نقطع اليد التي تمتد الى أمننا .. محمد حسن التل ..   |   النائب السابق ميادة شريم : أحداث الرابية تصرفات غير مسؤولة لا تعكس أخلاق شعبنا   |   《شركتا》 نتورك إنترناشيونال الأردن و《Gate To Pay》 توقعان مذكرة تفاهم لتسريع النمو المالي الرقمي في المملكة   |   سامسونج تسطّر نجاحاً جديداً بحصدها عدة جوائز في حفل 《Clio Sports》   |   《زين》 تطلق مبادرةThe Masters لتمكين ذوي الإعاقة    |   كتلة الأحزاب الوسطية النيابية تدين الاعتداء الغاشم على رجال الامن العام   |   قرارات الحكومة وعين الأردنيين..   |   120 شابًا يشاركون في تدريب متخصص للوقاية من العنف ضد النساء والفتيات   |   زين تنظّم بطولتها للبادل بمشاركة 56 لاعباً ضمن 28 فريق   |   نشاط تطوعي لنادي الأرينا وقسم البصريات بجامعة عمان الأهلية في روضة ومدارس اللاتين – الفحيص   |   شراكة بين مجموعة عليان والمناصير للزيوت والمحروقات لتشغيل شواحن متطورة في محطات المناصير   |   الصفدي: يحق لنا التباهي بحكمنا الهاشمي ونفخر بدفاع الملك عن غزة    |   آل 《جبر》 يقيمون قداس راحة النفس وبيت عزاء ابنهم المرحوم 《رائد》 في عمان    |   إلى المديرة إيمان ابو سفاقة مديرة مدرسة النهضة الأساسية المختلطة...   |   المعركة وعوامل النصر والهزيمة ...   |   البنك الأردني الكويتي يهنئ مصرف بغداد لحصوله على جائزة أفضل مصرف تجاري بالعراق   |   برنامج Jordan Source ينهي مشاركته في فعاليات منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024 بنجاح   |   المهرجان الثقافي الدولي للفن التشكيلي المعاصر في الجزائر   |   سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر ... ولكن!   |   أمام دولة الرئيس : للدفاع عن سيادة القانون   |  

80 مليون دينار خسائر الخزينة سنويا لخلل وتلاعب بـ "دعم الخبز"


80 مليون دينار خسائر الخزينة سنويا لخلل وتلاعب بـ "دعم الخبز"

المركب -

ذكر تقرير إخباري أن مُلاك المطاحن والمخابز وناقلو الطحين "ثلاثي دعم الخبز" يحققون أرباحا طائلة سنويا من خلال استغلال الدعم الحكومي لمادة الخبز، "الذي تعتري آليات تقديمه ورقابتها الكثير من الشوائب التي تسمح بالتلاعب وتحقيق أرباح غير مشروعة".

ويشير التقرير الذي أعده الزميل عمر محارمة في يومية الدستور، إلى أن عشرات الملايين ذهبت هدرا إلى جيوب "الثلاثي" المذكور، وعلى مدى سنوات طويلة إبتدع هذا الثلاثي وسائل عدة للتحايل على الدعم وتحقيق الأرباح غير المشروعة من خلال "الطحن الوهمي" واستخدام الطحين المدعوم في إنتاج أنواع مختلفة غير مدعومة من الخبز والحلويات والمعجنات، أو بيعه في السوق السوداء بالسعر الحر.

وأكد أن عملية التلاعب تبدأ بتضخيم حاجة المخابز التي تحددها لجنة من وزارة الصناعة والتجارة، ويتم صرف بطاقة للمخبز بمقدار المخصصات وتسلم هذه البطاقة للمطحنة التي يختارها المخبز لتوريد الطحين من خلال أحد الناقلين المعتمدين لدى الوزارة.

وتالياً نص التقرير كاملاً:
يحقق مُلاك المطاحن والمخابز وناقلو الطحين «ثلاثي دعم الخبز» أرباحا طائلة سنويا من خلال استغلال الدعم الحكومي لمادة الخبز، الذي تعتري آليات تقديمه ورقابتها الكثير من الشوائب التي تسمح بالتلاعب وتحقيق أرباح غير مشروعة.

عشرات الملايين ذهبت هدرا إلى جيوب «الثلاثي» المذكور، وعلى مدى سنوات طويلة إبتدع هذا الثلاثي وسائل عدة للتحايل على الدعم وتحقيق الأرباح غير المشروعة من خلال «الطحن الوهمي» واستخدام الطحين المدعوم في إنتاج أنواع مختلفة غير مدعومة من الخبز والحلويات والمعجنات، أو بيعه في السوق السوداء بالسعر الحر.

عملية التلاعب تبدأ بتضخيم حاجة المخابز التي تحددها لجنة من وزارة الصناعة والتجارة، ويتم صرف بطاقة للمخبز بمقدار المخصصات وتسلم هذه البطاقة للمطحنة التي يختارها المخبز لتوريد الطحين من خلال أحد الناقلين المعتمدين لدى الوزارة.

في العام 1976 أنشئت وزارة التموين وبدئ العمل بمفهوم التزام الدولة بدعم السلع الأساسية ومن بينها الخبز، الذي حدد سعره في ذلك الحين بـ 5 قروش ارتفع إلى 7.5 قرش للكيلو في الثمانينيات، قبل أن يصل إلى 14 قرشاً في أوائل التسعينيات.

وبعد ارتفاع أسعار القمح عالميا منتصف التسعينيات، اتخذت حكومة الدكتور عبدالكريم الكباريتي في الـ 13 من آب العام 1996 قرارها بإلغاء دعم الخبز، لتلبية متطلبات برنامج التكيف الاقتصادي، حيث تضاعف سعر الخبز تقريباً، ليصل إلى 25 قرشاً للكيلوغرام الواحد وقدمت الحكومة مقابل ذلك دعما نقديا بلغ 1.28 دينار للشخص الواحد في الشهر.

ورغم اندلاع انتفاضة الخبز، التي جاءت احتجاجا على ذلك القرار وشاركت فيها مختلف مناطق المملكة، إلا أن الناس بدأت بالتكيف مع هذا الوضع، خصوصا بعد انخفاض أسعار القمح في الأسواق العالمية، وتراجع أسعار الخبز محليا.

إلا أن حكومة الدكتور عبد السلام المجالي الثانية، قامت بإعادة الدعم، عام 1998 دون أن يعلم أحد حتى الآن لماذا أعيد العمل بنظام الدعم، حيث حدد سعر الخبز عند 16 قرشاً للكيلو منذ ذلك الحين وحتى الآن.

تشير التقديرات إلى أن سكان المملكة يستهلكون 2400 طن خبز يوميا، أي ما يقارب 9 ملايين رغيف، وهو ما يعادل في المتوسط 90 كيلوغراما تقريبا من الخبز للشخص الواحد سنويا.

آلية الدعم شهدت تغييرات في السنوات الماضية، تمثلت بتحويل الدعم من الطحين إلى الخبز عام 2007، حيث كان يتم تسليم الطحين المدعوم للمخابز التي تبيع الخبز وكافة المنتجات المعتمدة على القمح للمستهلكين بأسعار تحددها وزارة التجارة والصناعة والتموين.

وانطبق الدعم على جميع أنواع نخالة القمح والطحين التي كانت تستخدم لصنع الخبز، وكذلك على منتجات المخابز الأخرى بشكل سمح بتوزيع فوائد الدعم بشكل غير متساو، حيث استفادت المخابز الكبرى والزبائن الأثرياء من الطحين المدعوم عند إنتاج أو شراء الحلويات والكعك وغيرها من السلع الكمالية.

بعد الارتفاع الكبير في أسعار القمح العالمية ما بين 2007-2008، أوقفت الحكومة دعم جميع أنواع الطحين، وقامت بتغيير النظام بحيث يتم دعم الطحين المعروف باسم الموّحد المستخلص من القمح بنسبة 78% والمخصص لإنتاج الخبز تحديدا (رغيف صغير أو كبير) وخبز الحمام. 

أما الكعك والبسكويت والحلويات والأصناف الأخرى من الخبز، والتي تصنع من الدقيق عالي الجودة المعروف باسم زيرو، فلم تعد مشمولة بالدعم وباتت تباع بأسعار حُرة غير مدعومة.

تقوم وزارة التجارة بشراء القمح من الأسواق العالمية، وتبيعه للمطاحن بأسعار السوق، وتقوم المطاحن بتحويل القمح إلى أنواع مختلفة من الطحين، ثم يتم بيع الطحين الموحد بأسعار تضعها الحكومة للمخابز، وتقوم وزارة التجارة بالتسديد للمطاحن فارق السعر عن كل كيلوغرام تم تسليمه للمخابز، ويتغير سعر الطحين المدعوم الذي يُباع للمخابز وفقاً لمعادلة تسعير شهرية. 

للاستفادة من فارق الدعم الذي تقدمه الحكومة للطحين «الموحد» تقوم بعض المطاحن بتقديم وصولات وهمية عن عملية تحويل القمح الى الطحين المدعوم، فيما هي في الحقيقة تقوم بتحويله إلى طحين «زيرو» غير المدعوم وتبيعه في السوق بالأسعار الحرة وتتعاون مع ناقلين وملاك مخابز لتقديم وصولات بتسلم الطحين الموحد لتصبح الحقيقة على النحو التالي : قمح يحول لطحين «زيرو» ويباع بالاسعار الحرة ويتم تقديم وصولات بأنه تم تحويله لطحين موحد وانه تم تسليمه للمخابز لتعود المطاحن على وزارة الصناعة والتجارة لتحصيل فارق الدعم الذي تقتسمه مع الناقلين وملاك المخابز بنسب متفاوتة.

هذا أحد أوجه التلاعب بالدعم الأكثر تحقيقا للارباح غير المشروعة، غير أن القصة لا تنتهي هنا، فالكميات التي تحول الى طحين «موحد» فعليا يتم التلاعب بها لاحقا بطريقتين: الاولى بيع اجزاء منه الى معامل ومطاعم انتاج الحلويات والمعجنات والثانية استخدام كميات من هذا الطحين في انتاج اصناف غير مدعومة من الكعك والحلويات داخل المخبز نفسه.

فيما تذهب كميات الخبز المنتجة من الطحين المدعوم بثلاثة اتجاهات تتمثل بالمواطن المستحق للدعم وللسكان من غير المواطنين الذين لا يجوز تلقيهم دعما من الحكومة والبالغ نسبتهم نحو 30% من السكان، فيما تذهب كمية تقدر بنحو 10% من الخبز الى الحاويات نتيجة الهدر وسوء تقدير الحاجة الفعلية.

إذا ما اضفنا النسب اعلاه الى تقديرات الاتجار غير المشروع بالطحين والمقدرة بنحو 20% من كميات الطحين المدعوم، فاننا نكتشف أن 60% من قيمة الدعم الحكومي لمادة الطحين التي تتراوح ما بين 140-200 مليون دينار سنويا، تذهب إما هدرا في الحاويات أو أرباحا مباشرة إلى جيوب «ثلاثي الطحين» أو الى غير مستحقيه من سكان المملكة.

دراسة أعدتها وزارة الصناعة والتجارة عام 2014 لتسويق خطة كانت معدة لتغيير آلية دعم الخبز آنذاك وتم التراجع عنها في اللحظات الأخيرة أثبتت أن هناك عمليات تلاعب واسعة بالدعم الحكومي، غير أن كل حكومة تحاول ترحيل التصدي لهذا الملف إلى الحكومات اللاحقة بحجة التخوف من ردة الفعل الشعبية.

قيمة الدعم الحكومي لمادة الطحين وفق أرقام الموازنة للعام الحالي بلغت 147 مليون دينار، وبالنظر الى النسب أعلاه، فان نحو 88 مليون دينار تذهب هدرا وتلاعبا ولغير مستحقيه، وبالنظر الى أن آلية دعم الطحين الحالية معمول بها منذ العام 2007، فان متوسط خسارة الموازنة من هذا الهدر تفوق 1.2 مليار دولار في عشر سنوات. 

ضعف الآليات التي تتبعها وزارة الصناعة والتجارة في الرقابة والتفتيش أحد أهم عناصر السماح بالتلاعب، وهو أمر يعود لعدة اسباب أحدها نقص الكوادر في مديريات الصناعة والتجارة في المحافظات.

السكان والحاجة الفعلية...مقارنة تظهر مبالغة في كميات الطحين المصروفة
وبالعودة إلى كشوفات وزارة الصناعة والتجارة لكميات الطحين الموردة إلى المحافظات ومقارنة حجم إنتاج الخبز منها مع الحاجة اليومية للمواطن، يظهر وجود مبالغة كبيرة في تلك الكميات، إذ تشير دراسة لنقابة أصحاب المخابز إلى أن طن الطحين الواحد ينتج عنه 1.28 طن خبز فيما يبلغ عدد أرغفة الخبز لكل كيلوغرام 12 رغيف خبز صغيرا.

عملية حسابية بسيطة تبين أن طن الطحين ينتج 15360 رغيف خبز صغيرا الذي تنتجه كافة المخابز الآلية، إلى جانب النوع الثاني من الخبز المدعوم وهو الرغيف الكبير حيث يباع الأول بسعر 24 قرشا للكيلو فيما يباع الثاني بسعر 16 قرشا للكيلو، وإذا كانت الدراسات تقرّ أن حاجة الفرد اليومية تبلغ ثلاثة أرغفة في المتوسط بين الصغار والكبار، فإن الطن الواحد يكفي حاجة نحو 5120 مواطنا، وبالرجوع إلى الكميات المخصصة لمخابز بعض المحافظات ومقارنتها بعدد سكان تلك المحافظة حسب إحصاء السكان الأخير 2015، نكتشف وجود مبالغة كبيرة في كميات الطحين الموردة للمخابز.
حيث تبين مقارنة عدد السكان بالكميات المصروفة والحاجة الفعلية إلى وجود زيادة تبلغ نحو 55 ألف طن طحين سنويا تبلغ قيمتها السوقية ما يقرب 20 مليون دينار.

هذه الزيادة التي تبلغ نحو 150 طنا يوميا تذهب إلى السوق السوداء بشكل مباشر وتبلغ قيمتها بحدود 35 ألف دينار يتقاسمها ملاك مخابز ومطاحن وناقلون بصورة يومية، عدا عن الأرباح المتأتية من استخدام كميات الطحين الأخرى في إنتاج أنواع مختلفة من الخبز والكعك والحلويات غير المدعومة والتي تفاقم أرباح مالكي المخابز على حساب الدعم الحكومي المقدم للمواطنين.

ورغم إقرار جميع الأطراف بوجود خلل واستغلال كبير للدعم الحكومي يترتب عليه خسارة خزينة الدولة عشرات الملايين سنويا لا يقدم أحدا تفسيراً واضحاً لاستمرار آلية الدعم الحالية لمادة الخبز غير التذرع بالمخاوف من ردة الفعل الشعبية.
الا أن هذه المخاوف لا تبدو حقيقية إذا ما نظرنا الى نتائج استفتاء أجرته «الدستور» في إطار تحقيق لها عن التلاعب بدعم الخبز نشر في الثامن عشر من كانون أول الماضي.

حيث قال أكثر من 81% من المشاركين بالاستطلاع إنهم واثقون من وجود تلاعب بآلية الدعم الحالية، فيما قال 89% من المشاركين إنهم سيقبلون آلية دعم جديدة ومباشرة إذا وضعت ضمن قانون لمنع إيقافها كما حدث في مرات سابقة، فيما قال 26% من المشاركين إنهم لا يعرفون الفارق بين الخبز المدعوم وغير المدعوم.

نتائج الاستطلاع هذه تثبت أن غياب الشفافية والمكاشفة الحقيقة وراء التخوف من ردة الفعل الشعبية التي تعتبر المساس بأسعار الخبز خطا أحمر، وهذه حقيقة إذا كان الأمر سيرتب أعباء إضافية على المواطنين المنهكين اقتصاديا، لكن الواضح أن الناس ستتقبل فكرة تغيير آلية الدعم وليس إلغاءها إذا كان ذلك لن ينعكس عليهم سلبا وسيعمل على تحقق وفر في الموازنة وسيوقف الهدر المستمر منذ سنوات طويلة.