《اغتيال الشخصيات ومسؤوليتنا》
الكاتب : محمد هاشم
عندما تصلنا تسريبات في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتهم شخصية عامة، أو تتبرع بـ”كشف الحقائق” كما تدّعي، دون أي مسند قانوني، ودون أي مصدر مسؤول، هل تساءلنا يوما عن سبب هذا التسريب، وعما إذا كان في باطنه “اغتيال للشخصية”، أم وسيلة لابتزاز أو غيره؟؟
سؤالنا هنا: من الذي يسعى إلى نشر مثل هذه القصص والاتهامات، وتسريب وثائق أصبحنا نراها هنا وهناك في العديد من القضايا المختلفة؟ من هو المستفيد من إعادة نشر قصص تتضمن إهدارا للمبادئ والقيم التي لها سلبيات واضحة على مجتمعنا؟ وهل حبنا لتلك الشخصية أو اختلافنا معها يعطينا الحق في نشر الوقائع والأحكام والتهم غير القانونية؟ وهل النشر مرتبط بالشجاعة والوطنية دون أن نفرق بين الصواب والخطأ ومدى الأذى الذي قد نلحقه بالآخرين؟
إننا ومن مبدأ عشقنا للفضيحة، واعتقادا منا أن نشرنا لها يزيدنا وطنية، ونخدم من خلاله مجتمعاتنا، وننسى أننا قبل أن نؤذي أنفسنا، فإننا نلحق أضرارا نفسية ومعنوية للطرف المُراد اغتيال شخصيته ولكل من حوله.
للأسف نحن نقامر بقوميتنا العربية، كما وكأننا ندير صالات للقمار من شأنها أن تأتينا بالأرباح، بغض النظر عن الخسائر في قيمنا، فنجد التبرير لطرق الابتزاز المختلفة وسرقة الأموال بغير وجه حق. فقد أصبحنا ننتهك خصوصية عائلات بأكملها، نعاقب الأب بالابن، والابن بالأب، كما نعاقب الزوجة بزوجها، والأطفال بأمهم. ولا نعلم أننا نعاقب أنفسنا جميعاً، ونضر بمجتمع كامل بعد أن منحنا أنفسنا الحق بإصدار التهم والأحكام دون أدنى متطلبات العدالة.
في كل مرة أرى قصة من هذا القبيل، أتساءل عن السبب وراء اغتيال شخصيات نعتز ونفتخر بها أمام العالم بأنهم قياديون وناجحون، على المستوى العربي والعالمي، نرى فيهم عروبتنا. فهل هو الحقد، أم الكراهية، أم حب التشهير والإساءة؟؟
وعلى الرغم من أن القول الفصل هو للعدالة، ورغم أننا في القرن الواحد والعشرين، إلا أننا ما زلنا في قضايا نعلم في قرارة أنفسنا أنها “اغتيال للشخصية”، ولكن نصدر الأحكام قبل القضاء، وننصب أنفسنا المحامي والقاضي، في قاعة المحكمة التي هي مواقع التواصل الاجتماعي. وحكمنا ينبع من معلومات مشكوك بها، ونتناسى التاريخ والإنجازات والنجاحات التي بُنيت على مدى عقود طويلة لتلك الشخصيات.
ورغم أن أحكامنا هذه قد لا تضر ولا تنفع، ولكنها في حال كانت في قضايا أمام القضاء، فإنها تكون انتهاكا صريحا لسرية التحقيق، كما وتؤثر على سير مجريات العدالة حسب المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم والمادة 224 من قانون العقوبات.
لذا نطالب الجهات المختصة بضرورة العمل بكل جدية وحزم بإيقاع أشد العقوبات بحق مرتكبي هذه التجاوزات وعلى كل من ينشر ما هو “مسموع أو مقروء أو مرئي” على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وفقا للمادة 11 والمادة 9 من القانون. ولا بد أن يعي الجميع أنه مخالف للقانون وللأخلاق العامة، ويضع ناشرها تحت المساءلة القانونية، فهذا الأمر أصبح مقلق للغاية مؤخرا، ولا يميز بين أي شخصية، ولا يتيح المجال لأي كان الدفاع عن نفسه.
المسؤولية تقع علينا جميعاً، ولا بد لنا من التريث قبل إعادة نشر أي ما يصلنا، فيتوجب علينا التفكير مليا، وتقييم الأثر على مخرجات المحتوى، فوعينا جميعا يمنع أن يمسنا هذا الضرر في يوم من الأيام.