《جو أكاديمي》 ترعى الجلسة الحوارية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني مع دولة رئيس الوزراء     |   وزير الثقافة يطلع على تجربة الكويت الإعلامية   |   بيان صادر عن المنتدى العالمي للوسطية   |   فلاح الصغيّر نقيبًا لنقابة شركات الدعاية والإعلان وخدمات التسويق   |   مراقب الشركات : تحقيق التنمية المستدامة يتطلب استثمارا بالموارد البشرية   |   تخريج 21 مشاركة ببرنامج Female Future   |   بَــعــدَ أَن تَــقــفِــز بــالــمــظــلَّـة ؟!   |   عمان الأهلية تشارك في فعاليات أسبوع معرض المهارات التمريضية   |   فاز الصفدي لكنّ العرموطي 《لم يخسر》 .. كيف سيختار النواب لجان التشريع ومَن سيتولّى الرقابة؟   |   ردّاً على منشور الدكتور الرحاحلة؛ كنتَ ستزيد تشوّهات التأمين الصحي يا عزيزي.!   |   أورنج الأردن تقدم 40 منحة جامعية عبر YO للشباب للسنة الثالثة على التوالي   |   الصفدي يترأس أول اجتماع لمكتب دائم النواب..وتسمية أعضاء لجنة الرد على خطبة العرش   |   اعتماد النقابة اللوجستية الأردنية لتقديم دبلوم الفياتا الدولي   |   تطبيق 《Visa Airport Companion 》 الجديد للحصول على تجربة سفر مميزة في جميع أنحاء العالم   |   《حماية الصحفيين》 يُثمن جهود وزارة الخارجية في إطلاق سراح المصور الغرايبة   |   خريف.. وعبر   |    أورنج الأردن تمكن الطلاب من بدء رحلتهم المستدامة عبر رعاية مؤتمر نموذج الأمم المتحدة   |   تجارة الاردن : التعاون  مع الحكومة لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي   |   عمان الأهلية تشارك بالمؤتمر الأردني الدولي التاسع للهندسة المدنية   |   الأردني الكويتي يشارك في رعاية 《رالي وادي القمر للملاحة 》   |  

《إسرائيل》 تخسر دعم الولايات المتحدة


《إسرائيل》 تخسر دعم الولايات المتحدة

 العلاقة المتدهورة بين إسرائيل والولايات المتحدة تفاقمت بسبب رد نتنياهو على خريطة الطريق التي اقترحها الرئيس الأميركي جو بايدن للسلام في غزة، والتي يعتبرها ائتلاف نتنياهو اليميني غير مقبولة. ولتجنب مزيد من الضرر، على نتنياهو التعاون مع إدارة بايدن بدلاً من تعزيز الانقسام والمواجهة.

 

بإعلان مفاجئ في 31 أيار (مايو)، قدم الرئيس الأميركي خريطة طريق "لوقف إطلاق نار دائم وإطلاق جميع الرهائن المحتجزين"، والخطة، وفق ما أعلن بايدن، رسمتها إسرائيل ودعا "حماس" للرضوخ إلى بنودها، وخطاب بايدن هذا في الواقع منحه دور اليد الطولى في خضم خلافه المتزايد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وجاء الخطاب مفاجئاً للأخير. فما قام به بايدن وضع نتنياهو في مأزق صعب. إن قبل نتنياهو بالصفقة، من المرجح حينها أن يقوم أعضاء في الائتلاف اليميني الذي يترأسه بالإقدام على إسقاطه كما وعدوا، وإن رفض الصفقة سيسهم رفضه ذاك في زيادة التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة. وفي الوقت الحاضر، يبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي تأييداً ملتبساً للخطة المقترحة، متمسكاً بالقول إن بايدن قدم العرض على نحو غير دقيق، وإن إسرائيل لم توافق على شرط "حماس" الداعي إلى وقف كامل للحرب، أما رد "حماس" في المقابل فقد جاء أقل إيجابية حتى.

وعلى مدى أشهر، قامت إسرائيل بتشديد قبضتها على غزة، وعلى الرغم من تصاعد الإدانة الدولية، فإن الخلاف بين بايدن ونتنياهو لم يسجل سوى مزيد من التأزم، وفي الأسابيع قبل خطاب بايدن (الأخير) تصاعدت الاتهامات المتبادلة. "لسنا دولة تابعة للولايات المتحدة"، قالها نتنياهو لمجلس وزرائه في التاسع من أيار (مايو)، ومن جهته، رأى بايدن في الآونة الأخيرة أن بوسع المراقبين وبصورة مشروعة الاستنتاج بأن نتنياهو يعمل على إطالة أمد الحرب كي يبقى في السلطة، وتنتقل العلاقة الأميركية-الإسرائيلية نتيجة هذا الخلاف من علاقة صداقة وطيدة إلى علاقة شجار مستمر، وتتلاشى في هذا السياق على نحو متسارع القدرة على حل الخلافات وتنسيق السياسات خلف الأبواب المغلقة، ويحل مكانها جو من العداء والشقاق.

وتستمر واشنطن في طرح صفقة تطبيع العلاقات مع السعودية أمام إسرائيل كجزء من عملية تبادل تتضمن وقف الأعمال العدائية وتحرير الرهائن المحتجزين لدى "حماس" وطريق واضح محدد لإقامة دولة فلسطينية. لكن في 19 أيار (مايو) -بعد يومين من اجتماع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لمناقشة "الصيغة شبه النهائية" من التفاهمات بين بلديهما- أدلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشهادة أمام هيئة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، قال فيها "قد يكون الأمر أن إسرائيل غير قادرة أو راغبة في سلوك" هذا الطريق. إذ إن نتنياهو بناء على اعتبارات سياسية أو شخصية -وهو كان أخبر الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي أن السلام مع الرياض "سيحمل فرصة للسلام للمنطقة بأجمعها" -غدا فجأة على ما يبدو فاتراً تجاه هذه الفكرة. وقد أدى تمنعه في هذا السياق إلى تشجيع السعوديين على استكشاف إطار عمل مشترك مع الولايات المتحدة يترك إسرائيل وحدها في العراء.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2023، كتبت في الـ"فورين أفيرز" أن إسرائيل كانت أمام خطر خسارة الولايات المتحدة، على أن الأحداث اللاحقة -خصوصاً نفور الحكومة الإسرائيلية المستمر من الانخراط في وضع خطة مقبولة لما بعد الحرب في غزة- لم تأت إلا لتعزيز هذه الفكرة. ونتنياهو، من جهته، معتمدا خدعة "فرق تسد" الكلاسيكية، يشعل شرارات الانقسام في إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء كي يصد الانتقادات الموجهة لقيادته، لكنه بسلوكه هذا يرتكب خطأً جسيماً، إذ إن حيثيات أي نصر تكتيكي على إدارة بايدن ستبدو عديمة القيمة إزاء هزيمة استراتيجية قد تنجم عن أي قطيعة أكبر في العلاقات الأساس بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وتلك العلاقات هي أكثر أهمية لأمن إسرائيل القومي من أي هزيمة قد تلحق بـ"حماس"، وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يغير وجهته ويعمل مع الولايات المتحدة لا ضدها.

الدفاع الأفضل يتمثل في هجوم جيد

حتى الآن، أظهر الإسرائيليون دعماً كبيراً للحملة العسكرية في قطاع غزة، خصوصاً لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الموجودين في أرض المعركة، على أن روح الوحدة والتضامن هذه امتصت بعض الغضب من التظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة التي سبقت السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كما أنها استلهمت حماسة تلك التظاهرات. فالدعوات لانتخابات فورية لاستبدال ائتلاف نتنياهو غير الشعبي، جرى الاستعاضة عنها وعلى مدى أشهر بشكوك تلقائية تجاه إمكانية إجراء الانتخابات ومدى أولويتها في ظل احتدام المعارك. وعلى الرغم من أن أكثرية الإسرائيليين يفضلون انتخابات مبكرة فإنهم يختلفون على التوقيت، ويخشون من أن يحل مكان نتنياهو أشخاص يتشاركون معه المسؤولية تجاه الإخفاقات التي أدت إلى "السابع من أكتوبر".

وهذا الإجماع الداخلي تجاه الحرب والذي سعى رئيس الوزراء إلى استغلاله لمصلحته، أتاح سياقاً مفارقاً لمخططه الهادف إلى زرع بذور الشقاق والفتنة الداخلية بين الإسرائيليين من خلال استحضار نماذج وأمثلة عفا عليها الزمن، وحاول نتنياهو حشد المؤيدين ضد ما يعده يساراً إسرائيلياً ماكراً وانهزامياً سيقدم للفلسطينيين تنازلات غير مسؤولة. ولكن، بحسب استطلاع أجري من قبل "مؤشر السلام في جامعة تل أبيب" في نيسان (أبريل) الماضي، فإن 12 في المائة فقط من الإسرائيليين اليهود يصنفون ضمن الجناح اليساري. وفي استطلاع آخر في الشهر نفسه أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، وجد أن 26 في المائة من اليهود الإسرائيليين سيؤيدون "إقامة دولة فلسطينية مستقبلاً" حتى لو وقعت إسرائيل على معاهدة دفاع إقليمية مع شركاء عرب. لذا فإن خط الصدع الأساس في السياسة الإسرائيلية يتصل بمسألة ما إذا كان نتنياهو نفسه مؤهلاً للبقاء في منصب رئاسة الوزراء.

ومن جهة أخرى، ولتدعيم موقف نتنياهو وتعزيزه، قام بعض معاوني رئيس الوزراء باستحضار نظريات المؤامرة، فزعموا أن قادة الجيش الإسرائيلي كانوا يتعاونون مع "حماس" ويتواطؤون مع البيت الأبيض لتقويض جهود الحرب وإسقاط نتنياهو. وأظهر ابن رئيس الوزراء نشاطاً واضحاً في هذا الإطار، إذ شارك مقطع فيديو على "تويتر" قبل أن يعود ويحذفه يصور أحد احتياط الجيش مهدداً بتجاوز التسلسل القيادي العسكري والالتزام فقط بالأوامر الصادرة عن نتنياهو، وهذا الأمر مثل محاولة سافرة للتشكيك بجنرالات الجيش، وجاءت ردود فعل رئيس الوزراء على هذا الأمر مراوغة تماماً، إذ عبر عن "رفضه السريع لأي امتناع عن تنفيذ (الأوامر) من أي طرف جاء".

 

ولم تكن الأجهزة العسكرية والاستخباراتية هدف نتنياهو الوحيد للانتقاد. فمتحدثون كثيرون من معسكر اليمين داوموا على اتهام مؤيدي صفقة تحرير الرهائن بأي ثمن بأنهم مستعدون لإنقاذ "حماس" من الهزيمة، وبالتالي تبديد تضحيات الجنود الإسرائيليين. وفي الوقت عينه قام نتنياهو وحلفاؤه بتوجيه أصابعهم إلى الولايات المتحدة، زاعمين أن إدارة بايدن قيدت قدرة إسرائيل في التغلب على "حماس"، واستحضر السياسيون والمعلقون الإسرائيليون في هذا الإطار القرار الأحدث للرئيس الأميركي القاضي بتعليق شحنة قنابل بزنة 2.000 باوند إلى جيش الدفاع الإسرائيلي والمناشدات الأميركية المستمرة بتعزيز المساعدات الإنسانية إلى غزة، إذ رأوا أن لذلك انعكاسات سلبية كبيرة على أداء إسرائيل في أرض المعركة. أما بالنسبة إلى رئيس الوزراء، فإن انتشار مواقف وآراء كهذه يسهم في حمايته وحكومته إزاء اللوم واتهامات التقصير الذي أدى إلى "السابع من أكتوبر"، ومحنة عشرات آلاف الإسرائيليين الذين ما يزالون نازحين والضربة التي أصابت صدقية إسرائيل. وتسهم هذه المواقف أيضاً في تغطية فشل نتنياهو بعد أكثر من ثمانية أشهر، في الوصول بالحرب إلى خلاصة مرضية.

 

وعلى الرغم من ضجيج نتنياهو في مواقفه تجاه إدارة بايدن، تبقى الولايات المتحدة في صلب حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي. وليس صدفة في هذا الإطار على الرغم من شهرته في رفض إعطاء مقابلات للإعلام الإسرائيلي منذ بداية العام 2024، أن يكون قد ظهر في الشبكات الإعلامية الرئيسة الثلاث في الولايات المتحدة؛ "سي أن أن" و"فوكس نيوز" وحتى مع "دكتور فيل" Dr. Phil. إذ في وقت تغدو فيه البلدان حول العالم أكثر عدائية تجاه إسرائيل تبقى المؤازرة التي تظهرها واشنطن لا مثيل لها، وهذا الأمر في جزء منه سببه الانتخابات الأميركية التي تجعل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء مرحبين وعلى نحو غير عادي بمبادرات رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبرزت في هذا السياق الدعوة التي وجهت إلى نتنياهو في31 أيار (مايو) الماضي من قبل مجموعة مشرعين في واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس في الأسابيع المقبلة لتشكل نقيضاً للجهود التي تبذلها الإدارة كي تضغط على الحكومة الإسرائيلية. ويظهر عدد من أعضاء الكونغرس، في هذا الإطار، حرصاً على التدخل نيابة عن إسرائيل وتقديم أي أفكار تشريعية تتعلق بها وتعزز في الوقت عينه فرصهم الانتخابية. إلى هذا، فإن التيار السائد ضمن المجموعات اليهودية-الأميركية حسنة التنظيم إلى جانب الكيانات المسيحية المحافظة وغيرها من الأوساط المؤيدة لإسرائيل، تعبؤوا بالكامل للدفاع عن إسرائيل في وقت حاجتها القصوى لذلك.

 

ويأمل نتنياهو في الاستفادة من مصادر التعاطف هذه داخل الولايات المتحدة كي يرفع إلى الحد الأقصى صور الدعم العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية التي يمكن أن يحصل عليها من إدارة بايدن، وأيضاً كي يقلص قدر المستطاع معارضة هذه الإدارة لإكمال الحرب. وعلى الرغم من تحول الجمهور الأميركي -خصوصاً الناخبين الديمقراطيين- نحو موقف أكثر سلبية تجاه إسرائيل، يظهر استطلاع أجراه في الآونة الأخيرة "مركز الدراسات السياسية الأميركية" أن المواطنين الأميركيين مستمرون في تأييد إسرائيل، وهم يقفون إلى جانبها ضد "حماس" بهامش أربعة إلى واحد. ويعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي، من جهته، على هذا المشهد التعددي كي يشجع بايدن الذي يعد نفسه صهيونياً على متابعة تحمل الضغوط الداعية إلى وقف حرب إسرائيل في غزة قبل تحقيق غاياتها.

 

وعبر اعتماد هذه الاستراتيجية لدى نتنياهو فرصة نجاح معقولة على المدى القصير، فيتلافى ضغوطاً إضافية من البيت الأبيض يمكن أن تؤثر في الهجوم المستمر على غزة. لكن هذه الحصيلة قد تتعرض للخطر والانتكاس لو قررت إدارة بايدن أن نتنياهو هو الذي يعوق التقدم نحو التسوية، أما الخطر الأكبر على المدى البعيد، فيتمثل بأن المواجهة المفتوحة مع رئيس أميركي حالي ستزيد تقويض ما بقي من توافق في الموقف تجاه إسرائيل بين الحزبين في واشنطن، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير علاقة العمل القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

 

يخوض نتنياهو في هذا السياق لعبة توازن عالية الأخطار، فيقامر عبر افتراض أنه قادر على خداع إدارة بايدن بالنسبة إلى طريقة إدارته الحرب من دون إنزال أضرار لا يمكن إصلاحها في علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة. لكن بوسع هذه اللعبة أن تفشل فشلاً كارثياً، إذ في شهر أيار (مايو) الماضي، جمد بايدن إحدى شحنات القذائف إلى إسرائيل في قرار ربطه البنتاغون بمخاوف محددة تتعلق "بالأثر الذي يمكن لتلك القذائف أن تخلفه في مناطق مدنية كثيفة". هذا التجميد قد يكون مجرد بداية. فإزاء الضغوط من داخل تجمعه الانتخابي الديمقراطي ووسط إحباطات واضحة تجاه الطريقة التي يسلكها نتنياهو لتحقيق أهدافه، يمكن لبايدن أن يفرض عقوبات إضافية لها عواقب وخيمة على إسرائيل، وهذه التدابير العقابية قد تتضمن مزيداً من عمليات تجميد تسليم أنظمة الأسلحة، أو قراراً بعدم استخدام "الفيتو" تجاه قرار في مجلس الأمن مؤذ لإسرائيل.

 

سوف تخسر إسرائيل حتى لو ربح نتنياهو مناورته مع بايدن وحقق غاياته في غزة، إذ إن المقاربة الشقاقية هذه التي يعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي -المتمثلة في محاولات حكومته إنزال إصلاحات خلافية في النظام القضائي الإسرائيلي يمكنها الحد من استقلالية القضاء على نحو كبير- أضرت بالتماسك الاجتماعي الإسرائيلي. وليست مباركته لقانون الإعفاء الشامل من الخدمة العسكرية لأفراد مجتمع الحريديم المتطرفين -على الرغم من المعارضة العامة الكبيرة- إلا إحدى الشرارات التي تستدعي قريباً اضطرابات أهلية واسعة النطاق، فنتنياهو كي يتمكن من تعويم حكومته بفضل الاستجابة لمطالب الأحزاب اليمينية ينحو غالباً نحو شل الأجواء بدلاً من معالجة المسائل الملحة التي تطرحها الحرب وآثارها المدمرة في المناطق والبنى التحتية الإسرائيلية.

 

كما أن ميل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إبقاء المناوشات والخلافات قائمة مع الحكومة الأميركية لا يخدم مصالح إسرائيل على المدى البعيد، والتداعيات التي نتجت عن صداماته السابقة مع الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وباراك أوباما لم تنس بعد في إسرائيل أو في الولايات المتحدة. إذ إن تودد نتنياهو لمنافسي كلينتون السياسيين في التسعينيات ومشاجرته مع أوباما بعد عقدين بسبب الاتفاق النووي مع إيران، جعل حضور إسرائيل في دوائر الحزب الديمقراطي حضوراً ساماً، وفاقم توجهات عززها الصعود المتزامن لليسار التقدمي في أوساط الديمقراطيين. والدعم الثابت والمطلق لإسرائيل بات اليوم أكثر فأكثر موقفاً مرتبطاً بالجمهوريين حصراً، ويتعرض بالفعل البيت الأبيض اليوم لهجوم أطراف من ضمن القاعدة الديمقراطية غاضبين من السياسة الأميركية حيال إسرائيل وغزة، وهذا الانقسام قد يتطور كي يعني أن إسرائيل لم يعد بوسعها الاعتماد على دعم الولايات المتحدة بغض النظر عن الحزب الذي يتولى السلطة.

 

وسيكون من غير الحكمة بالنسبة إلى إسرائيل أن ترى في عودة ترامب لفترة رئاسية ثانية علاجاً لهذه المسألة. ففي شباط (فبراير) 2017، حذر نتنياهو أعضاء في حكومته من الحماسة المفرطة تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذراً إياهم بوجوب "أخذ شخصيته بعين الاعتبار" وألا يتوقعوا منه تحقيق كامل طموحاتهم، إذ إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران العام 2018 -الخطوة التي استلهمها من نتنياهو- نتج عنه في الحقيقة حالة فراغ لم تسهم، وفق إفادة "الوكالة الدولية للطاقة النووية" الصادرة في 11 أيار (مايو) 2024 إلا في "إبعاد إيران خطوة تقنية محدودة من مستويات الـ90 في المائة لتخصيب اليورانيوم اللازمة لإنتاج أسلحة نووية". وسيكون القادة الإسرائيليون مخطئين في توقع أن ترامب سيمنحهم شيكاً على بياض بموضوع غزة. فما قاله لهم عبر صحيفة إسرائيلية بشهر آذار (مارس) في هذا الشأن هو "عليكم إنهاء حربكم".

 

وبغية تلافي انهيار أكبر في العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، يتحتم على نتنياهو الإسراع في تبديل وجهته وأن يجد طرقاً للعمل على نحو أوثق مع إدارة بايدن. ويصبح هذا واقعياً وحقيقياً أكثر "إذا كان القتال في غزة سيستمر لسبعة أشهر إضافية على الأقل"، وفق مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي في 29 أيار (مايو) الماضي. ولا يمثل استمرار الإسرائيليين بهذه الحرب وحيدين بمواجهة الأعداء ومن دون دعم الولايات المتحدة استراتيجية قابلة للحياة بالنسبة إلى إسرائيل التي يعتمد حضورها في الحرب على قدرتها على الوصول إلى مصادر السلاح الأجنبية وتعطيل الحظر الدولي على أعمالها. وينبغي في هذا الإطار أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة.

 

على الرغم من التحفظات المتزايدة لإدارة بايدن تجاه الحرب، أظهر البيت الأبيض اهتماماً غير عادي لمأزق إسرائيل، وفي 24 نيسان (أبريل) الماضي، أجاز بايدن حزمة مساعدات خصصت 17 مليار دولار لتعزيز قدرات إسرائيل الدفاعية، وفي الشهر التالي، أخطرت إدارة بايدن الكونغرس بنيتها إرسال ذخائر وعربات تكتيكية إضافية بقيمة مليار دولار إلى إسرائيل لتمكين جيش الدفاع الإسرائيلي من الحفاظ على قوة موقفه في مواجهة "حماس" وأعداء إسرائيل الآخرين. وهذا التمويل مصيري، إذ على الرغم من قيام حكومة نتنياهو بإطلاق مبادرات لتعزيز إنتاجية الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، من المقدر أن تبقى إسرائيل في المستقبل المنظور معتمدة على الدعم العسكري الأميركي، وبدت أهمية هذه العلاقة واضحة في الثامن من حزيران (يونيو) عندما جرى تحرير أربع رهائن إسرائيليين وإخراجهم من غزة بعملية سهلها دعم أميركي تمثل بمعلومات استخباراتية ولوجيستيات. كذلك تحتاج إسرائيل للولايات المتحدة بغية التوصل إلى حل دبلوماسي، فتدخل واشنطن سيكون أساساً لوضع خطة انتقالية عملانية تمنع غزة من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة.

 

وإضافة إلى هذا، فإن الدعم الأميركي يبقى ضرورياً لمساعدة إسرائيل على تخطي سلسلة شاقة من التحديات القانونية المحيطة بالحرب، إذ إن القضاة في محكمة العدل الدولية يدرسون نداءات تدعو إلى وقف عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، وفي الوقت عينه، تسعى النيابة العامة في المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت. وتصريحات متهورة أدلى بها مسؤولون إسرائيليون كانت سبباً بارزاً في الوصول إلى هكذا إجراءات وقرارات، وهنا أيضاً قامت الولايات المتحدة بحماية ظهر إسرائيل؛ حيث رد صناع السياسة الأميركيون بتمرير قانون بمجلس النواب الأميركي لمعاقبة المحكمة الدولية.

 

وما تزال الولايات المتحدة تمثل الحصن الوحيد الموثوق به في مواجهة موجة محتملة من العقوبات التي قد يصدرها مجلس الأمن بالأمم المتحدة بحق إسرائيل. وتقود واشنطن أيضاً الجهود من جانب إسرائيل في عدد من المحافل واللقاءات الدولية للتأكيد أن المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين -وليس الاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية- هي السبيل الأساس لتقدم العلاقة بين الطرفين.

 

نافذة فرص نتنياهو لإصلاح العلاقات مع واشنطن قد تغلق عما قريب فيما تشهد المشكلات الداخلية في إسرائيل تفاقماً وتستنفد قدرة نتنياهو على الحكم. الاستقالة التي أعلنها في نيسان (أبريل) الماضي رئيس الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي أهارون هاليفا زادت الضغط على رئيس الوزراء كي يقر بمسؤوليته الشخصية تجاه ما حصل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وهاجم غالانت، من جهته، في 15 أيار (مايو) الماضي، ناقلاً انتقادات كثيرين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إدارة نتنياهو الفاشلة للحرب في غزة. وإلى هذا، فقد جاء رفض نتنياهو بعد ثلاثة أيام لإنذار نهائي قدمه العضو في الكابينت الحربي بيني غانتس لتبني أهداف عملانية ومسائل أخرى بغية إنهاء الحرب، ليمهد الطريق أمام مغادرة "حزب الوحدة الوطنية" الذي يقوده غانتس معسكر نتنياهو في التاسع من حزيران (يونيو) 2024 ويعود إلى صفوف المعارضة.

 

وهكذا بات رئيس الوزراء وحيداً على رأس غالبية برلمانية ضئيلة ومتشددة، والتي غالباً ما تشكل أولوياتها نفوراً عند إدارة بايدن، ويضم الائتلاف الذي يترأسه نتنياهو حزب القوة اليهودية اليميني المتشدد الذي جمد التزامه بالتصويت لمصلحة الحكومة إلى أن يشاركهم نتنياهو نص الصفقة التي قدمها للوسطاء، وقام هذا الحزب منذ ذلك الحين بتعليق تعهده تجاه الحكومة زاعماً أن الصفقة تبدو ميتة. أما أحزاب الحريديم، فقد تتمرد بدورها أيضاً إن قامت المحكمة العليا الإسرائيلية بتحقيق المطالب الشعبية وإصدار حكم يقضي بوجوب خضوع اليهود المتدينين للخدمة العسكرية، وبالتالي فإن موقف نتنياهو ضمن هذه الأجواء بات أكثر ضعفاً، خصوصاً عندما قامت المدعية العامة الإسرائيلية غالي باهاراف ميارا في السادس من حزيران (يونيو) 2024 بدعوة رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة حكومية للتحقيق في حرب غزة، ومن شبه المؤكد أن هذه القضية ستطرح شكوكاً جدية إزاء قدرات نتنياهو القيادية.

 

بدلت إسرائيل موقفها مع دخول الاقتحامات التي ينفذها جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح شهرها الثاني، وهي فعلت ذلك على ضوء رسالة إدارة بايدن الواضحة التي تقول إن دعم الولايات المتحدة لهذه العملية مشروط بتلقي "خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ" من إسرائيل تهدف إلى حماية المدنيين. والقوات الإسرائيلية تقدمت إلى وسط مدينة رفح وسيطرت على محور فيلادلفيا بموازاة حدود غزة مع مصر، وجرى كشف وتدمير عشرات الأنفاق التي تستخدمها "حماس" لتهريب الأسلحة والمخصصات والأموال وغيرها من الإمدادات إلى غزة، وفي الوقت نفسه، قام جيش الدفاع الإسرائيلي بالانتشار في أجزاء أخرى من غزة حيث سعت "حماس" لإعادة تنظيم صفوفها.

 

ووفق جميع المؤشرات، تظهر إسرائيل حرصاً على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي حددها بايدن، فقرابة مليون شخص من أبناء غزة جرى إخلاؤهم من منطقة رفح إلى "مناطق إنسانية آمنة" حددها الجيش الإسرائيلي، وكذلك تخلت إسرائيل عن فكرة الهجوم الشامل واعتمدت عمليات وغارات أكثر توجيهاً. وفي 28 أيار (مايو) الماضي، أعاد الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي تكرار رفض الإدارة الأميركية لعملية برية شاملة في رفح، مشيراً إلى أنها إن حصلت "قد تدفع الرئيس إلى اتخاذ قرارات مختلفة بمسألة دعم إسرائيل". ولكن، حتى الآن على الأقل، ترى الولايات المتحدة أن إسرائيل استجابت لهذا التحذير. وفي 6 حزيران (يونيو)، قال بايدن لمحطة "أي بي سي نيوز" إنه على الرغم من أن الإسرائيليين كانوا يعتزمون "الدخول إلى رفح بالكامل... فإنهم لم يفعلوا ذلك".

 

لكن العادات القديمة لا تموت بسهولة. ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي كلمة أمام جلسة عامة للكونغرس الأميركي في 24 تموز (يوليو)، مما سيؤدي إلى كارثة على إسرائيل. وقال عدد من الديمقراطيين إنهم سيقاطعون الجلسة، مما سيجعل من ظهور نتنياهو قضية حزبية. وإذا قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدام كلمته هذه لمهاجمة إدارة بايدن كما فعل بمهاجمة أوباما في العام 2015، فإن العواقب قد تكون وخيمة. هذا بالضبط هو التوقيت الخاطئ لتفكير لنتنياهو بمؤيديه السياسيين -الذين يرى كثير منهم أن عليه مواجهة الولايات المتحدة- بدلاً من العمل لمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. ويصبح الوضع في الشرق الأوسط أكثر خطورة؛ فالإسرائيليون يطالبون برد على تصعيد اعتداءات "حزب الله" وثمة مخاوف متزايدة بشأن النقاط الساخنة الممتدة من الضفة الغربية إلى اليمن -وخصوصاً إيران. وكي تتعامل إسرائيل مع هذه المسائل ستحتاج إلى تلقي المساعدة من الولايات المتحدة. وإذا لم يدرس نتنياهو خطواته بانتباه وحذر، فإن النصر الكامل الذي تسجله إسرائيل قد ينقلب نصراً على نفسها.

 

*شالوم ليبنر: باحث بارز غير مقيم في مبادرة "سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط" التابعة للمجلس الأطلسي، عمل لسبع ولايات متتالية، منذ العام 1990 إلى العام 2016 في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. مترجم عن "فورين أفيرز"، حيث نُشر في 11 حزيران (يونيو)