متضررون يلجؤون لـ‘‘البلطجية‘‘ لتحصيل الحقوق
-
يدفع طول أمد التقاضي في المحاكم، وتعقيدات إجراءات تنفيذ الحكم في أغلب القضايا المدنية، مواطنين إلى استخدام أرباب سوابق وبلطجية لتحصيل حقوقهم بالسرعة الممكنة، بعيدا عن الآليات القانونية والقضائية المعروفة، ما يهدد سيادة القانون من جهة، وحقوق آخرين من جانب آخر، كما يحذر قانونيون.
رحلة "الغد" إلى هذا العالم "السُفلي" لم تكن سهلة، للغوص في تفاصيل "محاكم مخفية غير قانونية"، يترأسها أصحاب سوابق، يُنصِّبُون أنفسهم منصب القاضي والدفاع والمنفذ، بعد تجهيز قوالب جاهزة من تهم قانونية وشهود إثبات، كل ذلك من أجل تحصيل حقوق، كان تعرض أصحابها في سبيلها للنصب والاحتيال، وبات استرجاعها قانونيا صعبا أو شبه مستحيل".
هذا العالم "المرعب" معروف لدى الجهات الأمنية والرسمية، لكنه ما يزال عاملا بصورة ما في بعض زوايا المجتمع، بل وبات بعضه يجاهر بنشاطاته غير القانونية، وينضوي تحت مظلته فريق خارج عن القانون، جاهز لتنفيذ الأوامر بلا تفكير أو تردد، يغذيه "ميثاق أخلاقي شفوي" بأن لا يتعدى أي شخص على منطقة الآخر، ويبقى التعاون قائما بينهم، حتى لا تعمّ الفوضى أعمالهم غير المشروعة، رافضين إطلاق وصف "بلطجية أو فتوات وأصحاب خاوات" عليهم، بل باتوا يحبذون فكرة "الأباضاي الشامي".
وإن كان بعضهم يلجأ إلى تحصيل حقوق المواطن بالقوة مقابل نسبة من الأموال يتفق الطرفان عليها، متجاهلين قوة القانون ونزاهة القضاء، فإن البعض يذهب إلى حد تدمير ممتلكات آخرين، وسلب أموالهم بالقوة، وفرض أتاوات شهرية بحجة توفير الأمن والأمان لهم.
صفقات البلطجية المشبوهة
لن يتردد قائد البلطجية في عقد صفقاته مع المتضررين في وضح النهار أو عتمة الليل. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطن و"حبال المحاكم الطويلة"، فإن بعض المتضررين يلجؤون إلى "بلطجية" كملاذ أخير، رغم علمهم بأن ذلك سيدخلهم إلى "دائرة النار التي قد ينكوون بها"، إلا أن هذا الشعور قد يتلاشى بمجرد الوعود التي يطلقها البلطجي، أمام الجميع فيتحول شعور اليأس إلى بارقة أمل، فقدها هذا المتضرر لسنوات عديدة.
كالعادة، يعتلي البلطجي منصبه، ومن حوله مجموعة من أصحاب السوابق والفتوات، من أعمار مختلفة، لا يقيدها المستوى أو النوع الاجتماعي "الجندر"، يستعرض قوته أمام المتضرر، بعد السماح له بسرد قضيته أمامه، على أن تكون المعلومات كاملة، وإن دعمت بالوثائق يكون ذلك أفضل.
أثناء ذلك، يقدّر "الريس" الأضرار التي تعرض لها المشتكي، وحجم الإنفاق على القضية، وأتعاب المحامين، وذلك لتحديد المدة الزمنية لتحصيل حقه ونسبة عمولة "البلطجي"، فمنهم من يحدد نسبة التحصيل والدفع مسبقا، بينما يفضل فريق آخر دفع المبلغ كاملا بعد التحصيل، ومنهم من لا يتقاضى أي أتعاب مالية بانتظار تقديم خدمة له لاحقا، إذا تعرض لمشكلة في حياته.
وبعد تدارس القضية من جوانبها كافة بتمعن، يبدأ تحضير التهم "المعلبة" واستعراضها أمام المتضرر بحق "الجهة أو الشخص المشتكى عليه"، وكل تهمة لها سعر معين، فهناك "تلبيس" المشتكى عليه تهمة الشروع بالقتل، أو التهديد تحت وطأة السلاح، أو تهمة هتك عرض لكلا الجنسين (الفتيات والشبان)، وتشويه الوجه بأداة حادة أو حرق ممتلكاته. خلال ذلك يتجه فريق لجمع معلومات عن المشتكى عليه لتهديده بها لاحقا.
تكون هذه المعلومات، حول أفراد أسرة المشتكى عليه في الغالب، لاستغلالها في تهديد المشتكى عليه، وليكون التلويح بها بمثابة الإنذار الأول للمشتكى عليه.
وسط ذلك، يحدد قائد البلطجية أشخاصا، لا يتورعون في تحمل بعض الأضرار الجسدية أو حتى الاستعداد لدخول السجن، لإلصاق التهم بالمشتكى عليه، حتى بات البعض منهم ممتهنا لهذه الطريقة. وقد ينقلب أحيانا بعضهم على بعض للمتاجرة بالضحايا تحت بند "من يدفع أكثر".
كما يوهم بعض البلطجية كل من يلجأ إليهم، بأن لديهم علاقات مع جهات "متنفذة بالدولة"، من شأنها أن تسرع عملية تحصيل حقوقهم المالية، فيما يزعم بعضهم ايضا بتقديم "رشاوى" مالية لموظفين عموميين، لمساعدتهم في استخراج معلومات مهمة تفيد عملهم، حسب زعمهم الموثق لـ"الغد".
ولا يتردد بعض البلطجية كذلك، في المضي قدما في تحصيل حقوق من يلجأ إليهم. ورغم أن أغلبهم مثبتة بحقهم قيود أمنية، وسبق أن صدرت بحقهم إدانات وأحكام بحمل سلاح والتهديد به وإثارة شغب وسكر واحتيال وحيازة مادة مخدرة وسرقة...الخ، فإن لدى بعضهم، كما يقول محامون لـ"الغد"، القدرة على اتباع طرق معينة تضمن تهربهم قانونيا إن وقعوا أحيانا.
كما تزدهر أعمال البلطجية في الانتخابات النيابية بشكل خاص يغذيها مرشحون ونواب سابقون لتجميع أصوات انتخابية باستخدام المال أو "عن طيب خاطر من المنتخبين، خدمة مقابل خدمة"، وأحيانا تمتد لتوفير حماية لمستخدميهم للتصدي لأفعال بلطجية مثلهم "فلا يفل الحديد إلا الحديد" حسب تأكيداتهم لـ"الغد".
بلطجي ينصب على متضرر سبعيني
اضطر موكل أحد المتضررين إلى اللجوء إلى أداة خارجة عن القانون في منطقة شعبية، يسيطر فيها "البلطجي"، ويعمل تحت يديه عشرات من أصحابه، كـ"الدينامو" في تحصيل حقوق متضررين، أو ابتزاز آخرين، مقابل نسبة مالية معينة، يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، قد تصل إلى 50 % من المبلغ الإجمالي المطلوب تحصيله.
وقد تضاهي أتعابهم المالية اتعاب المحامين، الذين بات بعضهم يحذر من سحب البساط من تحت أقدامهم، إذا لم يتم القضاء على نشاطات هؤلاء البلطجية.
وتفاصيل القضية "المعقدة" كما رواها موكل المتضرر لـ"الغد" أن موكله السبعيني تعرض للنصب من "نصاب محترف" بقيمة مليوني دينار أردني، حيث انتحل شخص صفة شخصية ابن أحد شهداء قادة الثورة الفلسطينية، وقدم للمتضرر بالوثائق أن قطع أراض ستكون لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية لإقامة مشاريع استثمارية ضخمة عليها.
وبعد إيهام المتضرر بمصداقية التحويلات المالية عن طريق السلطة، قام بدوره منح "النصابين" وكالات غير قابلة للعزل، ما مكّنهم من التصرف بها وبيع الأراضي لأشخاص آخرين.
وبما أن القضية ما تزال في أدراج المحكمة، ومستمرة منذ اكثر من 3 سنوات لم يبت فيها لعدم استكمال الأدلة والشهود، فقد لجأ المتضرر ومحاميه إلى أحد البلطجية المشهورين في عمان.
استعد "البلطجي" لاسترجاع الأموال المهدورة، بعد أن استعرض أمام المحامي وموكله مجموعة من التهم "المعلبة" الجاهزة لإلصاقها بالنصاب، مقابل خمسة آلاف دينار دفعة أولى، على أن يتم استكمال مبلغ آخر لاحقا.
وسط دهشة المحامي من معرفة هذه الفئة بالقوانين والعقوبات والتهم وتكييفاتها، كان البلطجي يستعرض أمامهم سعر كل تهمة يمكن إلصاقها بالنصّاب، وما عليهم إلا الاختيار. تهمة اغتصاب فتاة مقابلها 5 آلاف دينار، التهديد بالقتل 10 آلاف دينار، في حين كانت أعلى تكلفة هي لتهمة الشروع بالقتل، وتكون بإطلاق عيار ناري على قدم أحد أعضاء فريق البلطجي واتهام النصّاب بها.
عمل البلطجي من "البحر مقاثي" للمتضرر، بحسبه، حيث دفع له 5 آلاف دينار دفعة مسبقة، لكن منذ سنة تقريبا، وحتى الآن لم يتم تحصيل أي حق له من قبل البلطجي، ليكتشف هو ومحاميه أنهما تعرضا لعملية نصب من قبل الوسيط والبلطجي، حسب المتضرر، الذي فضل عدم ذكر اسمه.
تحول عمل الخارجين عن القانون إلى تجارة رابحة، وكسب سريع يغذيه عدم اكتراث هذه الفئة بالعقوبة، التي يعرفونها مسبقا، وفق خبراء في القانون، ممن يرون أن "أعمال هذه الفئة بدأت تنحى نحو العمل الإجرامي شبه المنظم".
ويرى الخبراء أنفسهم أن "الدولة ليست عاجزة عن القضاء على أصحاب الأتاوات والخاوات والبلطجية، إن وجدت الإرادة، لكنها أحيانا "لعبة توازن"، بحسبهم، غامزين من ظهر بلطجية وأصحاب سوابق ممن كانوا يتصدون لبعض مسيرات مطالبة بالإصلاح السياسي في بعض الأوقات".
مصدر قضائي مطلع، فضل عدم نشر اسمه، قال لـ"الغد" ان المواطن الاردني "يثق بالقضاء ونزاهته، لكن ثقته باتت معدومة في الآليات والمخرجات التي تأخذ وقتا طويلا، كما هو حال دول العالم"، موضحا أن "الدعوى القضائية لها آليات، وتراعي ضمانات الدفاع، وبسطه لمدعياته ودفوعاته وتقديم بياناته وشهوده"، هذه الآليات من شأنها أن تستهلك وقتا "وإلا تحولت الدولة إلى غابة.. يأكل القوي فيها الضعيف".
التحريض على القتل
وسط إنكار نقابي للجوء بعض المحامين إلى أصحاب السوابق لاسترداد حقوق موكليهم، حصلت "الغد" على وثائق من محاكم رسمية، تشير لتورط أحدهم، والذي وجه له مدعي عام عمان تهمة "التحريض على القتل".
وتفاصيل القضية، كما وردت في ملفات القضاء، أن مستأجرا في أحد المجمعات التجارية الكبرى بعمان تفاجأ بأنه عرضة للتهديد والوعيد من قبل مجموعة من الأشخاص لا يعرفهم، وهم "غريبو الشكل والأطوار"، تأكد فيما بعد أنهم من أصحاب السوابق، حسب القيود الأمنية المسجلة بحقهم، غير أنه تم استخدامهم حتى يدفعوا به لإخلاء عقاره قسرا، علما بأن هناك قضية إخلاء لمأجوره ما زالت منظورة أمام القضاء حتى الآن.
وحسب لائحة الدعوى، فإنه في منتصف شهر شباط (فبراير) من العام الحالي، تلقى المشتكي اتصالا هاتفيا من أصحاب أسبقيات، يؤكد له أن هناك مؤامرة تحاك ضده من قبل صاحب المجمع ومحاميه، وأنها "موثقة بالفيديوهات (صوت وصورة)، وتكشف عن دفع مبالغ مالية ضخمة لأشخاص حتى يلفقوا له تهمة شروع بالقتل".
ورغم إنكار صاحب المجمع ووكيله بأنهما هددا المستأجر أو استخدام أي من البلطجية وأنه "لا يوجد أي اتصال بينهما وبينهم" حسب إفادتهم الرسمية في المركز الأمني ومديرية شرطه شمال عمان، إلا أنه ثبت بالوثائق المقدمة لغاية الآن "أن هناك تعاونا وعلاقة وطيدة بين المحامي والأشخاص الذين قاموا بتهديد المشتكي".
وبناء على ذلك، اعتبر مدعي شمال عمان محمد أبو الغنم أن "محامي صاحب العقار ومالك العقار مشتكى عليهما بجرم التحريض على التهديد، خلافا لأحكام الماده 80 و351 من قانون العقوبات"، حسب لائحة الاتهام التي حصلت" الغد" على نسخة منها، فيما تم تحويل القضية الى قاضي صلح جزاء شمال عمان حسب الاختصاص.
كما اعتبر قرار الاتهام أن أصحاب السوابق، وعددهم 3 اشخاص، مشتكى عليهم بجرم التهديد خلافا لأحكام المادة 351 من قانون العقوبات، وخلافا لاحكام المادة 75أ من قانون الاتصالات.
ولولا جهود إدارة البحث الجنائي في شرطة شمال عمان، ومدير شرطتها، لما استطاع المشتكي الوصول الى تفاصيل هؤلاء الأشخاص، لتقديم شكوى حسب الأصول، وفق ما أشار إليه وكيل المستأجر، الذي قال لـ"الغد" ان "الجهات الأمنية تقوم بجهود جبارة للسيطرة على أعمال أصحاب السوابق، الذين ينصّبون أنفسهم محل القانون، وسط مطالبات بتغليظ العقوبات عليهم".
المطالبة بتعديلات قانونية
بدوره، يشكك عضو نقابة المحامين أشرف أحمد الزعبي في تحول أفعال أرباب السوابق في تحصيل حقوق الناس إلى ظاهرة في الأردن، لكنه يستدرك قائلا: "ان وُجدتْ فواجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد على كل من ينصّب نفسه محل السلطات الأمنية والقضائية".
وقال الزعبي لـ"الغد": "لا بد أن تتنبه الدولة إلى أعمال هذه الفئة في المجتمع، قبل ان تسود شريعة الغاب وتحصيل الحقوق بفرض قوة العضلات"، مطالبا بـ"تعديل قانوني الاجراءات واصول المحاكمات الجزائية والمدنية".
تقصير أمد التقاضي، وزيادة أعداد الكادر القضائي للبت بشكل سريع في القضايا، وإيجاد آليات لتخفيف الضغط عن دوائر التنفيذ "مقبرة القضايا"، حلول اقترحها الزعبي، قد تحول دون اللجوء الى طرق بديلة وسريعة، وهي استخدام ارباب الأسبقيات أو ما يتعارف عليه بـ"الخاوات والفتوات".
ويتفق المصدر القضائي والخبير في ساحات المحاكم لأكثر من 25 عاما مع الزعبي، في ان عدد القضاة لا يغطي ثلث احتياجات الأردن، "ومع ذلك تجد أن 95 % من القضاة يستمعون الى شهادة الشهود بالسرعة الممكنة، حتى لا يتم تعطيل أعمال الناس، بالمقابل يكون التأخير من الشهود أنفسهم والخبراء في تقديم تقرير الخبرة".
وبما ان لكل 40 ألف مواطن قاض واحد فقط، ما يحمل القضاة فوق طاقتهم الاستيعابية، وفي ظل ضعف امكانيات الدولة المالية، بما لا يسمح برفع اعداد القضاة من 900 الى 2000 قاض، اقترح المصدر القضائي "أن يتم عقد محاكمات نهارية ومسائية على غرار تجارب بعض الدول الغربية، شريطة توفير بنية تحتية وترتيبات لوجستية، من أهمها توفير مخصصات مالية للقضاة المناوبين".
وحول استخدام عدد من المحامين لهذه الفئة "المرفوضة مجتمعيا"، لتحصيل حقوق موكليهم بشكل سريع، قال الزعبي "إن كل محام يخالف القوانين الناظمة لعمل المحاماة باستخدام خارجين عن القانون، قد يتعرض الى عقوبات عديدة، قد تصل الى شطب اسمه من جدول المحامين الممارسين".
ومن غير المبرر، ان يرجع اي متضرر الى اصحاب السوابق لتحصيل حقوقه، وبخاصة المقتدرين مهما كانت الاسباب والظروف، في ظل وجود قضاء عادل ونزيه، حسب ما تراه مديرة مركز العدل للمساءلة القانونية المحامية هديل عبد العزيز.
ودعت عبد العزيز الى ايجاد نظام واضح للتبليغ عن اصحاب الاتاوات، يكفل حماية المستضعفين، حتى لا يكون هناك انهيار لسيادة القانون.
وتعامل مركز العدل مع قضايا عدة للدفاع عن حقوق مواطنين تعرضوا لابتزاز واستغلال من قبل اصحاب أتاوات، هؤلاء تعاملوا مع موكليها بصور بشعة وصلت حتى التهديد بالقتل في حال رفضهم لمطالبهم.
وفي احدى القضايا بلغ الامر حد التهديد بـ"هتك عرض ابن الضحية"، حسب قول عبد العزيز، التي طالبت بايجاد برامج توعوية وارشادية تشجع المتضرر على تقديم شكوى بحق اصحاب الخاوات، لإعادة سيادة القانون وهيبته، ولغاية تشجيع المتضررين على تقديم شكاوى بحق "البلطجية"، دون تعرضهم للضرر المعنوي والجسدي.
واقترح المصدر القضائي نفسه "ان يتم تفعيل برنامج الشاهد السري في المحاكم، بحيث لا يتم الإفصاح عن اسم الشاهد كاملا وتكون مناقشته من خلف ستار في ظل عدم استخدام الأردن برنامج حماية الشهود، إلا على نطاق ضيق جدا".
استرجع سيارته بزمن قياسي
كاد رجل أعمال أردني، أن يخسر سيارته، وتبلغ قيمتها 35 الف دينار، لولا تدخل احد "القباضيات" في إحدى مناطق عمان الشرقية، حيث كادت تباع إلى شخص آخر، أو تم تفكيكها إلى قطع غيار مستعمل.
وتفاصيل القصة كما رواها رجل الأعمال، الذي فضل عدم نشر اسمه، انه كان من المفترض ان يتنازل المحتال عن سيارته بعد أن تم تسديد جميع الأقساط المالية المترتبة على رجل الأعمال له، إلا أنه "هرب بالسيارة قبل التنازل عنها بأيام قليلة، ورغم التبليغ عنه للجهات الأمنية والتعميم على السيارة بكامل تفاصيلها، إلا أن ضبطه متلبسا وهو يقود السيارة كان صعبا، علما بأن المحتال من اصحاب السوابق ولديه قيود أمنية موثقة".
استمرت القضية عدة شهور، ولم يتم البت فيها، يقول المتضرر، "حتى ارشدني وكيل الدفاع في قضيتي إلى "قباضاي" لديه سلطة على النصابين والمحتالين، ولديه أساليب متعددة لاسترجاع الحقوق لأهلها، لكن مقابل مكافأة مالية يتفق عليها"، وفقا لقوله لـ"الغد".
ولم يصدق رجل الأعمال ما تناهى إلى مسامعه، إلا عندما توجه الى "عميد" هؤلاء "القباضايات"، الذي اتصل مع النصاب بعد أن قام فريقه بالتحري عنه، وجلب رقمه الهاتفي، ليقول له بصيغة التهديد: "معك فقط أسبوع.. وتتنازل عن السيارة وإلا... أنت تعرف ما سيحصل لك".
وفعلا كانت مواعيد "العميد" دقيقة، فقد استرجع رجل الأعمال سيارته في غضون أسبوع واحد، وتم التنازل عن السيارة له. ويرفض رجل الأعمال إطلاق وصف "البلطجي" على من ساعده، بل وصفه بـ"الأباضاي" الذي يحاول أن يسترجع الحق لأصحابه حتى وإن لم ينصبه أحد!. ومع ذلك فهو يؤمن بأن "الدولة يجب أن تكون الفيصل الوحيد بين الدائن والمدين وليست البلطجة".
تجار يشكون العمل في بؤر ساخنة
ولم يقتصر استخدام "الفتوات" و"أصحاب السوابق" على بعض المحامين أو رجال أعمال، بل تعداه إلى بعض مشرعي القوانين، من نواب سابقين، بهدف توفير الحماية الشخصية لهم، بدلا من استخدام شركات الحماية الخاصة، أو لمنع "فتوات" من استغلالهم ماليا، ليرتفع الإقبال على استخدامهم في الانتخابات النيابية، من قبل بعض المرشحين، لجمع أصوات انتخابية او تدمير حملات إعلانية لمنافسين لهم.
كما وجد أصحاب محلات كبرى في عمان أن الحل للتصدي لأعمال البلطجية واستغلالهم المالي المستمر، هو "بتعيين خارجين عن القانون"، حيث يقول بعضهم إنهم خاضوا تجارب مريرة مع بلطجية، وتعرضوا أحيانا للضرب او الاعتداء على محالهم، خاصة في بعض البؤر الساخنة، التي ينشط فيها بلطجية، حسب قولهم لـ"الغد".
بدوره، طالب ممثل قطاع المواد الغذائية في غرفة تجارة الأردن رائد حمادة الجهات الأمنية بأن تكثف حملاتها الأمنية في المناطق التي ينشط فيها عمل أصحاب الأتاوات "حفاظا على أرواح الناس وممتلكاتهم الخاصة التي تتعرض للاعتداء باستمرار".
ولم يتردد حمادة في الإعلان عن مبادرة لمكافحة أعمال "البلطجية" في البؤر الساخنة، في مختلف محافظات المملكة، تتضمن "تخصيص جزء مالي من أرباح التجار لإنشاء محطات أمنية مجهزة للحد من نشاط أصحاب السوابق بالتنسيق والتعاون مع ادارة الأمن العام".
جاءت فكرة المبادرة، حسب حمادة، بعد أن تعرض عشرات التجار للتهديد الشخصي والأسري، باستخدام أسلحة بيضاء، وبتدمير محلاتهم في الاسواق في وضح النهار، مطالبا السماح لشركات الحماية المرخصة باستخدام السلاح لترهيب هذه الفئة الخارجة عن القانون.
ويتردد أغلب التجار في تقديم شكاوى بحق من يتسبب بالضرر، حسب حمادة، الذي أوضح أن التجار يتعرضون لضغوطات لا أخلاقية من قبل هذه الفئات، يضطرون أحيانا على إثرها إلى سحب شكاواهم من المراكز الأمنية وتكفيلهم. في حين فضل بعض التجار إغلاق محلاتهم وترحيل تجارتهم إلى مناطق تخلو من أصحاب الأتاوات، ممن يحاولون فرض مبالغ مالية إجبارية على تجار وأصحاب محال.
الأمن العام: ليست ظاهرة
من جهته، لا يعتبر الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي أن نشاط أصحاب الأتاوات في مجتمعنا "ظاهرة، لكنها موجودة يغذيها ضعف تقديم شكاوى من قبل المتضررين".
وفي ظل محدودية الشكاوى المقدمة بحق هذه الفئة، فإن الجهات الأمنية "تتعامل مع أفعالهم على أنها جريمة ويتم تحويلهم إلى القضاء والحاكم الإداري، لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم" يقول السرطاوي، داعيا أي مواطن متضرر لعدم الخضوع لمطالب هؤلاء البلطجية والخارجين عن القانون "وتقديم شكوى رسمية لأقرب مركز أمني".
وأشار السرطاوي الى ان الأجهزة الأمنية "تنفذ حملات نوعية لالقاء القبض على أصحاب الأسبقيات، وفارضي الأتاوات، منها حملة إربد الأخيرة، التي نفذتها شرطة إربد في عدد من شوارعها، بعد ورود شكاوى حول سلوكيات أصحاب الأسبقيات، حيث ألقت القبض على 15 شخصا".
التاجر الستيني ابو صبحي رفض ان يلجأ إلى أقرب مركز أمني لتقديم شكوى بحق 4 بلطجية، تهجموا على محله وسط البلد، واستولوا على 2000 دينار من عماله، بعد أن أطلقوا رصاصة على قدم أحدهم، وذلك لاعتقاده أن "حبال التحقيق وصولا لقرار قضائي طويلة".
كانت الخيارات أمام ابو صبحي محدودة، إما الموت أو إصابة عماله بإعاقة دائمة، أو منح البلطجية ما يريدون على أن يسترجع حقه لاحقا. بيد أنه استخدم سلطة العشيرة لاسترجاع أمواله، التي عادت إليه في غضون 7 أيام فقط، رغم أنه على يقين أنه سيتعرض لهذه السلوكيات غير الأخلاقية مرة أخرى، حسب قوله . -