على شاطئ الكورونا ينتطر النظام الجديد
.
إذا كانت الكوارث الكونية والأوبئة الصحية والحروب البشرية وراء استشعار المجتمع الدولي بالحاجة إلى حكومة عالمية قادرة على تحقيق الأمن العالمي، فإن النتيجة الطبيعية السائدة لدى العموم هي عدم الثقة بما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات المنبثقة عنه، ذلك أن ( هيئة الأمم المتحدة)، ومنظماتها الدولية فشلت في تحقيق أهدافها.
عصبة الأمم، ولدت خلال الحرب العالمية الأولى، عام 1919 بموجب معاهدة فرساي "لتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق السلام والأمن".
ولكن الحرب العالمية الاولى قلبت الميزان الأوربي رأسا على عقب، وخلقت نوعا من التغيرات الجغرافية التي كانت السبب الرئيس في نشوب الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاما من معاهدة فرساي، وفشلت عصبة الأمم.
قبل أن تضع تلك الحرب أوزارها التقى ممثلو (الولايات المتحدة الأمريكية رالصين والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة) في الولايات المتحدة الأمريكية، ووضعوا توصياتهم لبناء المنظمة الدولية الجديدة
في 25 نيسان/أبريل 1945، اجتمع مندوبو 50 دولة في سان فرانسيسكو،
ووضعوا ميثاقاً لمنظمة دولية جديدة تحت اسم (هيئة الامم المتحدة).
قام النظام الدولي الحالي بهدف تحقيق الأمن الجماعي، ومن خلال نظرية توازن القوى، فتشكلت الاحلاف الدولية، وبرز سباق التسلح الذي أنتج فائضاً من القوة وامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعسكرة الفضاء .
الاستقطاب الدولي بشرقه وغربه ( حلفا الناتو و وارسو) اهتما بتوازن القوى ولم يكن النظام الدولي معنياً بطبيعة الانظمة المتحالفة حتى لو كانت فاسدة ودكتاتورية.
ووجدت الأنظمة المستبدة الفاسدة، فرصتها بعد إطلاق يدها بسلطات مطلقة وفساد كبير، وكانت تلك الأنظمة مغطاة دولياً ومامونة من العواقب، وظهرت بوضوح سياسة المعايير المزدوجة والنفاق الدولي، وغابت المسؤولية الدولية، ونال إرهابيون دوليون جائزة نوبل للسلام، وساد الظلم والانتهازية والانانية.
حتى نخر الفساد عموم المنظمات الأممية بفعل بنيته القائمة على توازن القوى واقعا والأمن الجماعي شكلا.
اليوم أصبح الهاجس المقلق للعالم ينصب على تطوير مفهوم نظام الأمن الجماعي، وأصبح مفهوم الأمن الشامل مقدماً على ما سمي بالأمن القومي لكل دولة على حدة، وغدا أمن اي دولة هو امن داخلي لجميع الدول الأخرى.
ثورة المواصلات والنقل الكثيف جعل انتقال الأوبئة سريعا وسهلا ومدمرا، وجاء وباء كورونا ليكون التجسيد الواضح لذلك.
من ناحية ثانية، وبعد أن أصبح الشقاء والفقر محفزاً للهجرة والانتقال بافواج عشوائية مستفيدة من خدمه وسائل النقل الحديثة، حيث لم يعد المهاجر بحاجة إلى سماسرة التهريب المحفوف بالمخاطر، كل ما يحتاجه المهاجر بدلة نفاثة بكلفة اقل مما يدفعه للمهرب ويغزو الدولة الهدف فرادى أو جماعات كاسراب الجراد.
في عالم اليوم اصبحت الطائرة بدون طيار متوفرة أو ( قيد التوفر) وممكنة الصنع وباستطاعة احد ما ان يصنع من مواد متوفرة للعموم، نموذجا صغيرا، ويزوده بلوح طاقة شمسية، وكاميرا ونظام برمجي للوصول إلى حيث يريد.
بالطبع ثمة استخدامات أخرى أكثر خطورة، لأن شبكة الاتصالات ما زالت تحتوي عيوبا امنية تفتح للهاكرز فرصة ضرب اي نظام امني او صناعي او تجاري او مالي او صحي في العالم.
في هذا السياق ظهر مصطلح (الأمن السيبراني).
لا زال هناك الكثير من الثغرات التي ربما سينفذ منها من أراد.
وبالنتيجة فإن الإرهاب المزود بنتائج ثورة الذكاء الصناعي المتاحة للجميع، سيكون قادراً على أن يضرب حيث يريد.
ولعل شغف الولايات المتحدة بعقد اتفاق مع طالبان والحرص على تنفيذه على الرغم من معاناتها الداخلية في مواجهة جائحة كورونا، يعبر عن المخاوف المضمرة التي تسيطر على التوجهات الدولية الجديدة، إذا فشلت الإدارة الأمريكية في تحقيق المصالحة أو ( الاحتواء والادماج)
ووفق هذا التحليل، فإن الفشل ممنوع من أجل تقديم النموذج في قصة نجاح الاحتواء، وهنا أيضاً يحضر السؤال عن سر طلب الإدارة الأمريكية اللقاء سراً مع حركة حمممماس؟ ولا يغفل إغلاق المسرح السياسي والعملياتي الذي صعد داعش على خشبة المسرح واخرجها بعد انتهاء الدور المطلوب منها.
بكلمة؛ إن لم يتخلي النظام الدولي القادم عن مخلفات ومآسي النظام الفاسد القائم ،
ويعتمد على الامن الجماعي ويتحلي بالشفافية الحريصة على امن كل كيان فيه باعتياره امنا عالميا.
وبالاستفادة من نتائج الثورة الصناعية الرابعة، وبوعدها بالرفاه والخروج من ازمات النظام الدولي...
إن لم يحصل ذلك فإن العالم مقبلٌ أحداث مهولة لعل اصغرها جائحة كورونا التي يجلس على شاطئها النظام الجديد.