التدخين وأمراض الرئة والجهاز التنفسي
التدخين وأمراض الرئة والجهاز التنفسي
الدكتور محمد عواد العظامات
هناك نظرية في علم الاجتماع تفيد بأن الإنسان الذي يعتبر كائناً اجتماعياً بطبيعته، يميل للعيش في جماعات وسط عادات وتقاليد وموروثات مجتمعية يكتسبها، لا يفارقها ولا تفارقه. ولعل ممارسة تدخين السجائر تعتبر من أبرز العادات السلبية في المجتمع. هذه حقيقة فالقاعدة تقول: "إذا أردت التأثير إيجاباً على الأبناء، لا تملي عليهم السلوك الأفضل، بل نفذه أمامهم"، أي أننا لا نستطيع إقناع الأجيال الصغيرة والشابة بمضار التدخين وضرورة عدم الانخراط في هذه العادة ونحن ندخن أنواع التبغ أمامهم.
من المعلوم أن التدخين واستهلاك التبغ بأنواعه وأشكاله من سجائر تقليدية ونارجيلة وغليون، يضر بالصحة بشكل عام ويتسبب في مجموعة من الأمراض، كما أنه يعد من الأسباب الرئيسة للوفاة؛ حيث أنه يفتك بحوالي 8 مليون شخص سنوياً حول العالم، كل ذلك بفعل الدخان المنبعث من حرق التبغ الذي يبدأ عند درجة حرارة 600 مئوية في السجائر التقليدية، والذي يولد أكثر من 100 مادة سامة، والذي يعرض مدخنها ومن يحيط به إلى التغييرات في أنسجته وخلاياه.
ويؤثر التعرض لهذه المواد على وظائف الرئتين في المقام الأول، مسبباً حدوث الالتهابات التي تتطور بمرور الوقت إلى انسداد رئوي، ومن ثم الإصابة بداء الانسداد الرئوي المزمن COPD بما يتضمنه من انتفاخ في الرئة والتهاب الشعب الهوائية، فضلاً عن زيادة احتمالية الإصابة بسرطان الرئة. كذلك، فإن تأثير التدخين يشمل الشرايين والقلب؛ ذلك أن المواد الكيميائية التي تحتويها السيجارة التقليدية والناتجة عن حرقها، تسبب التلف في الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى التجلطات، كما أن الانسداد الشرياني الناجم عن التدخين، يؤدي أيضاً للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ومع تقدم العلوم والتكنولوجيا المدفوعة بالابتكار، وما أفرزه ذلك من منتجات بديلة قد تكون أقل ضرراً بالرغم من عدم خلوها التام من المخاطر؛ وذلك كونها تقصي عملية الحرق والاشتعال وهو ما يعني تفادي انتاج كميات كبيرة من المواد الكيميائية الضارة، فقد ازدادت الأصوات المنادية من أعضاء المجتمع العلمي بتبني السياسة والبدائل المبتكرة ليتم توجيه المرضى الذين قد يستمرون في التدخين التقليدي تجاهها، لدورها في التصدي لوباء التدخين، وهو ما أشارت إليه أيضاً مؤسسة الخدمات الصحية العامة البريطانية. وقد تكون تلك البدائل المبتكرة خطوة أولية نحو الإقلاع النهائي عن التدخين لدى الراغبين في ذلك، علماً أن أفضل سلوك هو إيقاف التدخين.
وبالرغم مما أظهرته الأبحاث من أن المنتجات البديلة للسجائر التقليدية بأنواعها المختلفة لا تولّد دخاناً وإنما رذاذاً أو هباء جوياً، وهو ما يجعل منها خياراً متاحاً للمدخنين البالغين ولمن يحيطون بهم، إلا أن الدعوة قائمة لمواصلة الأبحاث لدراسة مدى تأثيرها على مر السنين.
ويعد الطريق الأسلم للحفاظ على الصحة الفردية وتقليل آثار التدخين السلبية ما أمكن بالنسبة للمدخنين البالغين، إلى جانب تقديم قدوة يحتذى بها للأجيال، يتمثل في الإقلاع النهائي بالنسبة للمدخنين، خاصة وأنه يمكن بدء لمس الآثار الإيجابية في غضون أسبوعين فقط من الإقلاع؛ حيث تبدأ الدورة الدموية وأداء الرئة في التحسن، ويقل السعال وضيق التنفس بشكل كبير بعد شهر إلى 9 أشهر، مع تغييرات إيجابية أخرى في صحة القلب بالرغم من أن عملية التعافي التام والوصول لحالة مشابهة لحالة القلب لدى غير المدخنين، تستغرق حوالي 15 عاماً.
وأخيراً، فإن الخروج على العادات السائدة ليس سهلاً بالتأكيد، بل أنه يتطلب عزيمة وإرادة فردية ومجتمعية وحكومية، خاصة وأن تلك العادات ليست جميعها جيدة ومفيدة وأن عاداتنا التي نتبعها لا تؤثر بنا فقط، بل تؤثر في غيرنا.
-انتهى-