شقيقة الزميل المخرج زيد القضاة في ذمة الله   |   البداد القابضة تعلن عن استحواذ استراتيجي بنسبة 60% على شركات في إسبانيا والمغرب العربي   |   اتحاد النقابات العمالية يثمن موقف الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني   |   طلبة قسم العلاج الطبيعي في عمان الأهلية يزورون مستشفى الحسين بالسلط   |   عرض فيلم وجلسة حوارية في عمان الاهلية عن السينما السعودية      |   وزير العمل يلتقي نقيب وأعضاء نقابة المقاولين   |   مجموعة فاين الصحية القابضة تحقق رقماً قياسياً جديداً في سرعة إنتاج المناديل الورقية   |   توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة فيلادلفيا ودائرة المكتبة الوطنية   |   فندق الريتز - كارلتون عمّان يحصد جائزة أفضل فندق ومنتجع صحي فاخر في العالم من جوائز السفر العالمية World Travel Awards 2024   |   أشجار الوفاء من العربية لحماية الطبيعة تكريماً لروح الشهيد ماهر الجازي   |   مذكرة تفاهم بين عمان الأهلية والأكاديمية العربية للسمع والتوازن   |   جماعة عمان لحوارات المستقِبل تعلن تقريرها عن سير انتخابات مجلس النواب   |   350.7) ألف متقاعد ضمان تراكمياً حتى تاريخه.!   |   كُفّ عن الشكوى   |   نقطع اليد التي تمتد الى أمننا .. محمد حسن التل ..   |   النائب السابق ميادة شريم : أحداث الرابية تصرفات غير مسؤولة لا تعكس أخلاق شعبنا   |   《شركتا》 نتورك إنترناشيونال الأردن و《Gate To Pay》 توقعان مذكرة تفاهم لتسريع النمو المالي الرقمي في المملكة   |   سامسونج تسطّر نجاحاً جديداً بحصدها عدة جوائز في حفل 《Clio Sports》   |   《زين》 تطلق مبادرةThe Masters لتمكين ذوي الإعاقة    |   كتلة الأحزاب الوسطية النيابية تدين الاعتداء الغاشم على رجال الامن العام   |  

طاهر المصري يكتب: جَنِّبوا الناسَ هذه المحنة.. بعقلٍ راشدٍ وقلبٍ رَحيم؟!


طاهر المصري يكتب: جَنِّبوا الناسَ هذه المحنة.. بعقلٍ راشدٍ وقلبٍ رَحيم؟!

المركب الاخباري

كتب رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري - 

إذا صحّ أنّ أجدادنا قد صنعوا وطناً عربياً أردنياً، في هذه البلاد، خلال المئة عام الماضية، وهم كذلك بالفعل.. فكلنا أردنيون، ولا فضل لسابقنا على لاحقنا، إلا بمقــدار تقديمه للمصلحة العامة في حياته ومواقفه. إذ لا يجوز أن نقبل أن تحتكر جماعة السلطة والثروة في هذا الوطن الأردني النبيل، بل مواطنون أفراد، متساوون أمام القانون والدستور.

وفي اللحظة العصيبة الراهنة، حيث يرزح المواطن الأردني تحت وابل من الهموم، وينوء كاهلة بالقدرة على مواصلة تدبير حياة أسرته اليومية، فإنّ سيلاً جارفاً من الهواجس يجتاح أفكار وأذهان المواطنين، حول كيف ولماذا وصلت أحواله إلى ما وصلت إليه.. وما هي مسؤوليته المباشرة عن هذه الأحوال.. وهل هناك مخارج لهذا الواقع المرير، سياسياً واقتصادياً.. وهل عليه وحده أن يدفع ثمن سياسات خاطئة، أوصلته إلى طرق مسدودة..

أما سياسياً، فإنّ المواطن الأردني، صار يشكّ بإن كل ما يعيشه من ظروف قاسية وبائسة ليست سوى لإعداده لتقبّل أيّة حلول إقليمية ستجري في المنطقة، وخصوصاً غربيّ النهر، للخلاص من هذه الواقع السيء، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل وطنه ومصالحه العليا..! فقد بات يشعر، أكثر من أي وقت مضى، بأنّ؛ في غربنا الأردني، هناك صفقات غامضة كبرى، يجري إعدادها، وتتصل بمصيره ومستقبل وجوده.. وفي شرقنا الأردني، تتفاعل الجغرافيا الاجتماعية والسياسية على نحو يعيد المنطقة إلى السيولة السياسية التي عاشتها المنطقة بعيد الحرب العالمية الأولى..

وفي جنوبنا، لا تقل التحولات الجوهرية الجارية هناك عن غيرها..

وفي شمالنا، حيث الجرح والكارثة السورية، المتواصلة منذ سبعة أعوام، فإن الأحوال تسير بسرعة فائقة، نحو نهايات لا يستطيع أحد الجزم بملامحها النهائية. إذ تربض على الأرض العربية السورية قوى دولية وإقليمية، متعارضة المصالح والخطط بدأت تأخذ شكل حرب عالمية ثالثة مصغرة، ولم تتوصل بعد إلى توافقات تسمح بالاستقرار في هذا الجزء من وطننا العربي المهشّم الأحوال والقدرات والإرادات..

هذا في جانب الهواجس السياسية، أو في عناوينها الرئيسية. أما في الجانب الاقتصادي، وضمن مناخ عربي عام كهذا، وبقرارات حكومية متتالية ، تم تبريرها بأنها اشتراطات صندوق النقد الدولي لبرامج إصلاح لا تنتهي ، فهذا المواطن الأردني يعيش اليوم أحوالا اجتماعية ومعاشية غير مسبوقة ، أوصلته إلى مرحلة من الشك في كل خطاب رسمي يوجه إليه.

والحقُّ، أنّه ما بين خطاب الحكومات الأردنية وما بين خطابات الدولة هناك مسافة ومساحة ينبغي أن تبقى دوماً واضحة. وفي تلك المساحة، وإليها، تمكن إحالة الأخطاء في الإدارة والسياسات، وفي الآونة الأخيرة، صار المواطن الأردني يشعر -للأسف الشديد- أن أحداً يسعى جاهداً إلى ردم تلك المساحة وتحميل رأس الدولة، بكل ما هو متاح من فشل سياسات وحكومات في إنجاز مهام المرحلة التي جاءت من أجلها.

فليس من المقبول أن يُطلب من المواطن الأردني أن يتفهم أنّ إنفاق الحكومة السنوي (عبر موازنتها) يجب أن يأتي من ضرائب مباشرة من جيبه. لأن النتيجة الأكيدة لهذا هي أن يبدأ المواطن العادي في المقارنة بين أحواله الشخصية اليومية وبين أداء السياسيين الحكوميين، الذين يجبون الضرائب منه، من أجل إدارة حياته. ما يعني فشلاً ذريعاً، في السياسة وفي الخطاب الموجه له..

كما أن هذا المواطن ضحى منذ سنوات بتقبله برنامج التصحيح الاقتصادي الذي قدمه صندوق النقد الدولي آنذاك، وتخرجنا منه قبل 13 عاماً، وها هي الحكومة تعود اليوم لتقدم له مشروعاً أقسى من السابق. ولا يعرف أحد لماذا عاد هذا الوضع مرة أخرى، وعلى الشعب تحمل نتائجه، بينما هو غير مسؤول عن تلك الأخطاء....!

قد يكون من الصعب هنا اقتراح حلول وسياسات اقتصادية للأحوال الأردنية الراهنة . غير أنّه ، بالقطع ، يمكن القول بأن زيادة الضرائب ليست حلّاً إلا للإنفاق الحكومي المباشر..! ذلك أنها تؤدي إلى ركــود اقتصادي عميق، عبر تجفيف قدرة المواطن على الإنفاق، والحدّ من قدرته على الاستهلاك الأساسي، وذلك ما بات المواطن العادي يدركه بغريزته. وعليه، فإنّ أي خطاب عام يطالب المواطن بتفهّم تلك الإجراءات على أنها حلول سيكون ضرباً من العبث..

واليوم، إذا كان ثمّة بعض الهواجس النخبوية الأردنية المحقّة، باستنادها إلى سيولة الإقليم الجيوسياسية، ناهيكَ عن أشكال الثقة السياسية المفقودة، بين تلكَ النُخب السياسية المحلية، والشكل التاريخي المروّع للتأثيرات الخارجية، فإن تلك الهواجس تزداد اتساعاً وحضوراً، بتردّي الظروف المعاشية لشرائح واسعة من المواطنين. في حين أنّ اللحظة الإقليمية الراهنة ومخاطرها تستدعي أوسع تماسك داخلي، والتفاف حول مصالح الوطن العليا.

ففي شؤون الوطن العامة، وفي ظروف اجتماعية بالغة القسوة على الناس، فإنّ الدولة، ولا أقول الحكومات، ينبغي أن يكون لها عقلٌ وقلبٌ. عقلٌ رشيدٌ، يعقل عُمقَ التحوّلات الإقليمية الكبرى، وقلبٌ رَحيمٌ يُدركُ شِدّة ضغوط الحياة وقسوتها على الشرائح الاجتماعية الأوسع. وبين مهمّات العقل ومهمّات القلب، على الدولة، وحدها، تقع مسؤولية العبور الرحيم بالناس إلى بَرّ الأمان، وبأقلّ الخسائر الممكنة. هَكذا تعوّد الأردنيون عُبور محنهم التاريخية الصَعبة، وهَكذا أحسَبُ أنّهم يرجون للحظتهم الراهنة أن تكون؛ عُبورٌ راشدٌ، بعقلٍ راشدٍ وقلبٍ رَحيم..

فإذا صَحّ أنّ ثمّة أبواباً كثيرة للحوار والتغيير والإصلاح الجذريّ، ويعرفها غالبية الأردنيين، بفطرتهم وغريزتهم وتجاربهم العملية، وما راكمته تلك التجارب من راسبٍ عميق، في يقينهم ووُجدانهم، وتحوّلَ في حياتهم اليومية إلى ثقافة راسخة، على مدار ما يُقاربُ قرناً من الزمان، فإنّ ثمّة باباً آخر، واحداً ووحيداً، للتطرّف والتجاوز والفوضى، لم يُشكّل يوماً خياراً في حياة الأردنيين السياسية والإجتماعية، وأحسبه لن يكون..؟

في يقين مُعظمِ الأردنيين، هناكَ ثقةٌ مطلقة بوجودهم، وطناً ودولةً ونظاماً سياسياً هاشمياً. هوَ يقينٌ وثقةٌ، عند الأردنيين، بوطنهم وهويتهم وأمّتهم، لم تُزعزهما عواصفُ عابرة أو عاتية، تستندان إلى إرثٍ ماديّ متراكمٍ ومحسوس، في عُمر الوطن والدولة والهوية والنظام. إرثٌ، من اليقين السياسيّ والثقة المؤمنة، يقتربُ لِتوّه من مئة عام..

وفي المشهد الحقيقي العام، لوطننا الأردنيّ، فإنّ الحقائق لا ترتسم ولا تتكاملُ عناصرها الأساسية، إلا بما يمكن، بل وينبغي، أن تقوم به الدولة في اللحظة الراهنة.

إن تعظيمُ الإيجابيات والجوامع في مشهدنا الوطني العام هو أمرٌ مطلوبٌ ومحمودٌ ، وهو ما نتمسّك به، وندعو الجميع إليه ، أفراداً ومؤسسات ، رسميين ومعارضين، تأكيداً ليقين الأردنيين التاريخي ، في وطنهم ودولتهم ونظامهم ، وطرداً لكلّ أشكال الهواجس ، الطارئة والعابرة ، سواء كان أصحابها مغرضين أو أصحاب تقديرات خاطئة.

أبوابٌ كثيرة للتغيير والإصلاح الحقيقيّ.. وبابٌ ضيّقٌ للتطرّف. وعلى الدولة ، وحدها ، أن تجترح كلّ الوسائل لإغلاق ذلك الباب الضيّق للتطرّف ، وأن تبتكر وسائلَ خلّاقة وحقيقيّة للتغيير والإصلاح الحقيقيّ. وأوّل الإصلاح هو المصارحة والصدق والمكاشفة.