مختصون يؤكدون اهمية الرعاية اللاحقة لنزلاء مراكز الإصلاح
أكدت وزيرة الثقافة هيفاء النجار أن "الأردن، وبرغم الظروف والتحديات الصعبة، وبرغم ما نعانيه من آلام على ما يجري من إبادة متعمدة ومستمرة في غزة، فهو مشروع أمل وقادر على ان يحقق المنجزات والاستمرار في مسيرة التنمية والتطوير والتحديث".
وقالت النجار في افتتاح مؤتمر عقد مساء امس في القاعة الرئيسة بالمركز الثقافي الملكي بعمان بعنوان "المؤتمر العربي الأول للرعاية اللاحقة بمفهومها الشامل" ان الأردن لا يتخلى عن استحقاقاته ويبقى مصدرا للطاقة الايجابية والسلم المجتمعي، مشيرة الى شراكة الوزارة مع مركز السلم الاجتماعي بمديرية الأمن العام من أجل تحقيق الأمن بمفهومه الشمولي، ومنه الرعاية اللاحقة بعد انتهاء مهمة مراكز الإصلاح والتأهيل من أجل إعادة تعديل سلوكيات النزيل في مرحلة ما بعد الإفراج.
وفي الجلسة الأولى من المؤتمر من المؤتمر الذي نظمته الجمعية الثقافية للرعاية اللاحقة وأدارته الفنانة التشكيلية غدير حدادين تحدث مدير إدارة الإصلاح والتأهيل في مديرية الأمن العام العميد فلاح المجالي عن جهود مديرية الأمن العام الموجهة للنزلاء في مجال تنفيذ العديد من البرامج التأهيلية والتدريبية التي تقدمها مراكز الإصلاح والتأهيل منذ سنوات طويلة، وفق خطة عمل
مؤسسية، مؤكدًا أن هذا النهج ينطلق من حرص المديرية على "أنسنة العملية الإصلاحية للنزلاء".
واستعرض المجالي الفرص التدريبية التي توفرها المراكز لتمكين النزلاء وبناء قدراتهم، بالإضافة الى العديد الشراكات مع مؤسسات رسمية وغير رسمية، والتعاون الدائم مع مؤسسة التدريب المهني للوصول للهدف الأسمى للإدارة وهو عودة النزلاء افرادا صالحين ومنتجين الى مجتمعهم حال الإفراج عنهم.
وأكد أهمية العمل من جميع الجهات المعنية وفق خطة عمل فاعلة تضمن البناء على البرامج الإصلاحية والتأهيلة التي قدمت للنزيل أثناء وجوده داخل مراكز الإصلاح والتأهيل بشكل يؤسس لبرنامج رعاية لاحقة فعال على المستوى الوطني لضمان عدم ضياع جهود وبرامج إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل التي قدمت للنزلاء أثناء وجودهم داخل هذه المراكز.
واشار الى حصول إدارة مراكز الاصلاح والتأهيل مؤخرا على ترخيص مركز تدريب مهني معتمد من هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية المخولة قانوناً باعتماد المراكز المهنية وفق معايير متقدمة، الأمر الذي سيسهم في منح النزلاء شهادات مزاولة مهن رسمية بشكل سيدعم فرص تشغيلهم في القطاعات المختلفة.
وتحدث المجالي عن جهود مديرية الامن العام في توفير البنى التحتية وجميع المستلزمات اللوجستية للعملية الإصلاحية داخل مراكز الاصلاح والتأهيل بشكل يسهل ويوفر للنزيل وسائل التكيُف التي تخفف من آثار العقوبة السالبة للحرية عليه وتضمن عودته الى المجتمع فور خروجه مواطنا سويا وصالحا ومنتجا، مشيراً إلى دور هذه البرامج في تهيئة النزيل لتلافي مرحلة ما يطلق عليه "صدمة ما بعد الإفراج".
بدوره قال اللواء المتقاعد الدكتور عمار القضاة إن مفهوم "العود الجرمي" هو اشارة الى عودة المحكوم عليهم لارتكاب الجرائم بعد الافراج عنهم من مراكز الإصلاح والتأهيل، وهذا مؤشر على عدم اندماجهم في المجتمع بسبب وصمة العار التي تلتصق بهم وعدم ادماجهم في المجتمع كباقي الناس ومن ضمنها سوق العمل.
وأشار إلى دراسة سابقة صادرة عن وزارة العدل في الفترة 2013-2017 بينت أن المحاكم تعاملت مع مليون قضية جنائية على اختلاف اصنافها، وانه بدراسة شريحة من النزلاء بلغت 7 آلاف نزيل تبين ان هناك 50 بالمئة عادوا الى ارتكاب الجرائم بسبب عدم توفر فرص عمل لهم، و 47 بالمئة كرروا جرائمهم بسبب الوصمة المجتمعية التي تلاحقهم وبسببها واودعوا ثانية في مراكز الاصلاح والتأهيل.
وبين القضاة إلى ان نسبة "العود الجرمي" أو مكرري الجرائم تتراوح بين 35 - 40 بالمئة، لافتا إلى أن هذا الامر
يستدعي ان يُنظر الى هذه الشريحة من خلال برامج رعاية لاحقة وتأمين فرص عمل لهم واختيار المهن التي يرغبون بها، والمهن التي تعلموها داخل مراكز الاصلاح والتأهيل لتمكينهم اقتصاديا.
وقال القضاة إن هذا يستدعي ان يكون هناك نظام او تعليمات للرعاية اللاحقة لهذه الفئة لاسيما ان قانون مراكز الاصلاح والتاهيل نص في المادة 31 منه على تشكيل اللجنة العليا للرعاية اللاحقة والمكونة من الوزارات المعنية.
ودعا الى تشكيل مديرية في وزارة التنمية الاجتماعية للقيام بمهام الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم من نزلاء مراكز الاصلاح والتأهيل تكون مهمتها دمجهم بالمجتمع وتأمين فرص عمل لهم، وان يكون مجال التنسيق شاملا للقطاع الخاص في مجال المهن التي تتناسب مع طبيعة عمل مؤسسات القطاع.
وبين انه في اطار العود الجرمي وما يترتب على ذلك من رعاية لاحقة يجب اعتماد معايير تتمثل؛ بنوعية الجريمة المكررة فيما اذا كانت مخالفة او جنحة او جناية، وعدد حالات تكرار الجريمة، واسباب ذلك التكرار، وخطورة الجريمة وذلك لتحديد الشريحة المستهدفة في اولوية تقديم الرعاية اللازمة لها .
وأكد ضرورة توسيع تطبيق العقوبات البديلة التي تسهم بخدمة المجتمع، والاسوارة الالكترونية، لأنها تساهم في تخفيف الاكتظاظ بمراكز الاصلاح والتأهيل، ويتم من خلالها اعطاء الفرصة لمن يرتكب جرما في حدود الجنح ان لا يكرره.
من جهته استعرض مدير إدارة حماية الاسرة والاحداث العميد الدكتور سائد القطاونة اختصاصات الادارة ومهامها، مشيرا الى أن المهام والادوار التي تقوم بها واسعة ومتشعبة ولها علاقة باللبنة الاساسية للمجتمع بدءا من الطفل والام.
وأشار الى المتابعة اللاحقة وبرامجها وتدابيرها، ومنها متابعة الحالة والشخص المُعنف والمسيء ضمن برامج الرعاية اللاحقة التي تتابعها الادارة، لافتا الى أن إدارة حماية الاسرة والاحداث تتابع الحالات المعنية بعد مرحلة القضاء ومن خلال المتابعة الميدانية المتواصلة .
وأكد اهمية التوعية الاجتماعية فيما يتعلق بموضوع "الوصمة" للمفرج عنهم بدءا من الاسرة، مشيرا الى أهمية الرعاية المسبقة التي تسهم في تحصين المجتمع وافراده.
واشار مندوب إدارة مكافحة المخدرات الرائد نبيل الرواشدة الى انه لا توجد دولة او مجتمع في العالم يخلو من جرائم آفة المخدرات التي تعد قضية مؤرقة للمجتمعات كافة، مؤكدا اهمية التوعية المسبقة وضرورة تحصين المجتمع وبناء ثقافة مجتمعية ترفض جرائم المخدرات، وتعمل على توفير العلاج للمتعاطين للخلاص منه.
ولفت الى أن إعادة دمج من جنح عن الصواب تتطلب تعاون جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية خصوصا المجتمع، مؤكدا ضرورة خلق ثقافة مجتمعية لذلك من خلال تكاتف الجهود كافة.
مدير مديرية الاحداث والحماية في وزارة التنمية الاجتماعية عماد الصهيبة بين أن مفهوم الحدث ينضوي ضمن الفئة العمرية (12-18) عاما واستعرض البرامج الموجهة للاحداث .
وتطرق الى حالات "العود الجرمي للاحداث" بعد خروجهم من المراكز وارتكابهم جرائم اخرى ودخولهم مراكز الاصلاح والتأهيل ثانية بعد بلوغهم السن القانوني، مؤكدا اهمية دور المجتمع في الرعاية اللاحقة خاصة فيما يتعلق بالاحداث.
وفي الجلسة الثانية تحدث العقيد القاضي المتقاعد والمحامي نسيم بني فارس عن العقوبات البديلة وعقوبات رد الاعتبار، مبينا ان العقوبات البديلة هي التي يشرعها المشرع باستثناء الحبس.
وبين بني فارس ان مفهوم رد الاعتبار هو المعاملة التي يقدمها المحكوم عليه للحصول على وظيفة، رائيا ان فترة الانتظار التي تتطلبها المعاملة لتنفيذ الاجراء والتي تتراوح من سنة الى ثلاث سنوات تجعل من المفرج عنه كأنه في عقوبة ثانية.
وتحدث العميد المتقاعد الدكتور نوفل الازايدة عن اسباب العود الجرمي، لافتا الى ان ابرزها اقتصادية ووصمة العار
المتمثلة بالرفض المجتمعي للمفرج عنه، مستعرضا الاضطرابات النفسية التي يعاني منها النزيل، واهمية الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم في هذا الجانب.
من جهتها أككدت الباحثة عائشة برهومة ضرورة أن تكون برامج التأهيل الاجتماعي بمراكز الإصلاح إجبارية مثل برامج الرعاية الصحية لأهميتها في الرعاية اللاحقة.
بدورها تحدثت استاذة الصحافة والاعلام في جامعة البترا الدكتورة منال مزاهرة عن دور الاعلام للتعريف بمفهوم الرعاية اللاحقة، مؤكدة اهمية تكاتف المجتمع لترسيخ مفهوم الرعاية اللاحقة ودور الرعاية المجتمعية تجاه المفرج عنهم من نزلاء مراكز الاصلاح والتأهيل وكذلك التوعية عبر وسائل الاعلام.
وكان رئيس الجمعية الثقافية للرعاية اللاحقة يونس العمري استعرض في مستهل المؤتمر دور الجمعية ومهامها، مشيرا الى ان هذا المؤتمر هو الاول في موضوع الرعاية اللاحقة، معربا عن امله بالخروج بأفكار وتوصيات تسهم في تحقيق خطوات متقدمة في هذا الشأن .
وأكد عضو الجمعية المهندس حسن العسعس اهمية العمل التطوعي باعتباره احد ركائز المجتمع، لافتا الى أن العقوبة البديلة هي شكل من أشكال العمل التطور لكن بشكل إجباري.
واكد ان مفهوم الرعاية اللاحقة لا تنحصر في المفرج عنه فحسب بل يجب ان تشمل اسرته التي تعرضت لمختلف انواع الضغوطات والمعاناة ايضا، مشيرا الى ان العديد من الاسر تفقد معيلها لدى إيداعه مراكز الاصلاح والتأهيل ما يضعها في مهب العوز وقد يدفع احد افرادها الى الانحراف والبحث عن مصادر دخل غير مشروعة، مؤكدا اهمية الرعاية اللاحقة لاسرة النزيل ايضا.
--(بترا)