الصحافة الاقتصادية ليست علاقات عامة
الصحافة الاقتصادية معرضة لفقدان المصداقية والتأثير، بسبب غلبة الطابع الدعائي غير المعلن فيها، وامتلائها بتقارير العلاقات العامة التي ترسلها الشركات والشخصيات الاقتصادية، وتنشَر كما تصل من مصدرها في جميع وسائل الإعلام؛ من دون تعديل أو مراجعة أو إضافة، أو حتى تغيير الصورة التي يرسلها المصدر، فتنشر موحدة في وسائل الإعلام على نحو يجعل القارئ ينظر إلى كثير من الأخبار والتقارير المسماة اقتصادية على أنها لا تصلح مصدرا للأخبار والخدمات المعرفية، المفترض أن تقدمها الصحافة. وتكون هذه الأخبار عادة مكتوبة بلغة إعلانية، وتفيض بالمديح المبالغ فيه للشركات ومدرائها.
لقد تحولت الأخبار الاقتصادية، عموماً، إلى بيانات تبجيل للشركات ومدرائها، لا يحظى بها أحد في العالم سوى رئيس كوريا الشمالية! ولا بأس في التذكير بالتقرير الموحد الذي نشر في صفحة كاملة عن شركة سوف تخرج الأردن من أزمته الاقتصادية! كما ذكر في العنوان. ولم يكن التقرير الذي قُدّم وكأنه محصلة رحلة ميدانية لمندوبي الصحف في بلد الشركة (على حساب من كانت الرحلة؟) سوى معلومات مستمدة من موقع الشركة على الإنترنت، وكان بدهيا بالطبع -كونه تقريرا موحدا- أن مندوبي الصحافة الذين سافروا في رحلة صحفية ميدانية لم يكتبوا حرفا واحدا من التقرير!
وليس سرا إلا على القارئ، أن انتقاد البنوك والشركات الكبرى أصعب بكثير من انتقاد سياسة حكومية أو مسؤول رفيع المستوى في البلد!
يسود في الثقافة العامة والسياسية أن المعارضة السياسية والإعلامية تركز على مراجعة ونقد السياسات الحكومية وأداء المسؤولين. وقد ظهر ذلك تقدما اجتماعيا وثقافيا، بعدما سادت لفترة طويلة، وما تزال، فكرة مؤثرة تجد بريقا وتأييدا كبيرا، هي أن المعارضة والأهمية السياسية والإعلامية مستمدة من الاهتمام بالعالم الخارجي والقضايا الخارجية، وتأييد المقاومة وتمجيد المواجهة مع إسرائيل والدول الكبرى (الإمبريالية العالمية). ثم أضيف إلى هذه البطولات الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي ومقاومة التطبيع مع إسرائيل.
لكن، وفي واقع الحال، فإن الإصلاح الديمقراطي وتكريس الحريات والحقوق العامة، يبدأ بالاهتمام والتجمع والتشكل حول الموارد والأسواق والأعمال وفرص التنمية، وتحسين الحياة ومستوى المعيشة. إذ لا أهمية ولا معنى لانتخابات عامة من غير ولاية ومشاركة في الموارد، وتأثير في الأسواق والاستهلاك والإنتاج. فالناس يشكلون حياتهم ومجتمعاتهم وعلاقاتهم ومؤسساتهم وخدماتها حول الموارد والأعمال؛ فلا ديمقراطية سياسية من غير مشاركة اقتصادية. إذ في هذه المشاركة يحدد المواطنون مواقفهم واتجاهاتهم وأولوياتهم، ويفكرون ويتجادلون حول إدارة الفرق بين تطلعاتهم وبين الواقع، وفي ذلك يختارون قادتهم الاجتماعيين والسياسيين لأجل التحرك والتأثير في اتجاه أولوياتهم ومصالحهم.. وهذه هي السياسة!
المواطن المسيس أو المهتم بالسياسة، هو المشغول أولا بالسياسات الاقتصادية، وإدارة وتنظيم الموارد وعلاقتها بالخدمات التي يحصل عليها، ومستوى التنمية والمعيشة الذي يتمتع به. وفي المقابل، فإن ما يظنه كثير من المواطنين عملا سياسيا أو معارضة أو بطولة، ليس سوى هروب من العمل والتأثير باتجاه الأهداف الحقيقية. وليس أفضل للحكومات والاحتكارات والامتيازات، من صحافة ومعارضات ونقابات وتنظيمات اجتماعية وسياسية تحج الى سويمة لأجل العودة، أو تقف محتجة على الاحتلال يوم الجمعة أمام مسجد، أو تحتفل بالفتح الصلاحي! تاركة المواطنين والمستهلكين يواجهون في عزلة وتهميش الإدارة الاحتكارية والمتحيزة والاستغلالية للموارد وإنفاقها وتوزيعها، وأسوأ من ذلك التحالف مع الشركات والاحتكارات في مواجهة المجتمعات والمستهلكين.
الصحفي الذي يساعد المواطنين في الإحاطة بحركة واتجاهات الأسواق والموارد والخدمات، بنزاهة وكفاءة، يساهم في تكرس المشاركة العامة الفاعلة، والعكس صحيح أيضا؛ ففي غياب المعرفة الصحيحة بالسلع والخدمات وتكاليفها وجودتها وتداولها، تغيب المشاركة العامة، وتفقد الانتخابات معناها وجدواها.
لقد تحولت الأخبار الاقتصادية، عموماً، إلى بيانات تبجيل للشركات ومدرائها، لا يحظى بها أحد في العالم سوى رئيس كوريا الشمالية! ولا بأس في التذكير بالتقرير الموحد الذي نشر في صفحة كاملة عن شركة سوف تخرج الأردن من أزمته الاقتصادية! كما ذكر في العنوان. ولم يكن التقرير الذي قُدّم وكأنه محصلة رحلة ميدانية لمندوبي الصحف في بلد الشركة (على حساب من كانت الرحلة؟) سوى معلومات مستمدة من موقع الشركة على الإنترنت، وكان بدهيا بالطبع -كونه تقريرا موحدا- أن مندوبي الصحافة الذين سافروا في رحلة صحفية ميدانية لم يكتبوا حرفا واحدا من التقرير!
وليس سرا إلا على القارئ، أن انتقاد البنوك والشركات الكبرى أصعب بكثير من انتقاد سياسة حكومية أو مسؤول رفيع المستوى في البلد!
يسود في الثقافة العامة والسياسية أن المعارضة السياسية والإعلامية تركز على مراجعة ونقد السياسات الحكومية وأداء المسؤولين. وقد ظهر ذلك تقدما اجتماعيا وثقافيا، بعدما سادت لفترة طويلة، وما تزال، فكرة مؤثرة تجد بريقا وتأييدا كبيرا، هي أن المعارضة والأهمية السياسية والإعلامية مستمدة من الاهتمام بالعالم الخارجي والقضايا الخارجية، وتأييد المقاومة وتمجيد المواجهة مع إسرائيل والدول الكبرى (الإمبريالية العالمية). ثم أضيف إلى هذه البطولات الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي ومقاومة التطبيع مع إسرائيل.
لكن، وفي واقع الحال، فإن الإصلاح الديمقراطي وتكريس الحريات والحقوق العامة، يبدأ بالاهتمام والتجمع والتشكل حول الموارد والأسواق والأعمال وفرص التنمية، وتحسين الحياة ومستوى المعيشة. إذ لا أهمية ولا معنى لانتخابات عامة من غير ولاية ومشاركة في الموارد، وتأثير في الأسواق والاستهلاك والإنتاج. فالناس يشكلون حياتهم ومجتمعاتهم وعلاقاتهم ومؤسساتهم وخدماتها حول الموارد والأعمال؛ فلا ديمقراطية سياسية من غير مشاركة اقتصادية. إذ في هذه المشاركة يحدد المواطنون مواقفهم واتجاهاتهم وأولوياتهم، ويفكرون ويتجادلون حول إدارة الفرق بين تطلعاتهم وبين الواقع، وفي ذلك يختارون قادتهم الاجتماعيين والسياسيين لأجل التحرك والتأثير في اتجاه أولوياتهم ومصالحهم.. وهذه هي السياسة!
المواطن المسيس أو المهتم بالسياسة، هو المشغول أولا بالسياسات الاقتصادية، وإدارة وتنظيم الموارد وعلاقتها بالخدمات التي يحصل عليها، ومستوى التنمية والمعيشة الذي يتمتع به. وفي المقابل، فإن ما يظنه كثير من المواطنين عملا سياسيا أو معارضة أو بطولة، ليس سوى هروب من العمل والتأثير باتجاه الأهداف الحقيقية. وليس أفضل للحكومات والاحتكارات والامتيازات، من صحافة ومعارضات ونقابات وتنظيمات اجتماعية وسياسية تحج الى سويمة لأجل العودة، أو تقف محتجة على الاحتلال يوم الجمعة أمام مسجد، أو تحتفل بالفتح الصلاحي! تاركة المواطنين والمستهلكين يواجهون في عزلة وتهميش الإدارة الاحتكارية والمتحيزة والاستغلالية للموارد وإنفاقها وتوزيعها، وأسوأ من ذلك التحالف مع الشركات والاحتكارات في مواجهة المجتمعات والمستهلكين.
الصحفي الذي يساعد المواطنين في الإحاطة بحركة واتجاهات الأسواق والموارد والخدمات، بنزاهة وكفاءة، يساهم في تكرس المشاركة العامة الفاعلة، والعكس صحيح أيضا؛ ففي غياب المعرفة الصحيحة بالسلع والخدمات وتكاليفها وجودتها وتداولها، تغيب المشاركة العامة، وتفقد الانتخابات معناها وجدواها.