أ.د. صلحي الشحاتيت * الجامعات البحثية والنمو الاقتصادي
تقوم الجامعات في العصر الحاضر بدور بالغ الأهمية في حياة الأمم والشعوب، على اختلاف مراحل تطورها الاقتصادي والاجتماعي؛ سيما وأنها لم تعد تقتصر على الأهداف التقليدية، من حيث البحث عن المعرفة والقيام بالتدريس، بل امتدت لتشمل جميع نواحي الحياة العلمية والتقنية والتكنولوجية، الأمر الذي جعل من أهم واجبات الجامعات المعاصرة التفاعل مع المجتمع للبحث عن حاجاته وتوفير متطلباته.
من هنا برز مفهوم الجامعات البحثية، وهي التي تخصص جزءًا كبيرًا من مواردها وإمكانياتها المادية لغايات البحث العلمي بدءًا من مرحلة البكالوريوس وحتى الدكتوراه، بما فيها الجامعات الخاصة والحكومية على حد سواء، حيث يعمل جميع أعضاء الهيئة العلمية في البحث العلمي كإهتمام أول ومستديم، وليس كمجرد وسيلة للحصول على المراكز الأكاديمية والترقيات.
تسهم هذه الجامعات بدور كبير في إحداث التنمية والتقدم من خلال ما تقوم به من أبحاث ودراسات في جوانب متعددة، منها الإقتصادية، والإجتماعية، وهذا ما أدركته بشكل جلي الدول النامية والمتقدمة.
وعلى سبيل الذكر أمريكا، حيث يوجد حالياً فيها ما يزيد على 250 جامعة بحثية على رأسها جامعة هارفارد، وستافورد، وبيركلي، وميتشغان وغيرها من الجامعات، بالإضافة إلى الكثير من الجامعات الأوروبية البحثية، مثال ذلك الجامعات البريطانية، مجموعة راسل، وقد كشفت دراسة حديثة مدى مساهمتها في النمو الإقتصادي؛ حيث تضخ الجامعات التي تركز على الأبحاث ما يقارب 86 مليار جنيه استرليني في الاقتصاد الوطني كل عام.
فعلى مستوى التعليم والتعلم قام طلبة جامعات مجموعة راسل للعام 2015/2016 والبالغ عددهم 166.000 طالب بالمساهمة في الإقتصاد البريطاني بمبلغ 20.7 مليار جنيه إسترليني، أما على مستوى البحوث التي أجريت في هذه الجامعات من العام نفسه، فقد أسهمت بمبلغ 34.1 مليار جنيه استرليني في الإقتصاد البريطاني. وكانت الصادرات التعليمية قد بلغت نحو 4.8 مليار جنيه إسترليني، وهي ناتجة عن رسوم التعليم الصافية والايرادات الأخرى المتعلقة بالدراسات من 100.000 طالب من الاتحاد الأوروبي وغير الأوروبي الذين التحقوا بدورات في جامعات مجموعة راسل.
وبتقدير بسيط نجد أن كل سبعة طلاب من خارج المملكة المتحدة يدرسون البكالوريوس في تلك المجموعة، يسهمون بمليون جنيه استرليني في الاقتصاد البريطاني، وغيرها من المساهمات العديدة.
ولا يختلف الحال لدى جامعات مجموعة الثماني الاسترالية، ففي تحليل تم اجراؤه لمعرفة مساهمة جامعات مجموعة الثماني في الإقتصاد الاسترالي لعام 2016، تبين أن هذه الجامعات ساهمت بمبلغ 66.4 مليار دولار في الإقتصاد الوطني، ومن خلال الأبحاث والخريجين والطلاب الدوليين وفرص العمل المختلفة، ووجدوا أنه مقابل كل دولار واحد يتم انفاقه على الأبحاث، يعود بالنفع على القطاع الخاص بحوالي 10 دولارات على أقل تقدير.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل آن الآوان لإحداث مجموعة جامعات أردنية بحثية تشمل شمال ووسط وجنوب الأردن، قادرة على سد حاجاتنا من العلماء والباحثين في شتى المجالات، بحيث تستوعب كل العقول الأردنية المتميزة في مجالات البحث والتطوير والإبتكار؛ من خلال نظام جامعي وإداري حديث يستوعب المتغيرات العالمية؟
يحتاج هذا النظام إلى تخطيط وتنظيم علمي متقن، لتحقيق التنمية الإقتصادية والاجتماعية المرجوة منه، لتكون أسوة بالجامعات في الدول المتقدمة تقنياً، فتركيز جامعاتنا الأردنية على مجال التعليم والتدريس ومنح الشهادات لا يكفي بتاتاً للمشاركة في بناء الاقتصاد الوطني والمساهمة في خلق مناخ نهضوي عام، ما لم تكن لدينا ركائز أساسية تجعل من البحث والاختراع والابتكار ثقافة وممارسة يومية في الحرم الجامعي.
*رئيس جامعة العقبة للتكنولوجيا