بين الفكر وصانع القرار، والربط بين الفكر والمواطنة، والحرص على إدامة التواصل والتشبيك بين مؤسسات الفكر والمجتمع المدني بكافة قطاعاته، من خلال النظر إلى النهضة على أنها عملية مستمرة (سيرورة)، ومحصلة (تشاركية) للجميع، وذات مسار وأهداف (شمولية)، مبتداها تنمية الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، واعتماد المواطنة المتكافئة والحاضنة لبناء الدولة وتحقيق السلم الاجتماعي.
السيدات والسادة الأكارم
لا يخفى عليكم أن الأزمة الفكرية والثقافية التي نعيشها لا تقل خطورة عن باقي الأزمات في مجالات أخرى، إنْ لم تكن هذه الأزمة هي الأخطر كونها نابعة من ظواهر تفتيت وتشرذم وتقسيمات على مستوى الانتماءات والهويات الفرعية، المذهبية والطائفية والعرقية والجهوية، وكذلك ما نعانيه في الوطن العربي من أزمة في البنى الاجتماعية الثقافية بسبب ظواهر التطرف والتعصب والتكفير، وثقافة الكراهية والاختلال في القيم، وفي إدارة التعددية والتنوع الثقافي، التي أنتجت في كثير من الحالات عنفاً غير مبرر وبلا أي منطق.
وقد أكدت المناقشات التي أجريناها في التحضير لمشروع النهضة الفكرية العربية أننا لا نستطيع كذلك أن نفصل هذه الأزمة عن امتداداتها في حقول التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا والعلوم، فالمتغيرات الثقافية من شأنها أن تؤثر في أداء الإنسان في هذه الحقول تقدماً وازدهاراً، أو تراجعاً وخمولاً. ولا يمكننا كذلك أن نفصل النهضة عن واقعها العملي ونبقيها في إطارها النظري لأن أوضاع المرحلة التي نحياها لا تحتمل رفاهية الفكر. فالمنطقة العربية ما تزال بحاجة إلى جهود حثيثة لمكافحة أميّة القراءة والكتابة، التي ما تزال نسبتها مرتفعة وتصل إلى حوالي 20%، ناهيك عن الأميّة المعرفية التكنولوجية وهي الأخطر أثراً في المستقبل القريب والبعيد على السواء.
وعندما نتحدث عن تراجع في النمو ينبغي ألا ننسى مشكلة التراجع في التعليم والثقافة، كون النمو يرتبط بثقافة العمل والإنتاج، وبعبارة أخرى فإن الاقتصاد لا يتسنى له أن يتقدم أو يتغير إلى الأفضل دون هذه الثقافة ومتطلباتها من العلم والتكنولوجيا والإبداع والابتكار والتجديد.
في "الميثاق الاقتصادي العربي" تحدثنا عن الفرصة السكانية عام 2030؛ بمعنى أن نسبة الشباب في الوطن العربي ستكون في ذلك الحين 70% من عدد السكان. وهناك 50% من الوظائف لن تكون موجودة في المستقبل؛ أي إن نسبة البطالة حالياً التي تبلغ حوالي 18% مرشحة للارتفاع بشكل خطير ما لم نتدارك هذا التحدي بالتخطيط الاستراتيجي وفق أسس وتصورات فكرية استشرافية لدرء الخطر عن الشعوب العربية في تفجّر العنف والتدمير والاستقطاب الإرهابي لطاقات الشباب العاطلين عن العمل وضحايا الفقر والتهميش.
نعم، إن الأمّة جديرة ببنى مؤسسية وهياكل ثقافية للتجديد والتطور، قادرة على أن تخرجنا من أسر صراعات الماضي وأوزارها، وتنقذنا من ثقافة الاتباع والنقل، وتنقلنا إلى ثقافة الإبداع والعقل، وترتبط بواقعنا، وتعالج التحديات المتلاحقة التي يشهدها هذا العصر.
أختم هذه الكلمة بما جاء في مقدمة "الميثاق الاجتماعي العربي" من أن "استخلاص العِبر من الماضي والحاضر لتحريك الإرادة العربية من جديد، والدعوة للتغيير الطوعي على أنه الأسلوب الحضاري؛ الكفيل بالعطاء النوعي، ورسم الصورة المشرقة لمستقبل الأمّة، تصبح كلّها ضرورة بالغة لكل مثقف ومفكر وسياسي وصانع قرار".
أشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.