المركب -
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الأردنيون من شرائح مختلفة؛ خصوصا ذوي الدخل المحدود، ومع استمرار التأثيرات السلبية لظاهرتي البطالة والفقر على المجتمع، تظهر جلياً أهمية برامج المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص التي تنفذها منفردة أو بالشراكة مع القطاع العام، خصوصاً أن هذا المفهوم نشأ أصلاً لملامسة وتغطية إحتياجات المجتمعات المحلية، ومشاركة الشركات لهموم الناس ومشاكلهم.
وعلى الشركات أن لا تتبنّى برامج المسؤولية الاجتماعية للمجتمع وكأنها عبء عليها، بل يجب أن تنظر إليها كواجب يمليه عليها واجبها في المساهمة في التنمية الاقتصادية وكشكل من أشكال ردّ الجميل للمجتمع الذي أسهم في تطور أعمالها وتشكيل أرباحها.
ومن جهة أخرى، يجب أن تركّز شركات القطاع الخاص بمختلف أطيافها على المبادرات والمشاريع التي تحدث تأثيراً طويل المدى في المجتمع أو حياة الفرد الاجتماعية والاقتصادية، فليس أفضل من أن تمس برامج المسؤولية الاجتماعية قضايا البطالة والفقر والمساعدة على تحويل المشاريع الريادية الى إنتاجية، فضلاً عن أهميتها في دخولها قطاعات التعليم والصحة وتوفير المسكن.
"الغد" تحاول في زاوية جديدة أن تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمّن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية.
ذ بداية التعاون فيما بين "البنك العربي" و" صندوق الأمان لمستقبل الأيتام" في العام 2009-والذي تزامن مع إنطلاقة برنامج البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية "معاً"- عمل الطرفان في عدة محاور ساعدت في تعليم وتأهيل وتوظيف العديد من الشباب والشابات الأيتام الإيوائيين (الذي اعاشوا طفولتهم في دور رعاية الايتام، او الذي يعيشون مع احد الوالدين ويعانون اواضاع اقتصادية صعبة)، الامر الذي فتح لهم أبوابا لتحسين واقعهم الاجتماعي والاقتصادي في ظل غياب احد الوالدين أو كليهما.
وقد نجم عن هذا التعاون -الذي ما يزال مستمرا- العديد من الانجازات وقصص النجاح التي تروي حكايا فتح ابواب الامل والتقدم وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي لشريحة فقدت واحدا من أعمدة الأسرة وعانت نتيجة لذلك اوضاعا اقتصادية صعبة، حيث توزعت هذه النجاحات في ثلاثة محاور مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا: في دعم تعليم الايتام، التدريب المهني، ومساعدتهم على التوظيف.
ووفّر هذا التعاون بين الطرفين فرصة لتوفير دعم أسهم في تعليم عشرات من الايتام تعليما جامعيا، او تدريبا مهنيا، ساعد هؤلاء الشباب على كسر حواجز الفقر والحاجة مع غياب المعيل للأسرة، اذا يشكل التعليم أساسا للنمو والتنمية الاقتصادية.
"ليلى"، وهو الاسم المستعار لإحدى الطالبات اليتيمات اللواتي انتسبن لبرامج صندوق الامان في العام 2013 واستفدن من دعم البنك العربي لبرامج الصندوق في مجال التعليم والتدريب المهني، عندما حصلت على منحة دراسية في كلية القدس، وتخرجت من الكلية في تخصص ادارة اعمال وسكرتارية، ما اعطاها القوة والبداية للحصول على عمل "يساعد اسرتها اليوم في مواجهة تكاليف الحياة المتزايدة، لا سيما وان عدد من افراد عائلتها ما يزالون على مقاعد الدراسة".
وتروي ليلى قصتها مع الصندوق وتقول: "بعد وفاة والدي، كنت بحاجة الى العون والمساعدة لاكمال دراستي وللحصول بعد ذلك على وظيفة تساعدني وتساعد اسرتي، وقد تقدمت لاحد برامج صندوق الامان وحصلت على منحة دراسية، وتخرجت، ولم يكتف الصندوق بذلك، بل تابعني بعد التخرج والحقني بدورة لتعلّم اللغة الانجليزية والمهارات الحاسوبيه والمهارات الحياتية، ما ساعدني كثيرا في تطوير مهاراتي وزيادة الثقة بنفسي، وزاد من فرصي للحصول على وظيفتي الحالية".
عن الامل والأثر الايجابي الكبير الذي تحدثه مبادرات وتعاون، مثل التعاون المستمر بين البنك العربي وصندوق الامان لمستقبل الايتام لدعم شريحة الايتام في المجتمع، يتحدث أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية سري ناصر قائلا: "ثمينة هي المبادرات من هذا النوع كونها تحمل معاني تعاضد مؤسسات المجتمع وتعاونها في مبادرة لها آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة، فضلا عن اهميتها الكبيرة في دعم شلايحة الايتام، التي غالبا ما تحتاج الى المعيل والكفيل لمساعدتها على تحمل اعباء الحياة".
ويرى ناصر أن الفرد منا هو من صناعة الأهل والوالدين اللذين يعيلان ويساعدان أطفالهم على اكمال دراستهم وتطوير مهاراتهم لتاسيس حايتهم الخاصة، ولدى غياب احد الوالدين أو كليهما، فاليتيم سيعاني كثيرا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، ومساندة هذه الشريحة من المجتمع تعطيهم بصيص الأمل وتجنبهم المشاكل السلبية التي يمكن ان تنجم عن غياب المعيل".
ويؤكّد البنك العربي: "ان تعاوننا مع صندوق الأمان يهدف الى المساهمة بتوفير فرص تعليمية جديدة للأيتام،حيث يشكل مجال التعليم أحد المحاور الأساسية التي يهتم بها البنك ويرتكز عليها برنامجه الخاص بالمسؤولية الاجتماعية (معاً) إلى جانب مجالات أخرى تشمل الصحة وحماية البيئة ومكافحة الفقر والجوع في المملكة، عبر مبادرات ومشاريع تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وإحداث أثر إيجابي طويل المدى على المجتمع والأفراد".
ويضيف "العربي" في ردّه على اسئلة لـ"الغد" بان هذا التعاون الذي بدأ في العام 2009 يعكس إيمان البنك بدور التعليم في إكساب الأفراد المهارات والمعرفة اللازمة، والتي تزيد من القدرة على إحداث التغيير والتطوير والابتكار والإبداع لدى الطلاب، فضلا عن مساهمة التعليم في تنمية الموارد البشرية في مختلف التخصصات.
ويعمل صندوق الأمان وبشكل سنوي على برامج متعددة تعنى بمساعدة الايتام في مجالات عدة منها التعليم، إذ يعمل الصندوق على برنامج لدعم الايتام وتمكينهم عبر برامج تعليمية وتدريبية لمساعدتهم على الاعتماد على الذات، ليتخرّج سنوياً مجموعة من الطلاب الجامعيين وآخرين من برنامج الصندوق للتدريب المهني، والذي يهدف إلى تنمية مهارات الطلاّب وإمكانياتهم قبل الدخول إلى سوق العمل، كما ويتيح البرنامج إمكانية لإيجاد فرص عمل لهم من خلال اكتساب المعرفة وتطوير المهارات خلال فترة التدريب، كما يجري تعزيز إمكانيّات الأيتام لمساعدتهم على إيجاد مصدر دخل مناسب.
ويوضح " العربي" في اجاباته بان تعاونه مع صندوق الامان ودعمه له حقق العديد من الانجازات التي لا تزال مستمرة، عندما قام "العربي" بدعم عدد من الطلاب الأيتام على مدى السنوات الماضية: ففي العام 2009 دعم 4 طلاب جامعيين على مدى 4 سنوات للدراسة في الجامعات الأردنية، وبعدها بسنتين في الـ 2011 دعم 50 طالب مهنيين للدراسة المهنية لمدة سنة، كما واسهم في العام 2012 في توظيف 4 من الخرّيجات اللاتي حصلن على تدريب خاص في بناء القدرات لتمكينهنّ من إدارة مركز خدمات للطلاب في محافظة معان.
ويضيف "العربي" بان الدعم المقدم لصندوق الامان خلال الفترة العام 2012-2017 يشمل دعم 32 طالب مهني لمدة 4 سنوات (بواقع 8 طلاب في كل سنة) بالإضافة إلى دعم 8 طلاب جامعيين على مدى 4 سنوات، وكل ذلك الى جانب حرص البنك العربي على اشراك عملائه وذلك من خلال جهوده الحثيثة نحو تعزيز وتنمية المجتمع المحلي، عبر قنواته المصرفية من أجل تمكين العملاء وإتاحة الفرصة لهم بالمساهمة في تقديم التبرّعات لصندوق الأمان، وغيرها من المؤسّسات غير الهادفة للربح والمشاركة ضمن برنامج "معاً".
ويشدّد البنك العربي على اهتمامه بفئة الأيتام لإيمانه بإمكاناتهم وحاجتهم لتعزيزها وتمكينهم، إضافةً إلى تنمية قدراتهم التي تؤهلهم إلى دخول سوق العمل والانخراط فيه، مشيرا الى انسجام رؤية البنك في هذا المجال مع استراتيجية صندوق الأمان لمستقبل الأيتام من خلال التعاون على بناء قدرات الشباب والشابات الأيتام من خريجي دور الرعاية الذين لا معيل لهم، وتزويدهم بالمهارات الضرورية للوصول إلى مرحلة الاعتماد الكلي على النفس، ليصبحوا أفراداً ناجحين ومنتجين في المجتمع، وخصوصا ان الصندوق على توفير الفرص لهؤلاء الشباب والشابات لإكمال تعليمهم الأكاديمي أو تدريبهم المهني بالشكل الذي يتيح لهم فرص الالتحاق بسوق العمل وتحقيق الحياة الكريمة لهم ولأسرهم.
وعن اهمية دعم شريحة الايتام ودعم تعليمهم، يقول المدير العام لصندوق الامان لمستقبل الايتام ابراهيم الاحمد إن سن الثامنة عشرة بداية مرحلة جديدة للأيتام من عدم اليقين، وعدم الشعور بالأمان، والخوف، فلدى مغادرتهم دور رعاية الأيتام يفترض بهم أن يشقوا طريقهم بأنفسهم وهنا، يواجه كثير منهم خيبة الأمل، بسبب افتقارهم للمهارات والدعم المادي والمعنوي اللازم للنجاح في بناء مستقبل لأنفسهم وإكمال تعليمهم الأكاديمي أو المهني. ولذا أصبحت هذه المجموعة من الشباب المحرومين الفئة المستهدفة من قِبَل صندوق الأمان في العام 2006، وذلك لدى تأسيسه من قبل جلالة الملكة رانيا العبد الله، كمؤسسة مستقلة غير حكومية مسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية.
وعن دعم البنك العربي للصندوق يبيّن الاحمد أن دعم التعليم لشريحة الايتام يسهم في تغيير حياتهم ومستقبلهم، من خلال تحقيق حلمهم بالتعليم و يوصلهم إلى بر الامان ومرحلة الاعتماد على النفس ليصبحوا افراد ناجحين مثقفين ومنتجين في المجتمع.
وقال إن صندوق الايتام منذ انطلاقته في العام 2006 ساعد حوالي 2875 شابا وشابة يتيماً بالتعليم، بما في ذلك 785 فرداً من جيوب الفقر. ويوجد حاليا 588 مستفيد ومستفيدة من صندوق الأمان المسجلين في الجامعات، 31 شخصا منهم ملتحقون بالدراسات العليا و95 منهم مسجلون في دورات التدريب المهني، و6 طلاب يكملون دراسة الماجستير.