《التضليل》.. صناعة التزييف والأكاذيب في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي
دراسة مثيرة يُصدرها مركز حماية وحرية الصحفيين
"التضليل.. صناعة التزييف والأكاذيب في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي"
"التضليل.. صناعة التزييف والأكاذيب في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي" دراسة جديدة يصدرها مركز حماية وحرية الصحفيين، يدرس فيها آفاق مشكلة التضليل الإعلامي، والأزمات الناتجة عنها على الصعد الإنسانية، وتأثيراتها السلبية على السلم والأمن المجتمعي؛ سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا.
وتؤكد الدراسة أن التضليل والتزييف في الإعلام أصبح من أكثر المشكلات الضاغطة على المستوى الدولي، والإقليمي بسبب تأثيراتها السلبية في نشر المعلومات الزائفة بهدف التلاعب في الرأي العام، وتزييف الحقائق، والمواقف خدمة لأجندات أصحابها، ولما تحدثه من تأثيرات في الصراعات السياسية، والاجتماعية، وتشويه الحقائق، ونشر الشائعات، ولسهولة صناعتها ونشرها بعد الثورة الهائلة في وسائل الاتصال الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، والذكاء الصناعي.
واختارت الدراسة أربع دول عربية كنماذج لاستطلاع حالة التضليل الإعلامي في كل منها، بحيث اختيرت المملكة المغربية، والجمهورية التونسية، كحالتين تمثلان شمال إفريقيا، وجمهورية لبنان والمملكة الأردنية الهاشمية، كحالتين تمثلان الشرق الأوسط.
وخلصت الدراسة من خلال المقاربة التطبيقية لواقع هذه المشكلة في الدول الأربعة إلى التشابه الكبير في معطيات، وتجليات، وتأثيرات تلك المشكلة في تلك الدول، والتي وصفها الكثيرون ممن تحدثوا لهذه الدراسة بــ "الفوضى الإعلامية".
وقالت إن عوامل عديدة ساهمت في انتشار تلك الظاهرة، منها: اتساع مساحة الاتصال بشبكة الإنترنت عالميا، وقلة كلفة استخدامها، وتوفر أجهزة الاتصال الخلوية الذكية، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي، والتي تحولت لأن تكون وسيلة التواصل الأكثر شعبية في العالم، والتي أصبحت متاحة للاستخدام من قبل مليارات المواطنين في القارات الستة، والتي تحول كل مواطن من خلالها إلى صحفي وإعلامي ينتج المعلومات، ويذيعها، ويتلقاها فيما عُرف دوليا بظاهرة "المواطن الصحفي".
وقالت الدراسة إن منصات التواصل الاجتماعي أدت دورا بارزا، ومثيرا في انتشار ظاهرة التضليل الإعلامي، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن السياسيين، والإعلاميين، وممولي وسائل الإعلام، والمواطنين أنفسهم، ورجال المال والاقتصاد يلجأون لصناعة، وبث المعلومات المزيفة، والكاذبة خدمة لأجنداتهم، ومصالحهم الخاصة، مما يُشيع الفوضى الإعلامية، وخداع الرأي العام.
ودعت الدراسة إلى ضرورة اعتماد تعريف محدد وواضح لمفهوم التضليل الإعلامي من قبل المشرعين بما في ذلك أقسامه، وأشكاله، والتفريق في العقوبات المفروضة على كل قسم بما يتناسب والضرر الذي يحدثه على الأفراد خاصة، والمجتمع عامة، كما دعت إلى إعادة النظر كليا في قوانين الجرائم الإلكترونية في كل من المغرب، وتونس، ولبنان، والأردن، وفصل كل ما يتعلق بحرية النشر والتعبير عن تلك الجرائم التي وردت في تلك القوانين من خلال صون وضمان حرية التعبير.
ووفقا للتوصيات التي خلصت إليها فقد دعت لتأسيس مراكز رصد لوسائل الإعلام ولمنصات التواصل لرصد الأخبار المضللة، والمزيفة، والتحقق منها، ورفد تلك المراكز بصحفيين محترفين، وبكل الأدوات التقنية والفنية اللازمة لتسهيل مهمتهم، كما دعت لإعادة النظر في قوانين الحصول على المعلومات، وإزالة القيود التي يفرضها القانون على المعلومات التي تشكل حجر الزاوية في مواجهة التضليل الإعلامي، وانتهاج سياسة الإفصاح المسبق عن المعلومات، والانفتاح الحكومي على وسائل الإعلام، والتخلص من سياسة "حراس البوابات" التي تعمل على حجب المعلومات مما تسمح بانتشار الشائعات، والأخبار المضللة.
واقترحت الدراسة التوجه إلى الجمهور من خلال إنتاج برامج توعوية في كيفية استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وكيفية إدارة حساباتهم الخاصة لتجنب إنتاج ونشر الأخبار المضللة، فضلا عن توعيتهم على أحكام القوانين المتعلقة بالتضليل الإعلامي، والتوسع في تدريس التربية الإعلامية منذ المرحلة الابتدائية، وحتى الجامعية، وتنظيم ورشات عمل وتدريب للصحفيين والإعلاميين على آليات التحقق من الأخبار من خلال إما مؤسساتهم الإعلامية، أو من خلال منظمات مجتمع مدني مختصة في هذا الجانب.
وأكدت الدراسة أن الحكومات في الدول الأربعة موضوع الدراسة سنت قوانين محلية لمكافحة الجرائم الإلكترونية بهدف محاربة التضليل الإعلامي، لكن تلك القوانين لم تراعِ تماما حرية التعبير والنقد مما يوجب على الحكومات إعادة النظر في تلك التشريعات، وبما يتوافق مع الشرعة الدولية الناظمة لحرية التعبير، وهو ما أكدت عليه أدبيات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المختصة.
وتقع الدراسة التي أشرف عليها مؤسس وعضو مركز حماية وحرية الصحفيين، الزميل نضال منصور، ووضعها الزميل وليد حسني زهرة، وبمساعدة منسق وحدة الأبحاث في المركز، الزميل إسلام البطوش، أربعة فصول، خُصص الفصل الأول لمناقشة إشكالية مفهوم التضليل الإعلامي وآليات ضبطه، مستعرضة فيه مفاهيم التضليل الإعلامي، وأنواعه، والآثار السلبية لهذه الظاهرة على حقوق الإنسان، وخاصة الحق في حرية الرأي والتعبير، والحياة الخاصة، وحمايتها من أي انتهاك، وما تقوله الشرعة الدولية في هذا الجانب، مستعرضة الآثار الاجتماعية، وأثرها على السلم المجتمعي، والآثار السياسية والاقتصادية، ومدى تأثيرها في اهتزاز الثقة بكل مكونات المجتمع.
وتحت عنوان "خطوط فاصلة وتداخلات خطرة" ناقشت الدراسة في فصلها الثاني الحدود الفاصلة بين حرية التعبير، والتضليل والتزييف، مؤكدة أن الفواصل في هذه الظاهرة بين حرية الرأي والتعبير، والتضليل متداخلة إلى حد بعيد مما يوجب على المشرعين تلافي أية مشكلات قد تؤثر سلبا على حرية الرأي، وحرية الصحافة بدواعي محاربة التضليل والتزييف، وإلى أهمية قانون حق الحصول على المعلومات كأحد الأدوات في مواجهة التضليل.
وناقشت الدراسة في فصلها الثاني أيضا، علاقة المحتوى المضلل بخطاب الكراهية؛ "من يصنع التضليل؟"، حيث أكدت ومن خلال المعادل الموضوعي لهذه الحالة أن كل خطاب كراهية ينطوي وبالضرورة على خطاب تضليل ومعلومات مزيفة، كما ناقشت ظاهرة الذباب الإلكتروني الذي يتم توظيفه من بعض الجهات لخدمة مصالحها، ولا تتردد بالطبع حتى في استخدام خطاب الكراهية والتحريض ضد المناوئين، والمعارضين.
وبحثت الدراسة في فصلها الثالث آليات التحقق من المعلومات وتصنيفات، الأخبار المزيفة، والمفبركة، والتي تتضمن سبعة أنواع، وخصائص كل منها، وهي: المحتوى المفبرك، والمحتوى الكاذب، والمحتوى المضلل، والسخرية أو التهكم، والرابط الكاذب، والسياق المغلوط، والتلاعب بالمحتوى.
واستعرضت الدراسة في هذا الفصل العديد من آليات التحقق المعتمدة لدى بعض وسائل الإعلام العالمية، أو لدى المنظمات المتخصصة، فضلا عما تعتمده العديد من منصات التحقق في العالم، بما فيها تلك المتاحة مجانا أمام الصحفيين، والإعلاميين، والمتخصصين، وحتى المواطنين العاديين على شبكة الإنترنت، وغوغل، وتشمل المعلومات المكتوبة، أو المصورة، أو الفيديوهات، مرفقة عناوين، وأسماء العديد من المواقع الإلكترونية لمساعدة الصحفيين، والباحثين في فحص المعلومات، واختبار مصداقيتها، ومصادرها الأصلية، فضلا عن أهمية التربية الإعلامية، وكيف يمكن من خلالها مواجهة المعلومات المزيفة، والمضللة، وتلك التي تحض على الإرهاب، وتدعو للعنف والتحريض على الآخرين.
وناقشت الدراسة في فصلها الرابع ظاهرة التضليل الإعلامي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الأردن، ولبنان، وتونس، والمغرب) بحيث رصدت هذه الظاهرة، وتوقفت عند العديد من نقاط التشابه، والتقاطعات لتجليات تلك الظاهرة في البلدان الأربعة، وأوردت نماذج من حالات التضليل الإعلامي في كل بلد.
وعقدت لغايات هذه الدراسة جلسات حوار مركزة مع إعلاميين، وقانونيين، وخبراء في كل دولة من تلك الدول عبر منصة زووم، ومقابلات شخصية، بلغ عددها 43 مقابلة من الأردن، ولبنان، وتونس، والمغرب، بهدف التعرف على حجم الظاهرة، وتأثيراتها في البلدان الأربعة.
ولاحظت الدراسة أن بعض السلطات في هذه الدول الأربعة ــ تونس مثلاــ تلجأ أحيانا لمنصات التواصل الاجتماعي، وغيرها من المؤسسات الإعلامية لنشر بعض الأخبار المضللة لقياس ردات فعل الجمهور، فيما تظل الحكومات في هذه الدول في مقدمة من ينتجون الأخبار المضللة، يليها الأحزاب، والسياسيين، خاصة في الدول التي تشهد صراعات حزبية وسياسية كما هو الحال في تونس، ولبنان، والمغرب، وبدرجة أقل بكثير في الأردن.
ولوحظ أيضا أن الجهة التي تتصدر قائمة الجهات الأكثر نشرا للأخبار المضللة، والمزيفة، هم المواطنون الذين ينتجون، وينشرون تلك الأخبار عبر حساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، وفي حالات أخرى فإن رجال المال والأعمال، والشركات تلجأ لنشر الأخبار المضللة خدمة لمصالحها الشخصية، فيما يبقى الصحفيون أيضا ينتجون أخبار مضللة، خاصة إذا كانت مصالحهم تتقاطع مع مصالح الممولين.
وأشارت الدراسة إلى التشابه الكبير في التشريعات التي استهدفت معالجة الجرائم الإلكترونية في البلدان الأربعة، والتي نصت على الأحكام السالبة للحرية، كما أن قوانين الحصول على المعلومات في تلك الدول متقاربة هي الأخرى، وتكاد مشكلة تطبيق القانون تتشابه، وتتكرر في كل منها.
وتقر الدراسة بأن خطاب التضليل الإعلامي، وخطاب الكراهية أخذا يتسعان في سياقات الصراعات السياسية الداخلية، والأزمات المحلية، أو الإقليمية، خاصة في لبنان، وتونس، والمغرب، وبدرجة أقل في الأردن، بسبب الصراعات، والخلافات السياسية المحلية.
وتطرقت الدراسة إلى حرية الإنترنت في الدول الأربعة، كما ناقشت تأثير منصات التواصل الاجتماعي فيها على الرأي العام في اتساع ظاهرة التضليل، والتزييف الإعلامي، مشيرة إلى أن كل الدول العربية موضوع الدراسة تكاد تكون مشكلتها ذات وجه واحد مع تلك المنصات، مما يجعل من تلك المشكلة صدى للمشكلة العالمية الناتجة عن اتساع استخدام، وتأثيرات السوشيال ميديا في المجتمعات، والتي أصبحت تتسلل إلى الإعلام فتؤثر عليه.
وتوقفت الدراسة في تلك الدول عن التربية الإعلامية، وأهميتها في معالجة ظاهرة التضليل الإعلامي، حيث تفتقد دول مثل: لبنان، وتونس لمثل تلك الخطط الهادفة لإدماج التربية الإعلامية في المناهج المدرسية، ويسجل للأردن هنا الريادة العربية في هذا المجال، وإن كانت تلك لتجربة لا تزال في بداياتها.
للاطلاع على الدراسة كاملة، يرجى زيارة الرابط التالي: