عبد الرحمن الأصفر : أسعار الذهب تحت المجهر والتوقعات المستقبلية

عبد الرحمن الأصفر : أسعار الذهب تحت المجهر والتوقعات المستقبلية
المركب الاخباري
عبدالرحمن_الأصفر - المحلل المالي والتقني
هل هناك نقص عالمي في الذهب؟
ما السبب الحقيقي وراء تحطيم الذهب لمستوياته القياسية؟
ولماذا نشهد تدفقات كبيرة من الذهب من لندن إلى الولايات المتحدة؟
هذه التساؤلات تشغل بال جميع المهتمين بالمعدن الأصفر حول العالم خصوصا بعد التغيرات الدرامية التي تحدث في سوق الذهب والتي حفزتها مخاوف التعريفات الجمركية والتحولات السياسية المحتملة والتوترات الجيوسياسية المتزايدة وسيكون هذا المقال عبارة عن فقرات تحاكي تلك العوامل كي يتسنى للقارئ الكريم ملاحظة التنوع والأسباب المعلنة وغير المعلنة التي تدعم تحركات المعدن الأصفر
مخاوف الرسوم الجمركية تعزز تدفقات الذهب إلى الولايات المتحدة
في ظل المخاوف المتزايدة من فرض رسوم جمركية جديدة خلال ولاية الرئيس الامريكي دونالد ترامب الثانية، يسارع المستثمرون إلى نقل احتياطاتهم من الذهب إلى الولايات المتحدة حيث تسعى البنوك إلى تقليل المخاطر من خلال ضمان تواجد أصولها داخل الحدود الأمريكية، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في شحنات الذهب إلى بورصة COMEX في نيويورك. ووفقًا للبيانات الأخيرة وارتفعت مخزونات الذهب هناك بنسبة 75% منذ انتهاء الانتخابات الأمريكية، في مؤشر واضح على تزايد الطلب على المعدن الأصفر في السوق الأمريكية.
ضغوط متزايدة على سوق الذهب في لندن
يشهد سوق الذهب في لندن ضغوطًا متزايدة بسبب الطلب المتنامي على المعدن الأصفر في الولايات المتحدة. فقد أدى هذا الطلب المرتفع إلى تمديد فترات الانتظار لسحب الذهب من بنك إنجلترا، مما يعكس تحولًا في توازن الإمدادات. ويبدو أن هناك جهة تسعى بشكل مكثف لجمع كميات كبيرة من الذهب والفضة داخل الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن احتمالية حدوث تأخيرات ونقص في الإمدادات داخل السوق البريطانية.
إعادة التوازن العالمي: الذهب في قلب المنافسة الاقتصادية
لا يقتصر تزايد الطلب على الذهب على الولايات المتحدة فحسب، بل تسعى دول مجموعة البريكس أيضًا إلى تعزيز احتياطياتها من المعدن النفيس يطرح هذا التسابق تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تحاول ضمان احتفاظها بالمركز الأول عالميًا في امتلاك الذهب وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن الاهتمام يتحول تدريجيًا من الأصول الرقمية، مثل البيتكوين، إلى الذهب المادي باعتباره ملاذًا آمنًا واستراتيجية اقتصادية طويلة الأمد.
الضغوط التضخمية والتوترات الجيوسياسية: عوامل تدعم أسعار الذهب
يعد استمرار التلويح بالتهديدات بفرض تعريفات جمركية جديدة في ظل الإدارة الحالية للرئيس ترامب من العوامل الرئيسية التي تساهم في ارتفاع أسعار الذهب فقد تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على الواردات من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى تعريفات إضافية بنسبة 10% على الواردات من الصين وإذا تم تنفيذ هذه التعريفات، فإن ذلك قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية كبيرة حيث من المتوقع أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى ارتفاع التضخم وهو ما يجعل الذهب خيارا مفضلاً كأداة للتحوط من هذه المخاطر الاقتصادية إضافة إلى ذلك، تظل التوترات الجيوسياسية المستمرة، مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات في الشرق الأوسط عوامل داعمة لأسعار الذهب وهذه الصراعات لا تظهر أي علامات على التراجع بشكل كامل، مما يعزز الإقبال على الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات وكما أكد المنتدى الاقتصادي العالمي في استطلاعه السنوي أن الصراع المسلح يُعتبر الخطر الأكبر في عام 2025، حيث أشار ما يقرب من ربع المستجيبين إلى أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة والصراعات المسلحة تشكل تهديدا مباشرا وهذا التأكيد يسلط الضوء على استمرار المخاطر العالمية التي تدفع العديد من المستثمرين نحو المعدن الأصفر كحماية من تقلبات الأسواق والاضطرابات السياسية.
بالإضافة إلى التهديدات المتعلقة بالرسوم الجمركية والضبابية الجيوسياسية، هناك عوامل اقتصادية أخرى قد تؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب في المستقبل من أبرز هذه العوامل السياسة المالية الأميركية وسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الذي يسعى فيه الاحتياطي الفيدرالي إلى تقليص وتيرة خفض أسعار الفائدة، يبقى الأمر مرهونًا بالبيانات الاقتصادية القادمة مثل التضخم، والنمو الاقتصادي، والعجز في الميزانية، والتي سيكون لها تأثير مباشر على قرارات السياسة النقدية.
وقد يؤدي أي تخفيض آخر في أسعار الفائدة إلى تعزيز جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد التضخم. ومع ذلك، فإن فرض تعريفات جمركية إضافية على المعادن الثمينة قد يتسبب في تقلبات شديدة في السوق، إذ ستؤثر الرسوم الجمركية على العرض والطلب في السوق العالمية، مما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار وإذا تم تنفيذ هذه الرسوم، فإنها قد يكون لها تأثير عميق على أسعار المعادن الثمينة مثل الذهب، الفضة، والبلاتين، إلى جانب تأثيرات أقل على البلاديوم في عام 2025.
استمرار شراء الذهب من قبل البنوك المركزية كاستراتيجية تحوطية
ما زالت البنوك المركزية تشتري احتياطات ذهب وقد شهدت الفترة المنصرمة زيادة ملحوظة في الطلب على الذهب من قبل العديد من البنوك المركزية حول العالم لان البنوك المركزية تواصل شراء الذهب كجزء من استراتيجياتها لتنويع احتياطياتها وتعزيز استقرارها المالي خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وارتفاع مستويات الديون فعلى سبيل المثال في السنوات الأخيرة قامت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة مثل الصين وروسيا والهند بتكثيف شراء الذهب كوسيلة لتحصين اقتصاداتها ضد المخاطر التضخمية والاقتصادية كما أن زيادة المخاوف بشأن السياسة النقدية في بعض الدول الكبرى مثل التيسير الكمي وارتفاع مستويات الديون قد جعلت الذهب من الأصول المفضلة للتحوط ضد هذه المخاطر وإضافة إلى ذلك يعتبر الذهب ملاذًا آمنًا ضد التقلبات في أسواق العملات وارتفاع معدلات التضخم مما يزيد من جذبه كاحتياطي من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.
بيع الذهب لشراء البيتكوين: المخاطرة الكبرى في السياسة النقدية الأمريكية
تسبب الاقتراح الذي تقدمت به سينثيا لوميس، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية وايومنغ، في إثارة جدل واسع عندما اقترحت أن تقوم الولايات المتحدة بتحويل جزء من احتياطياتها الضخمة من الذهب إلى عملة البيتكوين حيث تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 8000 طن من الذهب في خزائنها، وهو ما يجعلها صاحبة أكبر احتياطي ذهب في العالم وقدمت مشروع قانون يشير إلى الاستحواذ على مليون بيتكوين أي ما يعادل 5% من إجمالي المعروض من هذه العملة عالميا بهدف الاحتفاظ بها على مدى عشرين عامًا إلا أنني أرى أن تحويل جزء من احتياطي الذهب إلى البيتكوين سيكون "أسوأ خطأ نقدي" يمكن أن ترتكبه الولايات المتحدة - فالبيتكوين، على الرغم من شعبيتها كعملة رقمية، لا تصلح لتكون احتياطيًا مستدامًا مثل الذهب - ما يجعل الذهب احتياطيًا قويًا هو أنه قابل للبيع بسهولة في الأسواق العالمية لدعم العملة الوطنية في حالات الطوارئ. أما البيتكوين، إذا حاولت الحكومة الأمريكية بيع كمية كبيرة منه، فإن السوق سيعاني من انهيار كبير، حيث لا يوجد دعم كافٍ من السيولة لهذا النوع من الأصول الرقمية.
التوقعات المستقبلية لأسعار الذهب: صعود مستمر وتحول في ديناميكيات السوق
على الرغم من الأداء القوي الذي حققه الذهب في السنوات الأخيرة، فإن أسعار المعدن النفيس مرشحة للاستمرار في الارتفاع في المستقبل القريب وتتمثل إحدى الأسباب الرئيسية لذلك في أن حصة المعادن النفيسة في السوق الأميركية لا تزال أقل بكثير من متوسطها التاريخي، مما يعكس إمكانات كبيرة لنمو الطلب على الذهب ومع هذا الاتجاه الصعودي يبدو من غير المرجح أن نشهد أسعارًا أقل من 2000 دولار للأوقية في المستقبل القريب ومن المتوقع أن نتجه نحو مستويات أعلى بكثير ومبدئيا هو تجاوز مستويات 3000 دولار حيث منذ عام 2011 وحتى عام 2024، مر الذهب بفترة طويلة من التماسك، حيث تم تداوله بين 1500 دولار و2000 دولار، وهو ما تلاه ارتفاع هائل من عام 2001 إلى 2011، حيث وصل الذهب إلى ما يقارب 1900 دولار بعد أن كان دون 300 دولار وفي مرحلة ما من المتوقع أن يصل سعر الذهب إلى مستوى مرتفع بما يكفي لتحفيز الطمع في السوق مما يؤدي إلى تحول في ديناميكيات الاهتمام حيث سيبدأ المستثمرون في التركيز على أسهم شركات التعدين، مما يفتح الأفق أمام فرص استثمارية جديدة.
المستويات الفنية الرئيسية التي يجب متابعتها :
- الدعم: 2856 دولار للاونصة ( أدنى مستوى تم تسجيله في الأسبوع الماضي ) .
- المقاومة: 2861 دولار .
- مستويات التصحيح: 2800 دولار - 2750 دولار
وسلامتكم
المحلل المالي والتقني
#عبدالرحمن_الأصفر