مع الدولة أعني مع المعلم
بقلم /الدكتور عماد الدين سالم الصرايره، النائب الأول لرئيس المجلس العربي الأمريكي.
اعتدنا في حياتنا ومسيرتنا العملية بمراحلها المتنوعة على اهتمام الدولة الأردنية بالمعلم، وباهتمام بالغ من سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه، وخير شواهد على ذلك اهتمام المقام السامي بمكانة المعلم، ودوره الريادي في بناء الدولة الأردنية الحديثة، فها هو جلالة الملك المعظم يوجه في بداية كل عام دراسي كلمة على قدر كبير من الأهمية تبين وتركز على دور المعلم الريادي في صنع الأجيال وإعداد قادة الأمة لنكون الدولة المتقدمة من بين الدول، وهاهو جلالته يزور المدارس ويفتتحها ضمن برنامج مدروس لتكون المدرسة هي البيت والموجه، وها هو جلالة الملك المعظم يوجه الحكومات المتلاحقة بضرورة رفع المستوى المعيشي للمعلم والإهتمام بمكانته المهمة في وطننا الأردن الغالي، وضرورة تطوير المعلم في كافة الاتجاهات وصقل شخصيته وإكسابه المهارات المتلاحقة ليواكب المستجدات في العملية التربوية والتعليمية أولا بأول، والكثير من المعلمين درسوا الماجستير والدكتوراه على نفقة الدولة المتمثلة بوزارة التربية والتعليم، والكثير من المعلمين درسوا دبلوم التربية في الجامعات على نفقة الدولة أيضا، ولن ننسى الزيادات المتلاحقة على رواتب المعلمين والتي أقرتها الدولة الأردنية تباعا وصولا إلى الحد المطلوب والذي يرضي كافة المعلمين لأنهم موضع اهتمام الدولة الأردنيةبل أن المعلمين وغيرهم من المخلصين هو الدولة والبانين لها بكل تميز واقتدار.
عطفا على ما ذكر، يتأكد لنا أن الدولة جميعها بقيادتها ومسؤوليها ومؤسساتها حريصة كل الحرص على المعلم وتهتم كل الاهتمام بالجانبين المادي والمعنوي للمعلم، لأن الدولة تعلم وتؤمن برسالة المعلم الذي يبني من خلالها الدولة الحديثة، ولله وللتاريخ وللضمائر الحية فإن الدولة الأردنية رفعت من مكانة المعلم وقدمت له الدعم في ظل الأوضاع الأقتصادية الصعبة وأصبح للمعلم المكانة المنشودة، وليس هذا فقط، بل أصبح المعلم الأردني المثل والقدوة الذي نتباهى به أينما عمل وارتحل في مختلف الدول، وأصبح المعلم بما قدمته الدوله له من برامج تطويرية ودورات وبرامج متنوعة المثقف والواعي وصاحب المهارات المتعددة والتي من خلالها يصنع تاريخ الأمة ويصنع الجيل القدوة ، ليكون الجيل الواعي الذي لا ينكر فضل من علموه لأن المعلم الأصيل لم ولن ينكر فضل الدولة عليه والتي طورته وصقلت مهاراته، وبالتالي لا يستطع أحد أن يفرق ما بين الدولة والمعلم فهما روح وقلب واحد.
وكم أزعجتنا بعض الأصوات النشاز التي دعت إلى الاسقواء على الدولة وحاولت استغلال قضايا المعلمين العادلة لتحقيق أهدافها بكل خباثة، وللأسف تحاول تلك الأصوات النشاز وتلك النوايا الخبيثة الوصول إلى أهدافها الحزبية والسياسية والفئوية والأجندات الخارجية من خلال المعلم؟ حيث استغلت المطالبة بحقوق المعلم في توجيه الدفة لغير أهدافها النبيلة، وحرف المسار إلى الإسقواء عالدولة ومحاولة اضعافها وفرض الرأي بالقوة عليها، وكأن تلك التوجهات الخبيثة نسيت أن المعلم ساهم في صنع الدولة، وأن الدولة ساهمت في صنع المعلم وتطويره، فهما جسد وروح، وعلى تلك الجهات التي تستغل قضايا المعلم لتمرير أجنداتها وبرامجها أن تبتعد عن المعلم، لأن المعلم واع ومدرك لحجم المخاطر التي تحدق بالدولة ولن يسمح المعلم الشريف المكافح أن يكون إمعة يعبر المخربون عن طريقه إلى مقومات الدولة ومقدراتها من الوحدة وتراص الصفوف والمصير الواحد والحب الأبدي والمستقبل الزاهر، وكم أنا فخور ببناة الأجيال صناع الرجال، وصناع تاريخ الأمة المجيد والذين هم على قدر كبير من الوعي، وسيخرجون من بينهم أولئك المندسين ولن يسمحوا أن تؤتى الدولة باسم حقوقهم بل أن من أهم حقوقهم حماية الدولة لأنهم هم بناة الدولة الأطهار.
وانطلاقا من واجبي الديني أولا ومن ثم واجبي الوطني، وانطلاقا من حبي واعتزازي وتقديري لكل معلم ومعلمة وجدت نفسي مضطرا لأن أوجه هذه الكلمات لكم وأقول : إن رهان الشر والذي تحاول بعض الجهات المخربة تطبيقه من خلال المعلمين كان ولا يزال وسيظل متوجهًا إلى محاولة زعزعة الصفوف والنيل من دولتنا ووحدتها، وهذا ما حذرنا منه ربنا والذي قال في كتابه العزيز : (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، ومن يذكي مثل هذه الأزمات مستفيدا من اختلافنا في وجهات الرأي والتفريق بيننا من مندسين وجهات داخلية وخارجية ، يكسبون ويفرحون بهذا الخلاف بين أهم مقوم من مقومات الدولة وهو المعلم وبين الدولة نفسها ، لتحقيق غاياتهم المشبوهة .
أيها المعلمون الشرفاء على امتداد وطني الأردن الغالي : إن الاختلاف في وجهات النظر لا يجوز أن يؤدّي إلى صراعات وإفساد وفتنة ؛ فالاختلافات لا تحلّ المشاكل، بل تزيدها تعقيدًا، إنها فتنة جَهْلاء، وضلالة عَمْياء، لا يستفيد منها إلا الأعداء، ومن الخطأ وليس من المصلحة أن يوجّه كلٌّ منا أصابع الاتهام إلى بعضنا بعضًا، إنها دعوةٌ إلى اجتماعٍ للكلمة لا يَذِلُّ فيها مظلوم، ولا يَشْقَى معها محروم، ولا يعبثُ في أرضها باغٍ، ولا يتلاعبُ بحقوقِها ظالم، ولا يستغلُّ أزمتها جاحد ، وبوحدة الكلمة والحوار البناء نقضي على كل مندس منافق .
كونوا جميعًا يا بَنِيَّ إذا اعْتَرَى * خَطْبٌ ولا تتفـرّقوا آحادا
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكَسُّرًا * وإذا افترقْنَ تكسَّرت أفراد
وعلينا جميعا الابتعاد عن الاستبداد وتتبع الزلات وإشهار الهفوات، وتصديق الشائعات .
أيها المعلمون الشرفاء ، إن الدولة لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن، إلا بعد أن تصاب من الداخل، فالحصن الحصين للشعب في الأزمات يكمن في الحوار ونبذ الفتنة واحترام الدولة ، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، وقال جل جلاله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ولذلك كان أعظمَ ما نهى الله عنه ورسوله الفرقةُ والاختلافُ، وعلى الدولة أن تتابع اهتماماتها بقضايا المعلمين والعمل على تحسين ظروفهم تماشيا مع الرؤى الملكية السامية وتماشيا مع سياسة الدولة الأردنية ، نعم أقولها بصوت عال : مع الدولة أعني مع المعلم لأن المعلم من أهم بناة الدولة ومطورها، دام الوطن.. دام المليك… دام المعلم.