التحذيرات والمعلومات الصحية حول السجائر الإلكترونية تشجع التجارة غير المشروعة مع تأثيرات عكسية في مجال مكافحة التبغ
في الوقت الذي لا يزال السجال العالمي يتصاعد بوتيرته بين مؤيد ومعارض لاستخدام المنتجات الخالية من الدخان، والتحول عن التدخين التقليدي، كما لا تزال الدراسات تتواصل والآراء تنهال من كل صوب وحدب، أصدر مركز سلوكيات الإدمان في جامعة لندن ساوث بانك (LSBU)، التي تعد من أفضل وأعرق الجامعات البريطانية، نتائج بحث أجراه مؤخراً حول التحذيرات والمعلومات الصحية حول السجائر الإلكترونية المنتشرة حالياً في دول الاتحاد الأوروبي امتثالاً للتشريعات ودعوات صناع القرار، نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أجزاء هامة منه.
وبحسب الصحيفة، يفيد تقرير دراسة المركز بأن هذه التحذيرات قد تعود بآثار سلبية يمتنع معها مدخنو السجائر التقليدية عن التحول إلى المنتجات ذات احتمالية تخفيض الضرر - سواء من السجائر الإلكترونية أو المنتجات التي تعمل على تسخين التبغ بدلاً من حرقه - خاصة في الوقت الذي تصدُر فيه دون أدلة علمية مثبتة، خوفاً من الإدمان بحسب التحذيرات، خلافاً لتلك التي تتضمن رسائل تشير لاحتمالية تخفيض الضرر بالنسبة للمدخنين البالغين دون &إغراء& غير المدخنين على البدء باستخدامها.
وضمن الدراسة التي نشرت على صفحات مجلة Addictive Behaviors، فإنه ونظراً للتأثير النفسي لصياغة التحذيرات، وما تنطوي عليه من رسائل على الراغبين في الإقلاع عن التدخين التقليدي، فإنه يتوجب على الحكومات إعادة النظر في هذه الصياغة.
وبحسب مؤلفي الدراسة التي أجريت على حوالي 2495 من المدخنين وغير المدخنين في المملكة المتحدة، فإن التحذيرات والرسائل التي يتم إطلاقها حالياً في الاتحاد الأوروبي، والتي تركز على مخاطر استهلاك النيكوتين، قد تقوض فرص تغيير سلوك مدخني السجائر التقليدية وإمكانية تحولهم للبدائل ذات احتمالية تخفيض الضرر بفعل العامل النفسي، وهو ما يجب العمل على تحقيق عكسه؛ ذلك أنه وخلافاً للاعتقاد السائد، فإن النيكوتين ورغم طبيعته الإدمانيّة وكونه غير خالٍ من الضرر فإنّه لا يشكل السبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين، إنما يعزى ذلك بالمقام الأول لآلاف المواد الكيميائية التي تحويها السجائر التقليدية بسبب حرق التبغ المعتمدة فيها.
وأكدت عينة الدراسة بأن التحذيرات الأقل حدة، والتي تتضمن رسائل تفيد بأن السجائر الإلكترونية هي منتجات ذات احتمالية تخفيض المخاطر، تعد أكثر فعالية في تشجيع مدخني التبغ (السجائر التقليدية) على التحول إليها كخطوة مبدئية للإقلاع عن التدخين نهائياً، وهو التقييم الذي جاء إثر اطلاع المشاركين في الدراسة على التحذيرات الجديدة عبر الإنترنت خلال شهر واحد امتد من كانون الأول من العام 2018 إلى كانون الثاني من العام 2019.
ومن جهتها، أشارت أستاذة دراسات النيكوتين والتبغ في جامعة لندن ساوث بانك، لين دوكينز بأن عدد الوفيات والأمراض المرتبطة بالتدخين ستكون أقل في حالة التحول عن منتجات التبغ التقليدية، فيما قال مدير مكافحة التبغ لدى مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، وهو المركز الذي كان مسؤولاً عن تمويل الدراسة، كروتي شوتري، بأن السجائر الإلكترونية لا تزال جديدة نسبياً، الأمر الذي لا يتيح للمعنيين معرفة النتائج القطعية لقياس مدى الضرر أو النفع الفعلي لها على المدى الطويل على وجه الدقة في الوقت الحالي.
وهنا تظهر أهمية الامتناع عن الترويج لفكرة أن البدائل المتاحة في الأسواق تتساوى مع منتجات التبغ التقليدية في الضرر؛ ذلك أن هذا النوع من الترويج مبني في غالب الوقت على المشاعر السلبية العامة تجاه التبغ، لا على الدراسات المعمقة والشمولية.
وفي الجهة المقابلة، فإن العديد من التقارير التي صدرت عن جهات موثوقة وعن العديد من الخبراء المرموقين، أظهرت أن المنتجات ذات احتمالية تخفيض المخاطر والضرر بنوعيها، التي تسخن التبغ بدلاً من حرقه، والتي تسخن السوائل لإنتاج البخار، تحفز على الإقلاع عن التدخين التقليدي فضلاً عن كونها قد تكون أقل ضرراً بما نسبته 95% بالمقارنة مع السجائر التقليدية.
من أبرز هذه التقارير ذلك الذي أصدرته لجنة مجلس العموم للعلوم والتكنولوجيا البرلمانية في بريطانيا حول السجائر الإلكترونية والمنتجات التي تسخن التبغ بدلاً من حرقه؛ والذي خلُص لضرورة عدم التعامل مع هذه المنتجات بنفس الصرامة التي تُعامَل بها السجائر التقليدية، خاصة وأن نحو 470 ألفاً من من أصل 2.9 مليون شخص في المملكة المتحدة ممن يستخدمون السجائر الإلكترونية، يلجأون إليها للإقلاع عن التدخين بشكل كامل، وأن عشرات الآلاف يتمكنون من الإقلاع عن التدخين كلياً بفضل هذه البدائل، داعياً لإعادة النظر في أنظمة الموافقة على علاج الإقلاع عن التدخين باستخدام بدائل مثل السجائر الإلكترونية.
وفي هذا السياق تظهر أهمية التزام المشرعين والمعنيين في مختلف القطاعات بحق المعرفة للمدخنين البالغين، وبحقهم بالحصول على التوعية الكافية بخصوص تواجد بدائل ذات احتمالية تخفيض الضرر مقارنة بالسجائر القابلة للاحتراق.
وفي بيان صدر في وقت سابق عن هيئة الصحة العامة في المملكة المتحدة بالاشتراك مع عدد من منظمات الصحة الأخرى، اتُفِق على أن السجائر الإلكترونية تعد أقل ضرراً من السجائر التقليدية وبشكل ملحوظ، كما ظهر أن معدلات التدخين بين البالغين قد انخفضت منذ العام 2000 بمقدار الثلث عما سبقه، على أن يتواصل إجراء دراسات الأثر على المدى الطويل.
ومن الخبراء من كتب حول هذه المسألة، بروفيسور القانون في جامعة أوتاوا، ديفيد سوينور، في مقالة له، استهجن فيها الحرب التي تُشن ضد السجائر الإلكترونية، والتي برأيه تسهم في قتل المزيد من مدخني السجائر التقليدية لمنعهم من الحصول على البدائل، مدعّماً ما أشار إليه في مقالته بنتائج دراسة الكلية الملكية للأطباء في المملكة المتحدة حول تقنيات التبخير (Vaping)، والتي كان من أهمها صعوبة الإقلاع عن التدخين بسرعة، وأن المدخنين يتعرضون للأذى بسبب عناصر أخرى غير النيكوتين من تدخين التبغ، فضلاً عن أن توفير النيكوتين في البدائل دون وضع المكونات الضارة الصادرة من دخان التبغ، يمكنه الوقاية من معظم الضرر الناتج عن التدخين، وأن أساليب العلاج باستخدام النيكوتين أكثر الطرق فعالية في مساعدة الأشخاص على الإقلاع عن التدخين عند استخدامها مع الدعم والتدخل من جانب أخصائي الصحة، وغيرها.
ومن أحدث ما كُتب حول الموضوع، ما ظهر على صفحات &وول ستريت جورنال& ضمن مقالة افتتاحية للعالم والكاتب والصحفي والأستاذ الزائر في مختبرات Cold Spring Harbor Lab. أفادت المقالة بأن الحظر الذي تواجهه السجائر الإلكترونية والقيود التي تُفرض عليها تأتي بنتائج عكسية وإن لم تكن مقصودة في مجال مكافحة التبغ، فبدلاً من مساهمتها في تعزيز حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، باتت تسهم في تشجيع التجارة غير المشروعة والتي على الأغلب يتم ضمنها تقديم منتجات وبدائل مزورة وغير خاضعة لأي نوع من الدراسات والأبحاث فضلًا عن كونها لا تخضع لمعايير السلامة والجودة.
وتطرّق ريدلي في مقالته للموقف المتناقض لسلطات الصحة العامة في كل من الولايات المحدة والمملكة المتحدة بشأن تقنيات التبخير (استنشاق البخار Vaping)؛ إذ أن الأولى تعارضه بشدة، فيما الثانية تشجع للتحول إليه بدلاً من مواصلة استهلاك منتجات التبغ التقليدية بدعوى أن ذلك أقل ضرراً بنسبة 95%، وهو الأمر الذي تدعمه العديد من الدراسات الصادرة عن عدة مؤسسات هناك، والتي تبيّن أحدها بأن استنشاق البخار يساعد نحو 70 ألف شخص كل عام في الإقلاع عن التدخين، الأمر الذي يحمل مؤشرات إيجابية، ومن هنا يدعو الخبراء والمختصين في القطاع الصحي للتشجيع عليه كوسيلة للإقلاع النهائي عن التدخين؛ وهو ما أشارت إليه الخبيرة في مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، ليندا بولد، داعيةً للترويج لهذا البديل على أنه خيار إيجابي خاصة وأن القوانين تنص على ضرورة إجراء مختلف الفحوصات والاختبارات على المنتجات التي يتم إطلاقها في السوق بما في ذلك اختبارات السمية للمكونات والانبعاثات قبل الإطلاق بمدة لا تقل عن 6 أشهر.
أمّا في الولايات المتحدة وحسب تقرير ريدلي، فإن التجربة مختلفة فيها، وذلك نظرأً لاحتواء منتجات استنشاق البخار التي يتم الحصول عليها من مصادر غير رسمية وغير موثوقة كالتجار غير القانونيين على مركّب زيت THC، هذا إلى جانب أن معدلات النيكوتين المسموحة في السجائر الإلكترونية في أميركا أعلى بكثير من معدلاتها في بريطانيا، وأن التشريعات الخاصة بسلامة المنتجات في أميركا لا تتصف بنفس المستوى الصارم المفروض في بريطانيا وهذا ما قد يفسر سبب الأمراض المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية في أميركا، والتي لم تظهر في أي دولة أخرى، كما يدعو للنظر في تنظيم قطاع السجائر الإلكترونية للتمكن من مراجعة مكوناتها وتأثيراتها وكيفية تصنيعها بدلاً من حظرها وفتح الباب للتجارة غير المشروعة.
وفي سياق مشابه، نشر موقع CNN أواخر تشرين الأول 2019 مقالة حول إقلاع ما يصل إلى 70 ألف مدخن في إنجلترا عن التدخين تماماً خلال عام 2017 بفضل تحولهم للسجائر الإلكترونية بحسب دراسة نشرت في المجلة العلمية &الإدمان&، وبينت أن معدل الأشخاص المقلعين ارتفع منذ العام 2011 فصاعداً مع زيادة الإقبال على السجائر الإلكترونية والتي لولاها لواصلوا التدخين التقليدي، وأنه انخفض في العام 2015 في الوقت الذي قل فيه استخدامها. وفي هذه الدراسة، أشار أحد مؤلفيها والباحث في كلية لندن الجامعية، جيمي براون، إلى التوقعات السائدة بأن تقنيات التبخير والسجائر الإلكترونية ستسهم في مساعدة أعداد مماثلة من الأشخاص على الإقلاع عن التدخين إذا ما تواصل استخدام السجائر الإلكترونية بنفس معدلات عام 2017، وهو ما قد لا ينطبق على دول أخرى بالنظر للمناخ التشريعي السائد في إنجلترا والإطار التنظيمي المنفتح نسبياً في ما يتعلق بالسجائر الإلكترونية في إطار مكافحتها للتدخين. وجاء في المقالة نقلاً عن كبير مديري السياسات في المنظمة الخيرية لأبحاث مرض السرطان في المملكة المتحدة، جورج بتروورث، أن الأبحاث التي نفذت حتى الآن تظهر بأن السجائر الإلكترونية ومنتجات استنشاق البخار تعد أقل ضرراً من تدخين التبغ، ويمكن أن تساعد المدخنين على الإقلاع، إلا أن مؤلفي الدراسة أكدوا بأنه من أجل قياس تأثير هذه المنتجات الحقيقي، فالأصح أن يتم ذلك على الأشخاص الذين لم يستهلكوا التبغ مطلقاً في حياتهم.
وأظهرت الدراسة وبحسب مؤلفتها الرئيسية، إيما بيرد، بأن المملكة المتحدة خلقت توازناً معقولاً بين تنظيم السجائر الإلكترونية والترويج لها، وهو ما أسهم في عدم إقبال غير المدخنين عليها.
-انتهى-