المركب الاخباري
تضرب إجراءات الحكومة الأردنية تحت عنوان الإصلاح الاقتصادي في كل الاتجاهات وبطريقة لم يعد مفهوماً ماذا كانت الحكومة قادرة على هضمها والتعامل معها. قطاعات بأكملها لا تقف عند حدود اعلان الكساد والركود لا بل الخروج من السوق ايضاً مع ما يترتب عن ذلك من إرباكات لجميع الأطراف. سياسة التصعيد الضريبي حولت المنطقة الحرة الخاصة بالسيارات وتجارتها إلى مدينة أشباح حيث اعلن العشرات من تجار السيارات الخروج من السوق او اغلاق معارضهم وفي احسن الأحوال الاقتراب من خط الاغلاق.
وبدأت تنتشر هنا وعبر وسائط التواصل الاجتماعي صور مؤلمة لمعارض تجارة السيارات التي تغلق تماماً أبوابها فالقطاع ليس مهدداً هنا فقط وفقاً لتعبير خبير تجارة السيارات أكرم ابو الريش بل يموت ببطء وبالتدريج. أبو الريش وفي الملاحظات التي يوثقها يشارك زملاء المهنة والكار الشعور بالألم ويحمل إجراءات الحكومة المسؤولية كاملة.
تجار قطاع السيارات يرفعون الصوت بشكل جماعي خصوصاً ان الحكومة رفعت الضريبة بنسبة تقترب من 500 % على سيارات الهايبريد وبالتالي أخرجت وبقرار واحد حصة كبيرة من تجار هذا النوع من السيارات الصديقة للبيئة من معادلة السوق.
الكاميرات رصدت فعلاً تلك اليافطات في المنطقة الحرة المخصصة للسيارات والتي يعلن اصحابها بأن معارضهم ومكاتبهم للبيع خصوصاً وان الوضع الاقتصادي والمالي المتردي يخيف المواطنين ويمنعهم من شراء السيارات وهو أمر لا يريد وزير المالية عمر ملحس الاقرار بأنه يتسبب بتقليص عائدات الخزينة من بند جمارك السيارات حيث ارتفعت أسعار تراخيص السيارات أيضاً وجماركها بناء على وزنها. المهم ان قطاع السيارات في المناطق الحرة بدأ يغلق ابوابه.
لا يختلف الأمر عند تجار الذهب تحديداً فقد انتشرت أمس الاثنين تلك الصور في المحلات والاسواق المخصصة للذهب والتي يتجمع أصحابها أمامها بعد اغلاقها احتجاجا ًعلى ضريبة غير مسبوقة فرضتها الحكومة على ما يسمى بدمغة الذهب وهي ضريبة ستؤدي فوراً إلى تقليص المبيعات والاحجام عن أي نشاط في هذا السوق الذي يعتبر من الأسواق المواتية جداً اجتماعياً خصوصا بعدما ظهر من ميول في المجتمع لتقديم المهور في سياق البدل النقدي بدلاً من الذهب. رفع الصوت أيضاً نحو 500 مستثمر في قطاع الاسكان اجتمعوا بصفة حاشدة وسط الايحاء بان ازمة اسكان خانقة جدا في طريقها للولادة.
الاجتماع الذي انتهى وحسب الخبير في القطاع زياد مشعل برسالة انفعالية واضحة الملامح وهي التهديد بالخروج من السوق ووقف الاستثمار في قطاع الاسكان ووقف محاولات الحصول على تراخيص جديدة بسبب اصرار الحكومة على مضايقة المستثمرين في هذا القطاع عبر نظام الادوية الجديد الذي يفرض مضايقات وغرامات كبيرة. بمعنى آخر قطاع الاسكان يلوح ايضا بالتصعيد. قبل ذلك دخل قطاع المزارعين المهم والذي يضم 21 الف مزارع في حالة انفعالية جداً اثر قرار غريب يفرض ضريبة بمقدار 10 % على مدخلات الانتاج الزراعي.
المزارع والخبير المهندس كمال الساري عبر عن استغرابه لأنها المرة الأولى التي يسمع فيها عن ضريبة مضادة للتشجيع على الزراعة معتبراً ان ذلك على حد علمه لا يحصل في أي مكان اخر لا بل على العكس توفر الحكومات في العادة غطاء لتشجيع المزارعين وحمايتهم وفي الحالة المحلية يصر الساري على ان القطاع الزراعي كان اصلاً متعثراً ويواجه تحديات صعبة ومصيرية قبل فرض الضريبة الاخير. رفع المزارعون الصوت امام البرلمان بطرق مبتكرة أملاً في جذب انتباه السلطة وتعاطف النواب وبعضهم أحضر بقراً وخرفاناً ودجاجاً بهدف لفت الانتباه.
الساري ورفاقه يتحدثون عن ديون كبيرة للبنوك على المزارعين وعن ندرة في التصدير وعن مضايقات غير منطقية في مجال ترخيص عمال الزراعة وبالتالي حضرت الضريبة الأخيرة كخطة تعلن عملياً وفاة هذا القطاع وبطريقة تنذر بالخطر في المجال الحيوي للأمن الغذائي خصوصاً في منطقة الاغوار التي تحوي عن 80 % من الانتاج الزراعي.
التوقعات سيئة جداً هنا بالنسبة لخبراء القطاع الزراعي فبعضهم ادخل المواشي على مزروعاته لتلتهم المحاصيل لان ذلك أقل كلفة من جمع هذه المحاصيل وغالبيتهم يعرضون مزارعهم للبيع والوضع الزراعي خطير جداً والاسعار ستلتهب عندما يتوقف المزارعون قسرًا وبسبب الضريبة الجديدة عن العمل حيث ان الزراعة لا تأتي بكلفتها وجمع المحاصيل وتغليفها ونقلها وشحنها خلافاً لزراعتها اصلاً وبعد الضريبة الأخيرة من الخطوات التي تعني عملياً بأن الاوفر على المزارع هو الجلوس والتوقف عن العمل.
صدرت تحذيرات مماثلة أيضاً عن قطاعات تجارية بأكملها يبدو أنها تخشى من تداعيات ونتائج التصعيد الضريبي والتسعيري خصوصاً في نطاق تجارة المولات والمواد الغذائية وفي النطاقات التي ينتج عنها اليوم ركود غير مسبوق وكساد وتضخم في كلفة المعيشة.
واللافت جداً للنظر في حالة السوق الأردنية اليوم أن الحكومة تمتنع عن التعليق على مسار الاحداث ولا تقدم حلولاً او معالجات وتكتفي بموقف الفرجة والسلبية وان كانت لا تعلن ما يتوقعه عملياً جميع الخبراء حيث عائدات أقل بكثير من الأرقام المتفائلة للواردات المالية للخزينة جراء التوسع الافقي في الكساد وإعلانات تصفية الأعمال.