كلمة معالي د. محمد أبوحمّور الملتقى العالمي لإعادة الاعمار ومستقبل البناء في دول الصراع
مدينة الحسين للشباب
قاعة عمان الكبرى
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي رئيس اللجنة التحضيرية العليا للملتقى العالمي لاعادة الاعمار ومستقبل البناء في دول الصراع
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة
السيدات والسادة
خلال السنوات الماضية شهدنا دمارا هائلا لم تقتصر اثاره على البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة فقط بل امتد ليخطف حياة مئات الالاف من البشر وحرم الملايين من الخدمات الاساسية كالصحة والتعليم ومياه الشرب، ولعل الاخطر هو ان الدمار والخراب وصل الى البنى الاجتماعية والاخلاقية، وحتى الدول المجاورة لدول الصراع طالها جزء من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية.
وقبل يومين صمتت اصوات المدافع في الجنوب السوري وربما كانت فرصة للمواطنين في المحافظات السورية الجنوبية وجيرانهم الاردنيين للتمتع بليل هاديء طال انتظاره، وفي نفس اليوم تقريبا وبعد معاناة طويلة صمتت اصوات المدافع في الموصل، ونأمل ان تكون هذه التطورات الايجابية مقدمة لهدوء شامل في كل دول الصراع .... من العراق الى سوريا مرورا بغزة وليبيا وصولا الى اليمن الذي سيعود سعيدا بإذن الله. واجلا ام عاجلا سيعود اللاجئون والمهجرون الى ديارهم، وسيعلو صوت معاول البناء معلنا ان الجميع عادوا للعيش معا أخوة متحابين بعد ان أدركوا حجم المصائب والكوارث التي عانى منها العباد والبلاد.
تأثر الاردن بشكل كبير جراء الحروب والصراعات التي شهدتها المنطقة واستضاف عددا كبيرا من اللاجئين من مختلف البلدان، وقد أشار بعض مسؤولي الجهات المانحة الى ضرورة قيام القطاع الخاص الاردني بناء تحالفات مع نظرائه من الدول العربية تمهيدا للمساهمة في اعادة الاعمار، ويحظى الاردن بمزايا تؤهله لمشاركة فاعلة بما في ذلك موقعه الجغرافي وكوادره البشرية عالية الكفاءة وخبرته الطويلة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاستشارية في مختلف المجالات.
بعد انتهاء الحروب والصراعات يقوم الساسة بحصر مكاسبهم السياسية ويسعى رجال الاعمال والشركات وحتى الدول الى استغلال اعادة الاعمار باعتباره فرصة للاستثمار الاقتصادي والمكاسب المالية
ونلحظ اليوم تسارع الجهود تسارع الجهود الدولية والاقليمية لوضع حد للحروب والنزاعات في الدول الشقيقة، وبموازاة ذلك لا بد لنا من التفكير بجهد مواز يتيح لمواطني منطقتنا التشبث بالأمل في مرحلة ما بعد الصراع وان لا يتركوا دون مدد او عون. لذلك لا بد ومنذ الان التفكير في المرحلة القادمة وما هي السبل الكفيلة لإعادة بناء الاوطان والمؤسسات.
من المفهوم ان البدء بإعادة الاعمار لا بد له من توفر مقومات اساسية أهمها توقف الحرب واستتباب الامن، والتوصل الى تفاهمات سياسية ومصالحات مجتمعية وذلك تمهيدا للاتفاق على الاولويات ومصادر التمويل وسبل مواجهة التحديات المستقبلية. وفي نفس الاطار يمكن القول ايضا ان ترتيب الاولويات يعتبر من أهم خطوات اعادة الاعمار، وبهذا الخصوص لا بد من توفر القناعة الراسخة بان الانسان هو العنصر الاهم لذبك فان توفير الخدمات الاساسية للمواطنين وبناء المساكن والبنى التحتية المدمرة واصلاح المتضررة اهي اولويات لا بد منها،
ولعل الاهم هو تأمين الخدمات الصحية والتعليمية،وكذلك لا بد من اتاحة المجال لعودة النشاطات الاقتصادية المختلفة الصناعية والزراعية والخدمية فهذه روافع اساسية لتحسين حياة المواطنين ودمجهم في اعادة الاعمار.
وبالرغم من ان الكل يتفق على ان الخطوة الاولى للبدء في اعادة الاعمار هي توقف الحرب والتوصل الى حلول سياسية تحافظ على الوحدة الوطنية للدول، الا انه ولكي نكون قادرين على البدء بأسرع وقت ممكن لا بد من العمل على وضع الخطط والتصورات الدقيقة لإعادة الاعمار وذلك من خلال الحوارات الجادة والبناءة بين كل المكونات الوطنية والصديقة الداعمة.
وبالتحديد لا بد من التفكير بمتطلبات التمويل اللازمة سواء من حيث حجم المبالغ المطلوبة ومصادر التمويل وكذلك تحديد المشاريع ذات الاولوية وكيفية ادارتها مع التركيز على ضرورة قيام السلطات الوطنية بتحديد اولوياتها بوضوح، وهذه السلطات مطالبة ان تقوم باشراك المواطنين في تحديد الاولويات ذات الانعكاس المباشر على حياتهم، مع الاهتمام بتكامل الخطط الوطنية والدولية لاعادة الاعمار.
قامت العديد من الجهات بتقدير كلفة اعادة الاعمار وتباينت التقديرات من جهة الى اخرى، فمثلا قدرت الايسكوا كلفة اعمار البنى التحتية في الدول التي شهدت الصراعات والحروب بحوالي تريليون دولار، ونق عن أحد مسؤولي الاتحاد الاوروبي ان اعمار سوريا لوحدها يتطلب 900 مليار دولار، وبغض النظر عن هذه التقديرات فالحديث يتعلق بمئات المليارات لكل دولة. ويعتبر التمويل عنصرا حاسما في عملية اعادة الاعمار ومصادره متعدده منها ما هو داخلي واخر خارجي، ولكل مصدر ايجابياته وسلبياته والادارة الناجحة والكفؤة هي التي تستطيع ان تكون مزيجا يحقق أفضل النتائج.
من المؤكد ان اعادة الاعمار ترتب مسؤليات على الدول ذات العلاقة وعلى الجهات المانحة في ان معا،فهناك عدة جوانب لا بد من مراعاتها للتأكد من سير عملية اعادة الاعمار بسلاسة ، ومن أهمها تحديد الجهات ذات العلاقة ودور ومسؤلية كل منها ضمن خطة او برنامج اعادة الاعمار المعتمد،والتأكد من توفر ادارة قادرة على السير قدما وعلى التوفيق بين الاهداف المتوخاة ومصادر التمويل المتوفرة.ويمكن تلخيص ذلك بافتراض ضرورة توفر الارادة السياسية والمجتمعية لاعادة الاعمار ،وتعزيز الارادة بادارة كفوءة وفاعلة وتوافر موارد مالية وبشرية كافية ومؤهلةاعادة الاعمار مسؤلية مشتركة لا بد ان تساهم بها كافة قطاعات المجتمع ،وبالرغم من الدور الريادي للحكومات في هذا المجال الا ان القطاع الخاص يمكنه ايضا القيام بدور هام في اعادة البناء وتعزيز التنمية،كما ان منظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الربحية لا ان تشارك في هذه العملية حتى وان كان ذلك من خلال الرقابة والتاكد من حسن استخدام الاموال في الغايات المخصصة لها،ولعل اهم ما في المشاركة المجتمعية هو اعادة اللحمة الى النسيج الاجتماعي وجسر الفجوات بين ابناء المجتمع الواحد وفتح سبل التواصل بين مختلف الفئات مما يمهد للاصلاح المجتمعي الذي لا بد منه للتغلب على الاثار طويلة المدى للصراعات.
تتطلب عمليات اعادة الاعمار استثمارات ضخمة ومن المستبعد ان تستطيع الدول لوحدها تحمل هذا العبء، لذلك لا بد من اتاحة المجال امام القطاع الخاص للقيام بدوره في هذا المجال، بما في ذلك المساهمة في اعادة بناء مشاريع البنية التحتية، وهذا يستدعي بالطبع توفر البيئة التشريعية والاستثمارية المساندة لهذا التوجه، ولعل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر خيارا ملائما في حالتنا هذه.
تعتبر مصادر التمويل من أهم ما يجري بحثه لدى الحديث عن اعدة الاعمار ولكي لا نبتعد كثيرا يمكن النظر للبنوك العربية باعتبارها احدى الجهات الفاعلة والقادرة على تمويل اعادة الاعمار،فموجودات القطاع المصرفي العربي تناهز 3.4 تريليون دولار (نهاية عام 2016)،وتبلغ الودائع المجمعة حوالي 2.2 تريليون دولار ،اما حجم الائتمان الذي تم ضخه فقد بلغ نهاية عام 2016 حوالي1.9 تريليون دولار.وبالرغم من توفر الامكانية لدى المصارف لتمويل القطاعات الانتاجية والبنى التحتية الا انها تحتاج الى توفر بيئة تشريعية واستثمارية ملائمة تضمن الحفاظ على اموالها وتمكنها من العمل وفق ما تتطلبه المقتضيات المالية ، ومما يجدر ذكره هنا ان تشتت الاسواق المالية العربية والخلافات السياسية لها اثر واضح على القرارات الاستثمارية للبنوك.
وهناك ايضا بعض الصناديق العربية المخصصة لاعادة الاعمار مثل صندوق اعادة اعمار المناطق المتضررة من العمليات الارهابية والذي أنشأ في العراق عام 2015، وصندوق الائتمان لإعادة اعمار سوريا الذي قامت بانشائه مجموعة اصدقاء الشعب السوري عام 2013، كما ان السلطات الرسمية السورية تقوم بعمليات اعادة اعمار في عدد من المناطق المنكوبة بالرغم من عدم انتهاء الصراعات.
تتطلب عملية اعادة الاعمار توفر تشريعات ملائمة تحفز الاستثمار المحلي وتجذب الاستثمار الخارجي وتشجع أكبر عدد ممكن من رجال الاعمال على المشاركة، ولاستكمال الحلقة لا بد من ايجاد بيئة تنظيمية مستجيبة لتطلعات المواطنين والمستثمرين وذات ديناميكية وكفاءة عالية تتيح لها التأقلم مع المستجدات.
عمليات اعادة الاعمار الناجحة لا بد لها ان تستند الى برنامج وطني وفق مراحل واضحة ومحددة ومؤطرة زمنيا، وفي هذا السياق يتم تحديد مصادر التمويل المتاحة محليا وتلك التي سيتم تأمينها من الخارج والشروط المرتبطة بها، وهنا لا بد من التوضيح كيف واين سيتم إنفاق الاموال، وكذلك تحديد الجهات والمؤسسات المشاركة في اعادة الاعمار ودور كل منها.
العنصر البشري عامل مهم واساسي في اعادة الاعمار والدول التي عانت من الحروب والصراعات فقدت ايضا كثير من الكفاءات المهنية والعلمية سواء كان ذلك بسبب القتل او التهجير، وهذا يترتب عليه بذل عناية خاصة لاستعادة القوى البشرية المهجرة وتأهيل كوادر جديدة للمشاركة في اعادة الاعمار والتنمية.