منطقة العقبة الخاصة ... من وحي القائد
بقلم / أ.د. صلحي الشحاتيت
يعيش الأردن مناسبات وطنية عزيزة علينا جميعاً بدءاً من عيد الاستقلال مروراً بذكرى جلوس الملك على العرش وذكرى النهضة العربية الكبرى ويوم الجيش.
حيث اختط الملك عبدالله الثاني منذ اليوم الأول لتسلم سلطاته الدستورية واعتلائه العرش في التاسع من حزيران عام 1999 نهجاً للإصلاح والتنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تمثلت في الإصرار والتصميم على تجذير أسس الديمقراطية والعدالة بما يعود بالنفع المباشر على حياة المواطنين، واتخاذ إجراءات سريعة وعملية لتحسين فرص الاستثمار وخلق بيئة الاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، إدراكا من الملك أن فتح المجال أمام رؤوس الأموال لزيادة فرص الاستثمار، ستعمل على تخفيف الفقر والبطالة.
كان أحد أهم وأول رؤى جلالته اطلاق مشروع منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة عام 2001 بطموحات كبيرة تسعى إلى تحويل مدينة العقبة إلى مدينة عصرية متقدمة جاذبة للاستثمار ومتطورة، لتوازي المدن العصرية اقتصادياً وعمرانياً وتعليمياً وصحياً وخدماتياً، ولتكون منطقة تنموية استثمارية متعددة الانشطة الاقتصادية تتميز بكونها منطقة اقتصادية خاصة معفاة من الرسوم الجمركية ومعظم الضرائب.
وقد جاء إنشاء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة كأحد أدوات حل إشكاليات الاقتصاد الأردني ووضعه على خارطة الاقتصاد العالمي من خلال تعظيم معدلات النمو الاقتصادي وخلق عدد كبير من فرص العمل عن طريق جعل العقبة مقراً استثمارياً دولياً منافساً.
سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة هي المؤسسة التي أوكل إليها المسؤوليات التنظيمية والإدارية والمالية والإقتصادية لتطوير وإدارة المنطقة، حيث توفر السلطة بيئة استثمارية مبسطة وتُشجّع مشاركة القطاع الخاص في كافة أعمال التطوير والتنمية في المنطقة، ما يضمن توفير بنية تحتية وخدمات ذات مستوى عالٍ للمستثمرين والزوار والمقيمين في العقبة على حد سواء. حيث اعتمدت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة مخططاً تنظيمياً شاملاً يغطي النشاطات التنموية في المنطقة على مستوى القطاع السياحي والتجاري والصناعي واللوجستي، بالاضافة إلى قطاعات الاستثمار الاخرى.
حققت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة العديد من الانجازات في جميع المجالات التي تهم المنطقة، فقد اهتمت بمجال تطوير البنية التحتية، حيث تم تخصيص عدة مواقع لإقامة مشاريع سكنية لمواجهة التزايد السكاني في المنطقة الخاصة، وتم الاهتمام بتطوير القطاع الصحي والطبي في المنطقة، لذلك تم تخصيص مواقع مناسبة لإقامة مستشفيات متخصصة بالإضافة إلى تمكين الأطباء من إنشاء مراكز طبية ضمن الأحياء السكنية، بحيث تشمل الاختصاصات كافة التي يحتاجها سكان وزوار وسياح المنطقة. بالإضافة أيضاً إلى الاهتمامات البيئية ورفع مستوى الخدمات المتقدمة في مجال النظافة وزيادة الرقعة الخضراء والإهتمام بمجال التقنيات الخضراء واستخداماتها للتمكن من حل المشكلات البيئية والتقليل منها، بالإضافة إلى تحسين البيئة البصرية للمنطقة من خلال معالجة التشوهات التنظيمية القديمة في بعض مواقع المدينة وتطوير بنيتها التحتية.
وتحتضن المنطقة الخاصة 32 رصيفا مينائياً عاملا متعددة الاستعمال تخدم المملكة ودول المنطقة ومراكز جمركية متطورة لتسهيل عمليات المعاينة والمناولة والتخليص. ومطارا دوليا يعمل بسياسة الاجواء المفتوحة قادرا على التعامل مع مليوني سائح سنوياً، اضافة الى مرفق شحن جوي على مستوى عالمي.
ولا شك أن أهم ما يميز منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة هو السياحة، حيث ارتكزت الرؤية الملكية للعقبة الخاصة التي أرادها الملك لتكون وجهه سياحية استثمارية تجارية على البحر الأحمر، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الاستثمارية التي أنشئت فيها ومنها: سرايا العقبة ومنتجع واحة آيلا وخليج تالا بيه بالإضافة إلى مرسى زايد. حيث تعد هذه المشاريع من أهم العوامل الجاذبة للسياحة الاستثمارية للمنطقة.
وتوافقاً مع الرؤى الملكية التي أولت التعليم والتعليم العالي أهمية كبرى كأهم عامل من عوامل التنمية البشرية, فإن سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة توليه اهتماما كبيرا لإعتباره الركيزة الأساسية للإصلاح الشامل في مختلف القطاعات. حيث قدمت السلطة 8 آلاف منحة دراسية لأبناء المجتمع المحلي في مختلف الجامعات والمعاهد الرسمية.
وتضم المنطقة الخاصة حالياً مدرسة دولية ومدارس حكومية وخاصة بالإضافة إلى ثلاث أكاديميات طيران وثلاث جامعات، منها جامعة خاصة وهي جامعة العقبة للتكنولوجيا التي تعد أول جامعة خاصة في جنوب الأردن. وقد تشرفت بأن كنت الرئيس الثالث لها وعملت جاهداً لتكون الرؤية والرسالة لها؛ استجابةً لرؤى جلالة الملك عبداللة الثاني، حيث أن وجود الجامعة في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة يعد من عناصر القوة الجاذبة لها لاسيما أنها تقع في منطقة ذات معدلات تنمية استثمارية وسكانية وسياحية أعلى من باقي محافظات المملكة.
ولا شك أن هذه الجامعات عملت على استحداث تخصصات بما يتناسب مع طبيعة المنطقة وحاجتها وفيما يتناسب مع سوق العمل ومع فرص العمل التي توفرها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لأبنائها من سكان المنطقة بالإضافة إلى أنها تهتم بتطوير برامج دراسية وتدريبية لتلبية الاحتياجات المحلية, بالإضافة إلى تشجيع الأبحاث والدراسات الهادفة إلى خدمة ومعالجة المشاكل والقضايا المحلية.
العقبة الاقتصادية الخاصة جاءت نتيجة رؤية ملكية ثاقبة استشرقت المستقبل وما زالت تحظى باهتمام كبير من الملك.
وعلى الرغم من التحديات والأزمات الاقتصادية والسياسية العديدة في المنطقة، إلا أن نسب النجاح الاستثمارية في منطقة العقبة الخاصة تسير في الاتجاه الصحيح لتتوافق مع الرؤى الملكية.
* رئيس جامعة العقبة للتكنولوجيا