كورونا والحكومة بين التعديل والتغيير
#كتب: اطراد المجالي
ما كانت جائحة كورونا الا أزمة من أزمات كثيرة مرت بالوطن، ومخرجاتها كانت دروس للجميع بلا استثناء، وقبل التحليل لتلك الايجابيات والسلبيات، وببعض التقييم الذي أشبعه الكثير، لا بد من الوقوف على مرتكرات مهمة، ولعل ابرزها ضرورة تعزيز ايجابيات سلوك الحياة والاستغناء عن الموروث السلبي خاصة بالسلوكيات الاقتصادية بصناعة المستهلكات وجعلها متناولة دون اعتمادية - والذي تقبله الاردنيون ضمن التزامهم المميز اثناء الجائحة، فما ظهر من منحنيات بسيطة لا يعكس السلوك الجمعي الذي تميز به الاردنيين، وهذا اعتقد يجب ان يوضع بأولويات الايجابيات لجعل ذلك حالة عامة مستقبلية، وحتى يعطى كل ذي كل حق حقه- عسى ان نخفف شيئا من ناقلي الاستراتيجيات والبرامج الجاهزة واصحاب موضات العالمية - اقول بكل ايمان" نجحت الاردن وفشلت ايطاليا" على الاقل بشقي الصحة والامن والالتزام العام، وبرهنت مؤسسات الدولة بأجهزتها المتواضعة بانها قادرة على التعامل مع ازمة كبيرة بهذا الحجم. فالجيش والاجهزة الامنية وبكل شفافية تعدى دورها دور الانضباطية الى ذلك الدور الاستراتيجي التنموي احيانا والمشارك المتحضر كمؤسسات مؤهلة مدربة قادرة على التعامل مع الحدث مسبقا، واعتقد ان ذلك يدل على القدر المهم الذي اعطي لها بالتدريب والاطلاع والبحث. كما كان الجهد الصحي الذي صاحبه ايضا جهدا شعبيا فنيا متطوعا غاية في التناغم والنجاح.
اما الجانب الاقتصادي الذي لم يرقى الى السقف المطلوب فاعتقد ان مرده نسيان الكثير من مفردات تم انجازها سابقا وكمثال على ذلك البطاقة الذكية التي لا اعلم هل هي غبية ام تم استخدامها بطريقة خاطئة، كما ان تحليل السوق بشكل يوضح نسب التضرر والانتفاع والحد الادنى من التشاركية والاستماع للقطاع الخاص والانفرادية التكنوقراطية بالقرارت اسفرت جميعها لتخبط واضح جلي لا يخفى على شعب واع ولو تغافل وتغابى.
فاذا كان التعديل هو السيناريو القادم، فاول الاولويات اعتقد ضرورة تشكيل لجان ملكية تضم في تشكيلها مجموعة استشارية على مستوى القطاعات جميعها، الاقتصادية والزراعية والبيئة والخدمية وغيرها، تدعم الفريق الوزراي الجديد ورئيسه وترفع عنهم حرج المبادرة وتعطيها الدفع لدراسة ايجابيات الجائحة وسلبياتها لتقوم بتعزيز الايجابيات وتخفيف السلبيات ما امكن.
ان ما لمسه الجميع تكرار للرسائل الملكية، ولا اعلم كيف كان الرعيل الاول لا ينتظر تفصيلا من جلالة الملك بل فقط اشارة يقوم متلقيها بترجمتها الى خطة عمل قابلة للتطبيق، اما اليوم فيرى الجميع ان جلالة الملك قد دخل بالتفاصيل والتكرار لعدم تلقي الرسائل جيدا، فمنذ متى يقوم جلالة الملك على مدار عمر الاردن بالدخول بالتفاصيل وتكرار الرسائل. وهذه لوحدها تحتاج بحثا اخر.
لا شك ان سناريو التعديل اذا تم فيتطلب فريقا اقتصاديا متخصصا من غير ذوي الدفع والصدفة، سياسيون يضعون السيناريو الاسوأ في ادراجهم وينطلقون بثبات نحو الاستثنائية في الحلول وليس حمل الملفات والحوم حول انفسهم، قادرون على رسم خارطة طريق لا تركز على قطاع دون اخر ولا يضع بيضتنا الاقتصادية في سلة واحدة، فريق يعلم جيدا اي قيمة مضافة تعود على المواطنيين فعليا وليس اسميا عند دعمها للقطاعات، فلا يجوز تعزيز قطاع وتخسير قطاع اخر بحجة التعزيز ولكن الحفاظ على نجاح قطاع بتسيير اعماله ودعم قطاع اخر لرفع سويته. فريق يرقى على فنيات عجز المكاتب وتشنج التشريعات، فريق لديه الخبرة في القطاعين الخاص والعام يرتقي للمستوى السياسي وليس مستوى الخصام مع التكنوقراط في وزراتهم. فريق يخفف الدراسات الاكتوارية ولغة الرسم البياني مع اهميتها الى لغة تحقيق واقع على الارض يتلمسه المواطن بشكل فعلي. فريق لا يرى في الظهور ميزة بل الميزة بالنفع العام.
اما اذا كان التغيير هو السناريو القادم، فالاساس ليس رئيس الحكومة بل الفريق الوزاري، فللدعابة" تسير السيارة بأمان اذا كانت ماكينتها متوسطة واجزائها الاخرى متينة، فليس رئيس الحكومة هو الاساس بل الفريق المتناغم القادر على تفهم المرحلة القادمة. فيكفي بالرئيس ان يلبس تلك النظارة التي ترى كل القطاعات بلون واحد لا الوان مختلفة يعززها جميعها بسوية مدروسة ويستطيع قيادة الفريق ضمن تلك الرؤيا.
لقد مل الاردنيون الالم بالجراحة، فهم على استعداد لتحمل عملية قلب مفتوح اذا كانت النتائج جيدة، اما الالم يتبعه الالم بحجة تراكمات الحكومات السابقة فهذا من وجع الاردنيين الازلي، فعلى الحكومة اما ان تقبل كأن تكون اول حكومة اردنية او لا تكون، اما التحجج بتراكمات الاخرين فهذه وصفة اتعبت الاردنيين لدرجة معرفة ادق تفاصيلها.
فمطلوب من الحكومة الجديدة خلع ثوب التخندق واطلاع العنان الى التشاركية الحقيقية والمتواصلة والمثمرة مع القطاع الخاص في جميع اعمالها،والبدء باعطاء اولويات تنفيذ المشروعات في جميع القطاعات وتجميد مفردات التمكين والطفولة وغيرها الى حين، والتركيز على النهوض وتمكين التعاونيات في المحافظات على الاستفادة من دروس الجائحة بالتحول من الاستهلاك الى الانتاج. والبدء بصيانة دور الشباب بالاحلال المدروس والتدريجي في كافة قطاعات العمل، وتعظيم دور الامن الغذائي والاشتغال بالزراعة ودعمها بصفتها الاعلى قيمة مضافة مجتمعيا، وتعزيز قطاع النقل بالاستشارات الفنية اللازمة لتطويره ليصبح من القطاعات الواعدة، ودعم القطاعات الصناعية بسياسة نقدية تبقي التدفقات النقدية الحكومية نتيجة لحركتها مع زيادة في تشجيعها، وتعظيم الدور الصحي وممنتجاته الدوائية ومستلزماته ليكون ركيزة تعمم تجربتها على القطاعات الاخرى، والبحث عن طرق غير تقليدية بدعم القطاع السياحي والبعد عن استراتيجية التفرد بالتسويق الحكومي الى سياسة فتح الفرص للقطاع الخاص بالمبادرة وحمل الاردن تسويقيا. واستغلال قابلية الشعب الاردني للانتقال الى الرقمية باعداد منصات قوية ليست للاستخدام الاني بل المستقبلي. وحبذا دعم ذلك الفريق بالخبرات العسكرية التي اثبت بجانب انضباطها قدرات على تفهم الحال والازمات الاقتصادية والتعامل معها بثقة وعدم تحييدها لتسلم الوزرات الامنية فقط. والاهم من ذلك كله البدء الفعلي بالاستفادة من المنح والتمويلات الخارجية بمشروعات حقيقية وليست ورقية واخبارية مجزئة.
اما في مجال التنمية، فاعتقد انه يتطلب من الحكومة الجديدة اعادة النظر في معرفة الدولة لمواطنيها رقميا بتحديث يومي عن جميع البيانات لتكون في متناول المنفذين لبرامج التنمية والدعم الوطنية للمواطنيين وللفائدة منها في قطاعات اخرى. وفي مجال الاعلام يتطلب من الحكومة القادمة ان تبني او تعزز من الموجود مؤسسة اعلامية وطنية حرة بعيدة عن التنفيع بالتعيينات لتكون واجهة اردنية للمرحلة القادمة مستشرفة ايضا لما هو قادم، مع تخفيف الثقل الحكومي على قناة المملكة التي اثبتت مسؤوليتها ضمن خط حكومي واضح. فنحن نحتاج الى مؤسسة اعلامية تتعامل مع المحيط وما قد ينتج من ازمات بالمحيط وليس للاستهلاك المحلي فقط.
وفي الختام، لماذا لا تتعلم الوزرات من الجيش، فما سمعت يوما عن حكومة او وزارة تقوم بملىء ادراجها بدراسات عن الازمات، فمصطلح ازمة حرب على الدولة وكيفية التعامل معها ،او حدوث زلزلال او ثورات بالجوار لا توجد الا في ذهنية العسكرين، وما جملة وزير الاعلام الحالي عن ملف كامل الاجراءات لتعامل الدولة بمؤسساتها في ادارة الازمات لمرض يشبه جائحة كورورنا لهو المثال الحي على ان العسكريين قد سبقونا جميعا في مجال التنبؤ بكل الاخطار ووضعوا السيناريوهات والاجراءات الخاصة لمواجهتها.