في آذار الماضي، طالبت مذكرة داخل مجلس النواب الأردني الحكومة بإلغاء اتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت وحتى كانون الأول الحالي، لم يغادر الملف مربع المطالبات الشعبية الخجولة التي يتم التعبير عنها على شكل وقفات احتجاجية خجولة يؤيدها ثقل برلماني محدود، لا يبدو أنه فاعل، أو قادر على اتخاذ إجراء تشريعي يفرمل السعي الحكومي للمضي قدما بتنفيذ الاتفاقية التي يبدو أن العد العكسي للبدء بأولى خطواتها قد خرج إلى العلن.
الاتفاقية كانت قد تعرضت إلى عراقيل داخلية إسرائيلية تمثلت بمطالبات أطلقها نشطاء بيئيون تدعو إلى وقف عمل شركة نوبل إنيرجي في حقل لفيتان، بسبب مخاوف أطلقتها منظمات بيئية إسرائيلية تحذر من الخطر البيئي الناتج من أعمال الحفر، فأصدرت محكمة إسرائيلة قراراً بوقف عمل شركة نوبل إنيرجي إلى حين الانتهاء من النظر بالقضية.
الحكومة الإسرائيلية استأنفت الحكم، وبعد عدة شهور من نظر القضية أمام القضاء خسر نشطاء البيئة، فأصدرت محكمة إسرائيلية أخرى قرارا يسمح لشركة نوبل إنيرجي باستئناف العمل في حقل لفيتان، وبموجب الحكم القضائي، فإن أعمال الاستكشاف وتجارب تشغيل حقل لفيتان ستبدأ الثلاثاء المقبل.
على الضفة المقابلة، وأمام ارتفاع وتيرة المعارضة الشعبية الأردنية لإنجاز اتفاقية الغاز، استعانت الحكومة في أيلول الماضي، بمظلة المحكمة الدستورية، فصدر عن الأخيرة قراراً ينص على عدم الحاجة لموافقة مجلس الأمة بفلقتيه (النواب، الأعيان) للمضي قدماً في اتمام اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل.
النواب ردوا على الإجراء الحكومي بإعداد مذكرة في 26 حزيران الماضي وقعها 27 نائباً تنادي بسحب الثقة من حكومة الدكتور عمر الرزاز ، وفي إجراء لاحق بعد التئام الدورة العادية الرابعة لمجلس النواب، في العاشر من نوفمبر الماضي، وتحديداً في الرابع من كانون أول الجاري، وقع 40 نائباً على مذكرة لعقد جلسة خاصة لمجلس النواب لإلزام الحكومة بقرار مجلس النواب اعتبار اتفاقية الغاز مع العدو باطلة، مهما كان رأي المحكمة الدستورية.
لكن الملاحظ أن عدد الموقعين يقل كثيراً عن عدد النصاب القانوني اللازم لإسقاط الاتفاقية، مما يجعل الحراك النيابي فاقداً للثقل الفعلي والمطلوب لفرملة التوجه الحكومي باتمام الاتفاقية.
في الثامن من كانون الأول الجاري، شهدت الساحة البرلمانية حراكاً جديداً تمثل بتوقيع 63 نائباً على مذكرة تطالب بصياغة مشروع قانون يمنع استيراد الغاز من الكيان الصهيوني لعام 2019، والسير به بشكل بالغ السّرعة عبر مراحله الدستوريّة ليصبح تشريعًا نافذاً وملزماً.
العدد النيابي الجديد منح المذكرة النيابية مشروعية التحول إلى مشروع قانون يمكن إقراره ومن ثم التصويت عليه وفق المراحل الدستورية، لكن الحكومة واجهت هذا التحرك بالقاء المسؤولية على شركة الكهرباء الوطنية التي حملتها الحكومة مسؤولية إبرام اتفاقية الغاز مع الجانب الإسرائيلي.
رغم التكتيك الذي لجأت إليه الحكومة للتملص من المسؤولية عن إنجاز الاتفاقية، وفي إطار مبادرة شعبية تم تقديم إخبار للنائب العام الدكتور حسن العبداللات، يتضمن شكوى ضد كل المسؤولين عن توقيع وتنفيذ صفقة الغاز مع العدو، والطلب منه ملاحقتهم ومساءلتهم ومحاسبتهم قضائياً بالسبل القانونية والدستورية.
الثلاثاء الماضي، وتحت عنوان "غاز العدو احتلال"، شهد مبنى الاتحاد المهني في العبدلي، اطلاق "الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني"، فيما يمكن وصفه بحسب المنتدين بـ "النداء الأخير لإسقاط الاتفاقية"، وقد شارك بها حشد كبير من ممثلي القوى الحزبية والنقابية والحراكية وعدد من النواب.
المنتدون حذروا من أن الغاز المسروق سيتم البدء بضخه للأردن أوائل عام 2020، أي بعد أقل من أسبوعين من الآن، وهو ما سيجعل الأردن رسمياً وشعبياً رهينة للابتزاز الصهيوني، بحسب المتحدثين، فضلاً عن أن الضرائب التي سيدفعها الأردني ستذهب إلى خزينة الكيان الإسرائيلي.
رئيس لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني، النائب يحيى السعود، وفي معرض رده على سؤال "جفرا نيوز" هل سيمضي الأردن في تنفيذ اتفاقية استيراد الغاز؟ قال إنه بالنسبة لنا في مجلس النواب هناك حراك نيابي مكثف في هذا الموضوع ونحن مصرون على أن نمنع الحكومة من المضي في تنفيذ الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي.
وبسؤاله إن كان النواب يلمسون استجابة من الحكومة لمطالبهم فيما يخص التراجع عن استيراد الغاز من الجانب الإسرائيلي، يوضح السعود أن المناقشات والمداولات مستمرة بين النواب والحكومة، لافتاً إلى أن الحكومة لم تبلغ مجلس النواب بموقفها النهائي من الاتفاقية حتى اللحظة.
السعود يشدد على أن هناك حراكاً نيابياً مكثفاً تم من خلاله حشد نصاب قانوني يسمح بتمرير مشروع قانون يمنع الحكومة من استيراد الغاز من الجانب الإسرائيلي وجعله قانوناً نافذاً، كما أن هناك تحركات لشطب كل المخصصات المالية المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية وشطب الكفالة الحكومية لشركة الكهرباء الوطنية التي ستكبد الخزينة خسائر بالمليارات من أموال دافعي الضرائب.