مؤتمر فيلادلفيا في يومه الثاني يتابع مناقشة الفلسفة والأدب والفنون
مؤتمر فيلادلفيا في يومه الثاني يتابع مناقشة الفلسفة والأدب والفنون
تابع مؤتمر فيلادلفيا الذي جاء بعنوان: الفلسفة واللغة والفنون والعلوم الإنسانية، جلساته عن بعد، وفي الجلسة الثالثة من جلساته بعد جلستي اليوم الماضي، التي أدارتها الدكتورة نداء مشعل، تحدثت الدكتورة نعيمة محمد بولكعيبات من الجزائر، عن النص الأدبي العربي بين عذوبة النظريات وفخ الفلسفة: التفكيكية أنموذجا، وأشارت فيه إلى أن فلسفة دريدا من منطلق نقد المركزية الغربية وتحقيق الانتماء الذاتي بعيدا عن الآخر المسيطر على القوة، وتتمحور فلسفته على فكرتين أساسيتين هما: التمركز حول العقل وميتافيزيقا الحضور أو نزعة مركزية اللوجوس /الكلمة وهي في جوهرها استكمالا لـ فلسفة هيدجر والتي أطلق عليها النزعة الأفلاطونية أو الميتافيزيقا أو انطولوجيا اللاهوت، قائمة على أسئلة مشتتة، مفككة، أصبحت الهاجس المحوري لديه. ومن الأردن قدمت الدكتورة ليديا راشد ورقة بعنوان: الثنائية الضّدية في نصوص مهند العزب، وذهبت إلى أن مهند العزب استطاع من خلال الثنائية الضدية أن يبلور نصوصه بصورة مائزة وظفت المصطلح الفلسفي في خدمة الأدب وكثفت قيمته فنّيًا، وقد اتخذت الثنائية الضدية في نصوصه أشكالًا متعددة، هي:(الكفيف مبصرًا، بصيرة الخفاش، العتمة النورانية، الانكشاف أمام المرآة)، وأن كلا من(الكفيف والعتمة والخفاش والمرآة ) يشكلون معًا أدوات ووسائل تعيننا للوصول إلى الحكمة والمعرفة والوعي المنشود، بأسلوب بلاغي وتكثيف دلالي واقتصاد لغوي ينتصر لحاجة الإنسان للتبصر القلبي. وتحدثت فاطمة الزغول من وزارة التربية والتعليم الأردنية عن تجليات الفلسفة في القصة القصيرة عند حسن البطران، وقد وقفت على تجليات التعبير الفلسفي في القصص، اعتماداً على تحليل واستقراء نماذج من النصوص لقاص يمتاز بكثافة النشر وتنوعه، وأن التعبير الفلسفي في قصصه تبدو واضحة من خلال نماذج قصصية.
ومن الجامعة الأردنية قدم الباحثان الدكتور عبد الله محمود إبراهيم، والدكتور أحمد عبد الله الأحمد ورقة بعنوان: اللغة العربية والثورة الرقمية؛ الماثل والمطموح إليه، وبينا من خلالها أننا أمام إشكاليّة الهُوِيّة الرَّقْمِيّة والاغتراب الثقافيّ؛ حيث أصبح العديد مِنّا يواجه تحدّيًا حقيقيًّا في القدرة على إبراز ملامح هُوِيّته الحقيقيّة والتمسّك بها في الفضاء التكنولوجيّ، الذي تتموضع فيه الهُوِيّة بين جهتين؛ ارتباطه بثقافته ولُغته وما يرافقها من ذاكرة خصبة من جهة، وارتباطه بالهُوِيّة الرَّقْمِيّة حيث الواقع الافتراضيّ ذو التعدّد الثقافيّ والقيميّ والخالي من أي ذاكرة أساسًا من جهة أخرى. وعليه، فقد تضمّن البحث تلخيصًا لأسباب هذه الإشكاليّة، وسلّط الضَّوء على أهميتها بُغْيَةَ نشر الوعي بها والحدّ من تفاقهما.
وجاءت الجلسة الرابعة في محور الفلسفة والفنون، وقد أدارتها الدكتورة إنصاف الربضي، وتحدثت فيها الدكتورة ثريا بن مسمية من تونس بعنوان: الاستيطيقا: التقاء الفلسفي بالفنّي، حيث ترى أن "الاستيطيقا" بما هي علم يبحث في الجميل الفنّي من زاوية مثالية بحتة، هي إعلان هيغلي عن استقلالية البحث الفلسفي في الفنّ وتأسيس لفلسفة تخصّ هذا المجال. هيغل على هذا الوجه من التمشي يسلك مسلكا متفرّدا في البحث الفلسفي الفنّي بتقديم الجمال الفنّي كفكرة. وأسارت إلى أن هيغل لم يقلّ البتة أنّ الفنّ قد مات، و ما تحدث عنه بنهاية الفنّ هو بمعنى انحلال الفنّي في الفلسفي. اي أن الرّوح في تاريخها المتدرج نحو المطلق ستؤسس مجالا واعيا يفقد الحسّ مكانه فيه. ومن تونس أيضا قدم الدكتور علي الحبيب الفريوي ورقة بعنوان: الفلسفة الفينومينولوجية والإنعطاف إلى الفن؛ تقاطعاتهما ورهاناتهما في فلسفة ميرلو-بونتي، ورأت أن انعطاف الفلسفة نحو التفكير في الفن رهانا أنطولوجيا ومنطلقا نحو قيام بدء فلسفي يتقوّم على أسئلة فكر متسائل، ويعمل على تدبّر التفكير داخل فضاءات صقيلة وبريّة، رسمها الفن قصد معارضة عصر تيهان الإنسان في المتاوه، وتعمّد التقنية الحديثة اقتلاع كيانه من الأرض واجتثاثه. في ظل هذا الانتساء للوجود، وفي تبدي الأفول، ينفرج فكر فلسفي متسائل متصل برسم علاقة جديدة بين الفلسفة والفن، طالما أن ما يطالبنا به الفن والفلسفة هو حمل مشروع إجلاء الوجود، والانتظار في آخر المسافة. وقدمت الدكتورة فخرية اليحيائية من سلطنة عُمان ورقة بعنوان: الفن المفاهيمي: جدلية العلاقة بين المفهوم والمضمون، وذهبت إلى أن الفن المفاهيمي يُعد ثورة ضد عالم الفن وعاداته وتقاليده، ومحاولة لتحرير الفنان من قيود المواد ووسائل الفن التقليدية. فمنذ أن ظهر الفن المفاهيمي نادى بأسبقية الفكرة، والكلمة بعيدا عن منطق الحرفة أو الممارسات التقليدية للفنون البصرية؛ فأصبح العمل الفني يخاطب المتلقي من منطلق الفكرة. وسعى العمل لتمثيل واستكشاف لحالة الانسان، ومحاولة لتجربة فهم أعمق للحياة من حوله، بعيدًا عن القواعد والأطر المتعارف عليها. ومن جامعة اليرموك قدم الدكتور خالد الحمزة ورقة بعنوان : نحو نظرية فن عربية معاصرة، أكد فيها أن البحث في الأعمال الفنية، والتعامل مع العناصر المرئية بغرض تحليلها ومعرفة المضامين التي تحملها، يستوجب عدم إغفال مصدر هام ألا وهو رؤى الفنان الكامنة والتي تظهر آثارها في أعماله. ويمكن الوصول إلى تفاصيل تلك الرؤى من خلال ما يصرح به الفنان أو يكتبه بخصوص قضايا الإنسان عامة والقضايا الفنية خاصة. يوجد مثل هذا النوع من البحث منفردا أو ضمن علوم الفن الأخرى بدرجة قليلة في الغرب وغير موجود في البلاد العربية. وعليه يحاول هذا البحث أن يجيب على عدد من الأسئلة التي تغطي جوانب هامة من نظرية الفن مقتصرا على الفنانين العرب المعاصرين. وختم الجلسة الدكتور مروان العلان من جامعة فيلادلفيا بورقة بعنوان: قراءة اللوحة التشكيلية بين سيميائية الصورة ومقروئية الخطاب، حيث بين فيها أن اللوحة التشكيلية خطاب بصري بامتياز، لها لغتها ومفرداتها ومعانيها، كما لها شكلها وتنويعات الوانها ومساحات التأمل فيه، لكن مقروئيتها ذات مناح تختلف في كثير أو قليل عن مقروئية النص اللغوي المكوب رغم اشتراكها في كونهما مرئيين، النص المكوب واللوحة المرسومة، بيد أن مقروئية الأول التي تعتمد سيميائية الحروف المحددة تغاير مقروئية الثانية التي تعتمد سيميائية متشابكة الأطراف متخالفة المعاني في كثير من الأحيان. في كثير من الأحيان لا مناص من مراجعة نظريات وفلسفات علم الجمال لتكون خلفية للمشهد التشكيلي في قراءة اللوحة حيث تضيء الفلسفة هنا كثيرا من معالم طريق القراءة لخطاب اللوحة التشكيلية.
وفي الجلسة الأخيرة لليوم الثاني من أعمال المؤتمر التي أدارها الدكتور فيصل العمري جاءت الأوراق للحديث عن الفلسفة والفن، قدم محمد العبابنة من جامعة فيلادلفيا ورقة بعنوان: فلسفة معمار مكتبة الإسكندرية، رأى فيها أن المكتبات تعد من أهم الفراغات المعمارية التي اتصفت بها الحضارة الإنسانية، حيث ظهرت بعد أن قطع الإنسان شوطاً طويلاً في مضمار الحياة والعمران، بل إن هنالك توافقاً دائماً بين درجة حضارة الشعب ومستوى مكتباته، وأشار إلى أن مكتبة الإسكندرية تعد من أهم المكتبات في العالم عبر التاريخ ومن أقوى الانجازات المعمارية في القرن الحادي والعشرين، وخير مثال على فلسفة العمارة ومدى تأثرها بالمكان والزمان.
ومن العراق قدمت الدكتورة رنا ضاحي عبد الكريم ورقة بعنوان التمرد الفكري وفاعليته في أساليب الخزف المعاصر (قراءة فلسفية)، بينت أن القرن العشرين أحدث تغيرات عديدة كانت لها الأثر البالغ في تحول الموازين الفكرية للمجتمعات الغربية الصناعية المعاصرة، والتي تأتت عن طريق البحث عن صيغ اللامألوف واتباع طرائق مغايرة لاستخراج صور غرائبية تحكي عن ثقافة استهلاكية تنظر إلى التحرر الشامل من المكون المثالي المغلق القائم على الأطر المركزية الثابتة، إلى مجالات معرفية أخرى تسود فيها توقعات اختلافية تعطي صور بلاغية حول استشراف مفاهيم الهدم والتفكيك والتجنيس السطحية، فكان الفنان المعاصر يسعى لتوظيفها بغية إعلاء فاعلية التمرد لكسر الجمود الفكري والقوانين النسقية الثابتة التي طالما فرضت سلطة الاحتكار داخل المفهوم البنائي السابق. كما بحث الدكتور محسن علي حسين من جامعة البصرة في فلسفة الخطاب النحتي المعاصر في الخليج العربي، حيث اهتم بدراسات فلسفة الخطاب ضمن حقل الفن التشكيلي والذي يشكِّل من المحاور المهمة في دراسات الفن الفلسفية والاجتماعية والنقدية والدلالية لما فيه من العلاقة الوثيقة والتداخل مع هذه الدراسات، وخاصة إذا كان البحث متعلقاً بفن النحت هذا الفن الذي أخذ له حضوره الفاعل مع تاريخ الحضارات ومسارات تنقلاتها المرحلية إلى يومنا هذا، وعني هذا البحث في دراسة الخطاب التشكيلي لنحاتي الخليج العربي، هذه المنطقة ذات البعد الحضاري والثقافي العريقين فضلاً عن تنامي الوعي الفني الحداثي وما بعد الحداثي في مجريات اشتغالات فنانيها التشكيليين اليوم. وختم الجلسة الأخيرة في هذا اليوم الدكتور عبد الله بربزي من المغرب بقراءة تحليلية في مؤشرات التفكير النقدي بمنهاج الفلسفة بالتعليم الثانوي المغربي، وأشار إلى أن بحثه محاولة للجواب على سؤال بتتبع خطوات منهجية متدرجة تنطلق من العام إلى الخاص، إذ سنستهل تحليل المؤشرات والصيغ والعبارات الدالة على التفكير القدي بجرد عام للصيغ التي نعتقد أنها تعبر عن مفهوم التفكير النقدي في منهاج مادة الفلسفة، وذلك بتعداد عدد التكرارات التي ورد فيها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.