ردا على مقترح ضم الأراضي المحتلة الى الأردن سهى الجندي
ردا على مقترح ضم الأراضي المحتلة الى الأردن
كتب حسن اسميك مقالا في مجلة الفورين بوليسي اقترح فيه ضم الضفة الغربية وغزة الى الأردن، ولخص الفوائد الجمة التي سيجنيها الأردنيون والفلسطينيون جراء هذا الضم، وأهمها توسيع السوق والموارد وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مما سيفتح الأفق للتطور الشامل ويبث الروح في الاقتصاد الراكد منذ عقود، وأشار اسميك الى أن الوحدة بين شرق النهر وغربه سهلة جدا بالنظر الى أنها كانت بالأصل دولة واحدة كما أن الناس متطابقون في كل شيء ولا يمكن الفصل بينهما، كما أشار الكاتب الى استطلاع أظهر رغبة الناس في ضم الضفة وغزة الى الأردن، أي أن الطريق ممهد ولا يحتاج الى تمهيد وحشد للتأييد. وهذا أمر عظيم ولطالما نادى العرب بوحدة الصفوف لكثرة المنافع التي تجلبها الوحدة على كافة الصعد في الظروف المثالية.
هناك من أساء فهم المقال وظن أن الكاتب يدعو الى نقل العبء السكاني فقط دون الأرض، مع أنه اقترح ضم الأراضي وسكانها حفاظا على ما تبقى من الأرض بعد التوسع بالمستوطنات الإسرائيلية. وهو قصد نبيل ولا يحتمل التفسير الذي ذهب إليه البعض.
لكن المقترح مثالي وغير قابل للتطبيق بالنظر الى أن إسرائيل تتوسع ولا يمكن أن تقبل بالانحسار، وهي تطمع في الاستيلاء على مزيد من الأراضي المحتلة وعملية بناء المستوطنات لم تتوقف للحظة منذ عام 1967، فإذا اجتمع الفلسطينيون والأردنيون في دولة واحدة، فإن أول ما سيفكرون به هو استعادة فلسطين كاملة لأن إسرائيل ليس لها أي حق فيها واستولت عليها بالقوة، فكيف ستقبل بشعب موحد على حدودها؟
من الجانب الآخر، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة يعيشون على المساعدات الخارجية ولولاها لما استقام لهم عيش، ولما استطاعوا أن يوفروا الطعام، فإذا نشأت دولة متحدة ذات كيان سياسي وثقل سكاني وتطبيع مع إسرائيل، فسوف تنقطع المساعدات، فهل سيستطيعون توفير حاجاتهم الأساسية؟ هذا مستبعد خاصة وأن مشكلة الفساد وسوء الإدارة هي معضلة في العالم العربي ككل، والناس لا يعرفون كيف يوجدون آلية لضبط الإنفاق والرقابة وكل يوم يصعق الانسان بمعلومات جديدة عن سرقات مهولة جوعت الناس وجعلتهم في حالة احتضار طويل. وعليه، فإن قيام وحدة كالتي جاءت في المقترح يجب أن يرافقها دعم مالي كبير لمساعدتها على النهوض، ومع ذلك، فإن هذه المساعدات قد لا يستفيد منها الشعب لأسباب يعرفها الجميع.
الى جانب ذلك، فإن العرب ميالون الى التفتت والتشرذم حتى لو لمسوا منافع الوحدة في معيشتهم اليومية، فهم يقسمون الناس بناء على الدين وبناء على المنطقة الجغرافية وبناء على العشيرة وبناء على التوجه الفكري، وجميع هذه العناصر موجودة لدى الناس شرق النهر وغربه، وأبرز مثال قائم الآن هو انفصل غزة عن الضفة بناء على التيار الفكري، وهناك اليمن التي انقسمت بناء على الطائفة وهناك العراق حيث ذبح الناس بعضهم البعض بناء على الطائفة، فمن الصعب جدا على العرب أن يهدؤوا ويمتثلوا للقوانين على قدم المساواة، فدائما هناك أشخاص فوق القانون يعتاشون على دماء عامة الناس.
وربما يكون أهم عامل يحول دون تحقيق فكرة الوحدة هو أن القرارات المصيرية دائما تأتي من الخارج وتفرض على العرب فرضا، ولا يمكن للعرب أن يأخذوا زمام المبادرة في أي شيء، كما أنهم لا يعقدون تحالفات حكيمة تصب في مصلحة الشعوب العربية عامة، وغالبا ما يتحالفون مع قوى تكره العرب وتتمنى لهم الاندثار.
فإذا أخذنا جميع هذه العوامل، فإن المقترح، على نبل مقاصده، غير قابل للتطبيق في هذه الظروف حيث لا تسمح القوى الكبرى بوحدة أي جانبين عربيين، وحيث تنتشر الفوضى ويعم الفساد وتهيمن عقلية الانفصال وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة بالإضافة الى جهل شريحة كبيرة من المجتمع التي تغذي الانقسام وتفتعل الخلافات وتنشر الكراهية وتعزز النعرات وتثير الفتن ولم يسبق قيام أي اتحاد ناجح بين العرب (باستثناء الامارات العربية المتحدة)، فنحن لم نصل بعد الى مرحلة النضج والوعي التي تجعلنا ندرك الفوائد الجمة التي تجنيها الشعوب من الوحدة وتكافؤ الفرص