تكريم مجموعة شركات أبوعودة إخوان بميدالية اليوبيل الفضي.   |   إطلاق فيديو كليب 《آمان》 للفنان عزيز عبدو على يوتيوب   |   《برعاية الاردني الكويتي منتدى البيت العربي يختتم فعالياته بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية》   |   والد الزميل كايد غنام في ذمة الله   |   《عزم النيابية》 قدوة للعمل البرلماني وفلسفة جديدة قوامها الفعل الميداني 0   |   عبدالله شادي الحوراني فارس العام ٢٠٢٤   |   شكر على تعاز   |   أورنج الأردن تختتم حملة "اشترك واربح مع 5G" بتسليم الجائزة الكبرى للرابحة   |   سامسونج تعلن عن اختيار لاعب كرة القدم الدولي أشرف حكيمي سفيراً لها لأجهزة 《Galaxy》     |   زين ترسل شاحنة مساعدات شتوية للأهل في قطاع غزة   |   أهمية «بوصلة فلسطين» في هزيمة «جنرال التجهيل   |   عمان الأهلية تقيم حملتها التطوعية السّنوية لدعم بنك الملابس الخيري   |   سلاح الحكماء   |   د.الحوراني يتوج الفائزين ببطولة الجامعات الأردنية لكرة السلة .. صور   |   زين تعتمد استراتيجيتها الجديدة 4WARD – التقدم بغاية وتتجه لبناء أكبر "تكتل تكنولوجي" في أسواق الشرق الأوسط   |   اتفاقية لإدارة مشروع جائزة تجارة عمّان للدراسات الاقتصادية   |   الحكومة: لا نقدم وعوداً لن نلتزم بها – صور   |   الحاج توفيق : السماح للشاحنات الأردنية بدخول سوريا على نظام door to door اعتبارا من الغد   |   الأردني الكويتي و ملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردني يطلقان برنامج 《هي ريادية》 لتعزيز قدرات موظفات البنك القيادية   |   رحلة كريم في الأردن: ابتكار مستمر لتسهيل الوصول إلى سبل تنقل يومية سهلة وموثوقة من خلال حلول مصممة لتلبية الاحتياجات المحلية   |  

فلسفة الواقعية السحرية


فلسفة الواقعية السحرية
الكاتب - ابراهيم ابو عواد

فلسفة الواقعية السحرية

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

     إنَّ الواقعية السِّحْرية لَيْسَتْ تَيَّارًا أدبيًّا يَجْمَع بَين الواقعِ والخَيالِ ضِمْن إطار إبداعي فَحَسْب ، بَلْ هِيَ فلسفة إنسانية مُتكاملة تَرْمي إلى اكتشاف العناصر الغامضة في الواقع المُعاش ، والانقلابِ عليه ، وإعادة إنتاجه أفقيًّا وعَمُوديًّا ، مِن أجل تَحويلِ العناصر الرُّوتينية إلى رُموز عجائبية ، ونَقْلِ الأنساقِ الحياتية مِن الرَّتابة الخاضعة للزمنِ والمكانِ إلى السِّحْرِ السائلِ في التراكيبِ اللغوية العابرةِ للتَّجنيسِ والحُدودِ. وبالتالي، تَصِير الأبجديةُ زمنًا مُتَدَفِّقًا ومَكانًا غامضًا ، يَلِد نَفْسَه بِنَفْسِه، ويتكاثر في آلِيَّاتِ الفِعْلِ الإبداعي ، وأدواتِ التَّعبير الفَنِّي ، فتنتقل الاستعاراتُ البصرية مِن المَلَلِ المَحصورِ في النظام الواقعي المادي الاستهلاكي إلى الدَّهشةِ الباعثةِ للأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المَنسيَّةِ والرَّغَبَاتِ المَقموعة ، فَيُصبح الواقعُ الساكنُ وقائعَ عجائبية مُتحركة شكلًا ومَضمونًا ، ويُصبح الإنسانُ تاريخًا لانبعاثِ الحَيَوَاتِ السِّرِّيةِ مِن أعماقه السحيقة ، ونُقْطَةَ الارتكازِ في عملية الاندماج بين الماضي والحاضرِ والمُستقبَلِ . وإذا صَارَ الإنسانُ تاريخًا مُتَوَاصِلًا بلا قطيعة معرفية ، فإنَّ الوَعْيَ الإنساني سَينتقل مِن التَّكرار القاتلِ لِعُذوبةِ الرُّوحِ وتَدَفُّقِ الشُّعُورِ إلى التَّوليدِ الرُّوحي المُستمر للأحداثِ والوقائعِ . وإذا صارَ الواقعُ سِحْرًا دائمًا بلا انكسار شُعُوري ، فإنَّ بُنية الحضارة ستنتقل مِن كَينونةِ الزَّمَنِ المُستعارِ إلى كِيَانِ الحُلْمِ المُستعادِ .

     إذا كانَ الإنسانُ هُوَ الساحرَ الذي يُنَقِّب عَن وجهه بَيْن الأقنعةِ ، ويَبحَث عَن الأحلامِ الوَرديةِ في الواقعِ الجريحِ ، فإنَّ الواقعية السِّحرية هي انقلابُ السِّحْرِ على الساحر ، وهذا الانقلابُ لا يَكُون دمويًّا ولا مُتَوَحِّشًا ، لأنَّ الهدفَ مِنْه هُوَ إحلالُ الحِبْرِ مَكانَ الدَّمِ ، وتَتويجُ القَلَمِ سَيْفًا على الأوهامِ لا سَيْفًا على الرِّقَابِ ، وقَتْلُ الوَحْشِ داخل الإنسان ، ولَيْسَ قتل الإنسان . وبالتالي ، يُصبح العملُ الأدبي عمليةَ حَفْرٍ في الأحلامِ الورديةِ والحُلُولِ السِّحْريةِ في رُوحِ الزمنِ وجَسَدِ المكانِ ، ولَيْسَ حاجزًا عسكريًّا بَين الحُلْمِ والكابوسِ ، أوْ نُقْطَة تَفتيش عسكرية في مَسَارِ الفِعْلِ الاجتماعي المُنْدَمِج معَ التجربة الإبداعية الإنسانية . لذلك ، كانت الثقافةُ الحقيقيةُ هِيَ زَمَنَ الخَلاصِ لا زَمَنَ الرَّصَاصِ .

     في أحيان كثيرة ، يَكُون الواقعُ المُعاشُ أكثرَ غُموضًا مِن السِّحْرِ، وأكثرَ عجائبيةً مِن الخَيَالِ ، وهذا يدلُّ على أنَّ الحياةَ اليومية كَنْزٌ مِن الأسرار ، يَحتاج إلى بَحْثٍ دائم ، وتَنقيبٍ مُستمِر . واللغةُ هي أداةُ الحَفْرِ في جَوْهَرِ الواقعِ ، وحقيقةِ الحياةِ ، وصُلْبِ المَوضوع . وبِدُون اللغةِ سَيَكُون الإنسانُ شَبَحًا هُلامِيًّا بلا خريطة ولا بُوصلة ، يُشبِه الذاهبَ إلى المَعركةِ بِلا سِلاح . واللغةُ هي مِحْوَرُ التوازن بين السِّحْرِ والساحرِ . وكُلُّ لُغَةٍ تُولَد خارجَ رَحِمِ الدَّهْشَةِ والإبهارِ هِيَ تراكيب مِيكانيكية بِلا رُوح ، وكُلُّ وَاقِعٍ يُولَد خارجَ نِطاق الفِعْل الاجتماعي الإبداعي هُوَ دَوَرَان في حَلْقَةٍ مُفْرَغَة. وإذا اجتمعَ الواقعُ واللغةُ في بُنيةِ الوَعْي المَنطقي المُتَسَلْسِل ، صارَ الأدبُ جَسَدًا للخَيَالِ في هُوِيَّةِ المُجتمع ، وصارت الثقافةُ تَجسيدًا للمَعرفةِ الإنسانية في رِحلة البحث عن المَعنى .

     إنَّ السِّحْرَ اللغوي لَيْسَ حُقْنَةً مُخَدِّرَةً في جَسَدِ الواقع ، وإنَّما هُوَ إعادةُ إنتاج مَعرفي للتاريخِ والجُغرافيا والذكرياتِ ، بِحَيث تُصبح نَقْدًا عقلانيًّا لتفاصيلِ المُجتمع الحَيِّ والحُرِّ ، وكَشْفًا للصِّرَاعَاتِ المُستترة في أعماقِ النَّفْسِ الإنسانية. والسِّحْرُ اللغوي هُوَ القُوَّةُ الدافعة للتَّعبير الفَنِّي في الأدبِ والثقافةِ، الذي يَعمل على عَقْلَنَةِ الأُسطورةِ وأنْسَنَتِهَا ( جَعْلِها عَقلانيةً وإنسانية ) مِن أجل نَقْلِ الزمنِ مِن طَبيعةِ الواقعِ إلى رمزية الوُجودِ ، ونَقْلِ المَكانِ مِن زاوية الرُّؤيةِ إلى رُؤيةِ الحُلْمِ .

     والتَّعبيرُ الفَنِّي في الأدبِ والثقافةِ يُمَثِّل صِياغةً جَديدةً لإرادةِ المَعرفةِ ، بِحَيث تُصبح طريقةً لتحليل الدَّورِ الوظيفي للإنسانِ في الحياة ، وتَرتيبِ تفاصيل الحياة ضِمْن نظام تَرَاتُبي مِن التجارب الشُّعوريةِ والأدبيةِ ، يَسْتَنْبِط العناصرَ الخياليةَ المُتشظية مِن الواقع المادي المُنكمِش على نَفْسِه بِفِعْلِ ضَغط النظامِ الاستهلاكي . وبالتالي ، تُصبح الواقعيةُ السِّحرية عملية إحلال لتجربةِ الكِتابة الرُّوحية الإبداعية مَكَانَ النَّسَقِ الماديِّ الوظيفي الذي يَسْحَق رُوحَ الإنسانِ ، ويُعيد هَندسةَ مَشاعرِه وأحاسيسِه بشكل مِيكانيكي آلِيٍّ ، بِحَيث يُصبح الإنسانُ سِلْعَةً ضِمْن قانونِ العَرْضِ والطلبِ ، وشَيْئًا مِن الأشياءِ المَسحوقةِ بِلا هُوية مَعرفية .

     وأهميةُ الواقعيةِ السِّحْرية تَكْمُن في أمْرَيْن: تَفجير الطاقةِ الرمزية في اللغة،وتَجديد شَبابِ اللغةِ. وهاتان العَمليتان تَحْدُثان بشكل تَزَامُني ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى احتراقِ المُبْدِعِ ذاتيًّا كَي يُضِيءَ العناصرَ المُحيطة به . وعمليةُ الاحتراق الذاتي تَشْمَل الأحلامَ والذكريات، وتُولِّد طاقةً معرفية قادرة على جمع شظايا قلب المُبْدِعِ. وهكذا، ينبعث المُبْدِعُ مِن احتراقِه، ويُولَد مِن مَوْتِه . وفي هذه الرحلة، ينبغي أن يَجِد المُبْدِعُ نَفْسَه خارج نطاق الأقنعة ، وخارج نُفُوذ المرايا ، لأنَّ التَّقَمُّصَ والتقليدَ يَقتلان رُوحَ الإبداعِ ، ويُحوِّلان النَّصَّ إلى نُسخة مُقَلَّدَة ومُزَوَّرَة ، وقيمةُ المُبْدِعِ تَتَجَلَّى في صَوْتِه الخاص المُتَفَرِّد . وإذا تَحَوَّلَ إلى صَدى سَيَفْقِد سُلطته الاعتبارية ، ويَفْقِد النَّصُّ مَركزيته الأدبيةَ .

     والواقعيةُ السِّحْريةُ لَيْسَتْ عمليةَ رَش للسُّكَّرِ على مَوْتِ الواقع ، وإنَّما هي منظومة لِجَعْلِ الأحلامِ مَرئيةً في مَرايا الحياةِ اليوميةِ ، وخرائطِ النَّفْسِ الإنسانية ، مِن أجْلِ تَحريرِ التجاربِ الإبداعية مِن سَوداويةِ الواقعِ ، وتحقيقِ التوازنِ بَين الألَمِ والأمَلِ .