السفير الفرنسي يحاضر في منتدى الفكر العربي حول تجديد الممارسات السياسية
بيرتولوتي: انتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية أعاد رسم المشهد السياسي الفرنسي بشكل عميق
بيرتولوتي: الاتصال بالناخبين والحوار ساهما بفعالية في دراسة الأوضاع ومعالجة مخاوف الناس
د. أبوحمور: التجربة الأردنية في الإصلاح والديمقراطية تميزت بمشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني في الحوار الوطني
د. أبوحمور: التحديات العالمية في العقود الأخيرة دعت دولاً كثيرة لإعادة النظر بالممارسات السياسية
عمّان- استضاف منتدى الفكر العربي في لقائه مساء الأحد 11/3/2018 سعادة السفير الفرنسي في الأردن السيد دافيد بيرتولوتي، الذي ألقى محاضرة تناول فيها تجديد الممارسات السياسية في فرنسا، ومعالم إعادة رسم المشهد السياسي الفرنسي بعد انتخاب السيد إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية، مشيراً إلى مسألة التجديد لدى الأحزاب الفرنسية، وموضحاً أن هذه القضية تحظى بالاهتمام سواء في أوروبا أو خارجها. وفي هذا السياق سلط السيد بيرتولوتي الضوء على سياق انتخاب الرئيس ماكرون والتدابير التي اتخذتها حكومته لاستعادة ثقة المواطنين الفرنسيين بممثليهم.
أدار اللقاء الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور الذي قال في كلمته: إن موضوع المحاضرة يكتسب أهميته من مكانة فرنسا كدولة كبرى ولها دور أساسي في السياسة والمجتمع الدولي، مشيراً إلى أن تجربة الإصلاح الفرنسية وانعكاساتها في ضوء ذلك على سياسة فرنسا الخارجية تهمنا جميعاً، بما في ذلك العالم العربي الذي تجمعه بفرنسا الكثير من الرؤى المشتركة في مجالات السياسة والاقتصاد والتبادل الثقافي. وقال: إن العالم مرَّ خلال العقود الأخيرة بتغيرات وتحديات جعلت الكثير من الدول تُعيد النظر في ممارساتها السياسية، ومنها الأردن الذي بادر قائده جلالة الملك عبدالله الثاني بالمشاركة بنفسه في الحوار الوطني وقدم سبع أوراق نقاشية إصلاحية حول مستقبل الأردن الجديد. كما أشار د. أبوحمور إلى متانة العلاقات الأردنية الفرنسية وتقارب وجهات النظر بين البلدين إزاء قضايا المنطقة وتداعياتها، مشيداً بالدور الاستثماري الفرنسي في الأردن وحضور الشركات الفرنسية في قطاعات الاتصالات والبنى التحتية والمياه والطاقة المتجددة والنقل وغيرها، وبرنامج الوكالة الفرنسية للتنمية 2016-2018 في تقديم 900 مليون يورو للأردن كقروض ودعم للقطاعين الحكومي والخاص، فضلاً عن مليار يورو قُدمت قبل بداية هذا البرنامج، والتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والتعاون العسكري وتعزيز مكافحة الإرهاب.
وفي محاضرته أشار السفير دافيد بيرتولوتي إلى أن حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017 أثارت اهتمامًا غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، حيث تم إقصاء مرشحين رئيسيين من الأحزاب اليمينية واليسارية من السباق وفاز الوافد الجديد في السياسة بدون حزب مؤسس في الانتخابات ضد مرشح أقصى اليمين. وقال: إن انتخاب السيد إيمانويل ماكرون رئيسًا للجمهورية قد أعاد رسم المشهد السياسي الفرنسي بشكل عميق. كما ركز على ما تبلور في النقاش السياسي الفرنسي خلال الانتخابات الرئاسية، وكيف تحاول السلطات الفرنسية الجديدة استعادة ثقة المواطنين الفرنسيين في ممثليهم وقادتهم.
وسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة للقضية المركزية التي تشكل منطلقات النقاش السياسي في فرنسا، مشيراً إلى أن الحياة السياسية الفرنسية تُقسم إلى ثلاث فترات: الأولى تبدأ في عام 1871 مع ظهور الجمهورية الثالثة بعد سقوط الإمبراطور نابليون الثالث والهزيمة الفرنسية في الحرب الفرنسية البروسية. وخلال هذه الفترة كانت المشكلة تتمثل في أنه لم تكن هناك أحزاب سياسية قوية، بل ائتلافات بين السياسيين والفصائل على تتوزع بين الملكيين، والجمهوريين، وإلى حد ما من هم أقرب إلى الاشتراكيين الذين ناضلوا من أجل تحقيق السيطرة والمطالبة بالنظام المنشود.
وتبدأ الفترة الثانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى حتى عام 1980، حيث تغيرت السمة السياسية الرئيسية بشكل تدريجي من طبيعة النظام إلى القضية الاجتماعية والاقتصادية. فيما الفترة السياسية الثالثة تبدأ من الثمانينيات حتى اليوم. وعلى الرغم من أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية لا تزال مهمة، فقد أصبحت مسألة الهوية الوطنية والعلاقة بالعولمة هما من المعالم الرئيسية لهذه الفترة، ليس فقط بين الأطراف السياسية بل داخل الأحزاب نفسها؛ إذ طُرحت الأسئلة المتعلقة بالهجرة والحدود والسيادة على السطح في هذه الحملة الرئاسية الأخيرة، وكذلك مسألة أوروبا التي كانت في قلب المناقشات وقضية محورية في عقل الناخبين. وهكذا، يبدو أن السياسة في فرنسا لم تعد معركة صارمة بين الإيديولوجيات اليمينية واليسارية .
وأوضح السيد بيرتولوتي أن هذه الانتخابات تميزت أيضاً بتحقيق إرادة جميع المرشحين لاستعادة الوظيفة الرئاسية للجمهورية الخامسة. في الواقع ، حيث حاول جميع المرشحين تقريباً في مرحلة ما من حملتهم أن يكونوا ورثة للجنرال ديغول متخذينه كمرجع. ويمكن تفسير ذلك بحقيقة أن الفترتين الرئاسيتين الأخيرتين للسيد ساركوزي والسيد هولاند خضعتا للجدل بسبب قضايا دار حولها لغط. وقد أصر السيد ماكرون خلال حملته على رغبته في استعادة الوظيفة الرئاسية. وعلى الرغم من رغبته في تجسيد التجديد الفرنسي، فقد أخذ مثل غيره الجنرال ديغول كنموذج ، كما استخدم ذلك للدفع بشعار "لا يمين ولا يسار". ولكن إذا كان هناك الكثير من الإشارات إلى الجنرال ديغول.
وأشار في هذا الصدد إلى أن جزءاً كبيراً من صعود السيد ماكرون يمكن إرجاعه إلى تنافس الطرفين الفرنسيين الراسخين، الأحزاب التقليدية والحزب الاشتراكي، وأن جزءاً آخر يرتبط بشكل مباشر بالطريقة التي قاد بها حملته. والعديد من الناخبين الفرنسيين يعتبرون المؤسسة السياسية غير فعالة ومنفصلة عن الحياة اليومية وغير قادرة على إصلاح نفسها. هذا الرفض الشامل للسياسات التقليدية خلق بيئة مواتية لترشيح السيد ماكرون. وفي هذا السياق، شعر أن هناك مساحة لخيار بديل داعياً إلى طريقة مختلفة من ممارسة السياسة، حيث أطلق حركته الخاصة التي استوحاها من حملة باراك أوباما لعام 2008. وكان أول مشروع رئيسي له هو (غراند مارش)، الذي تضمن ليس فقط إرسال متطوعين لتوزيع النشرات الانتخابية، بل أيضاً لإجراء حوالي 25 ألف مقابلة متعمقة مع الناخبين في جميع أنحاء البلاد. وتم إدخال حصيلة المعلومات في قاعدة بيانات كبيرة ساعدت في تصميم أولويات وسياسات الحملة.
سمح هذا المشروع للسيد ماكرون وفريقه بقياس درجة حرارة البلاد، ووضع برنامج يعالج مخاوف الناس. كما عزز ذلك وفي وقت مبكر صورة ماكرون كسياسي حديث. تحولت حركته إلى حزب خاض الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي حيث فاز بـ 350 مقعدًا من أصل 577 مقعدًا برلمانيًا ، مما منح الرئيس أغلبية كبيرة.
وختم السفير بيرتولوتي محاضرته بالإشارة إلى أن الرئيس ماكرون وحكومته يعملون على إعادة بناء الثقة بالممثلين السياسيين والديمقراطية. وقد اغتنم الرئيس المنتخب فرصة الانتخابات التشريعية في يونيو 2017 لتجديد القيادة الفرنسية وتم وضع قواعد صارمة للغاية لاختيار المرشحين من أجل أن تكون الجمعية الوطنية أكثر تمثيلاً للمجتمع الفرنسي.