عميد آل البيت   |   《الميثاق الوطني》يُطلق سلسلة حوارات حزبية نقابية بمبادرة من لجنة الشؤون   |   لجنة النقل النيابية بمجلس النواب تحدد ضوابط النقل عبر التطبيقات الذكية والتكسي الأصفر بتشاركية مع الحكومة   |   العجارمة تفوز بحائزة أفضل مهني شاب الأميركية لعام   |   صرخة من المنطقة الحرة: قرارات حكومية تقود قطاع المركبات إلى الهاوية   |   ورشة تعريفية بجائزة الحسن للتميّز العلمي بدورتها للعام 2026    |   عمّان الأهلية تشارك في القمة العالمية الأولى لشعوب العالم بموسكو ... صور   |   منصّة زين والمركز الأردني للتصميم والتطوير يطلقان النسخة الثالثة من برنامج الأمن السيبراني في الجامعات الأردنية   |   فنادق مكة سخّرت احتفالاتها لإشراك المعتمرين في فعاليات اليوم الوطني   |   افتتاح منتدى استثمر بالاقتصاد الرقمي   |   مدارس كنجستون والرأي تنظمان بطولة التأييد لمواقف جلالة الملك عبدالله   |   بمناسبة اليوم العالمي لمرض الزهايمر   |   الميثاق الوطني يزور البادية الجنوبية ويلتقي نواب ووجهاء وشيوخ عشائر في لواء الحسينية        |   شقيق الزميلة الاعلامية منى الشوابكة في ذمة الله   |   مجمع الملك الحسين للأعمال يستقبل آلاف الزوار ضمن مهرجان The Park Festival   |   جورامكو وشركة مشروع البحر للتوعية الخيرية ProjectSea تتعاونان لتنفيذ حملة لتنظيف شاطئ وجوف البحر في العقبة   |   هيئة تنشيط السياحة تنظم ورشة تدريبية متخصصة حول السياحة المستدامة، وذلك بالشراكة مع منظمة CBI الهولندية   |   《تجارة عمان》 تبحث مع سفير الأردن في البرازيل سبل تعزيز التعاون الاقتصادي   |   ستوكهولم تقدم للعالم نموذجاً بديلاً لمكافحة التدخين   |   تعلن جامعة فيلادلفيا عن حاجتها لتعيين أعضاء هيئة تدريس للعام الجامعي 2025   |  

الحراك الاجتماعي والوجود والوعي والتاريخ


الحراك الاجتماعي والوجود والوعي والتاريخ
الكاتب - إبراهيم أبو عواد

الحراك الاجتماعي والوجود والوعي والتاريخ

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

1

     الحَرَاكُ الاجتماعي هو النَّوَاةُ المركزية لوجود الإنسان ، التي تُمثِّل منظومةً معرفيةً قائمةً على العقلانيةِ والوَعْيِ بالتَّغَيُّرات الجَذرية في الواقع المُعاش ، وتحقيقِ مصالح المُجتمع أفرادًا وجَمَاعَات . وهذه المصالحُ لا تنفصل عن النَّزعة الإنسانية التي تُحَرِّر العقلَ الجَمْعِي مِن الخَوف ، وتُخَلِّص الفِعْلَ الاجتماعي مِن التناقض بين الخَيَالِ والحقيقةِ . وإذا كانَ المُجتمعُ يَستمد شرعيته مِن كَوْنِ الإنسان فاعلًا للأحداث ، وصانعًا للأشياء ، فإنَّ الوَعْي يَستمد فلسفته مِن كَوْنِ المُجتمع مصدرًا للمَعرفة ، وطريقةً لاستعادةِ التاريخ كَكِيَان فِكري لا أيديولوجية استهلاكية ، مِمَّا يُبْرِز قيمةَ الحياةِ _ على الصَّعِيدَيْن الشَّخْصِي والجَمَاعِي _ بِوَصْفِهَا سلسلةً منطقيةً مِن التفاعلات الاجتماعية الرمزية التي تَرْمِي إلى ابتكارِ حُلول إبداعية للمُشكلات اليومية ، وتغييرِ أُسلوب التعامل معَ موارد الطبيعة ، بحيث يتم الاستفادة مِنها لا استنزافها . وهذا لا يَتَأتَّى إلا بِدَمْجِ إفرازاتِ العقل الجَمْعِي مع انعكاساتِ الفِعْل الاجتماعي ضِمْن سِيَاق عقلاني يُعيد الاعتبارَ لوجودِ الإنسانِ كشخصيةٍ فاعلةٍ وهُوِيَّةٍ فَعَّالةٍ ، ويُعيد الاعتبارَ لمركزيةِ المُجتمع ِكَسُلطةٍ حُرَّةٍ وكَينونةٍ مالكةٍ لِمَسَارِها ومَصِيرِها .

2

     اكتمالُ الوَعْي في الحَرَاك الاجتماعي يَمنح الإنسانَ القُدرةَ على تأسيسِ المعايير الأخلاقية في الأحداث اليومية ، وصناعةِ الأنساق الحياتية في مصادر المعرفة ، مِمَّا يَدْفَع باتِّجاه تَكوين حالة من التكامل بين الحياةِ والمعرفةِ ، تُخرِج الواقعَ المُعَاشَ مِن السَّلْبِيَّة ، وتُعيد بِنَاءَهُ على قاعدة وجودية صُلبة تتكوَّن مِن الفِعْلِ الاجتماعي العقلاني ، وتغييرِ زوايا الرُّؤية للأشياء ، وأنْسَنَةِ النظامِ الاستهلاكي المادي الذي وَضَعَ قُيودًا على الإنسان ، وَشَلَّ قُدْرَتَه على الفِعْلِ والتغييرِ . وإذا تَحَرَّرَ الإنسانُ مِن قُيوده ، فَسَوْفَ يُصبح قادرًا على تحقيق التوازن بين الرَّغبةِ والإرادةِ، مِمَّا يَحْمِيه مِن الوَعْيِ الزائف،والشُّعُورِ بالغُربة_نفسيًّا واجتماعيًّا_، الذي يَنتُج عن غَرَقِ الإنسان في قوالب الفِكْر التاريخي المُؤَدْلَجِ سياسيًّا، والعاجزِ عن تأويلِ الماضي ، ومُوَاكَبَةِ الحاضر ، واقتحامِ المُستقبل. وهذا يُوضِّح أهميةَ تكريسِ الفِكْر التاريخي داخل البُنيةِ الوظيفية للإنسان في المُجتمعِ والطبيعةِ ، كَي يُصبح التاريخُ جسدًا للفِعْلِ الاجتماعي ، وتجسيدًا للحُلْمِ الواقعي ، وَوَعْيًا مُتَجَدِّدًا يُؤَدِّي إلى مَعرفةِ الإنسانِ بِذَاتِهِ ومُجْتَمَعِهِ وكيفيةِ تحليل وُجوده المعنويِّ والماديِّ ، وهذا يُسَاهِم في دَمْجِ الزمانِ والمكانِ معًا في الفِكْر التاريخي ، وتحويلِ التاريخ إلى بَوَّابَةِ للمُستقبَل ، ولَيْسَ عَقَبَةً في طريق المُستقبَل .

3

     قواعدُ البناءِ الاجتماعي المُتَحَكِّمَةُ في مَسَارِ الإنسانِ تاريخيًّا وحضاريًّا ، تُحَدِّد آلِيَّاتِ التأويل اللغوي للمعرفةِ والمصلحةِ ، وتُحَدِّد ماهيَّةَ العلاقةِ بَين التاريخِ المَنسي في داخل الإنسان ، والتاريخِ المُهَمَّش في داخل المُجتمع، وإذا كانَ المَعنى الحَيَاتي يَظْهَر ويَختفي تَبَعًا لإفرازات العقل الجَمْعي، واعتمادًا على مَصَادِر المعرفة، واستنادًا إلى شبكة العلاقات الاجتماعية ، فإنَّ التأويل اللغوي يَظْهَر وَيَخْتَفي تَبَعًا لأنساقِ الوَعْي ، واعتمادًا على التُّرَاث الحضاري ، واستنادًا إلى الأفكار المَقموعة . والظُّهُورُ والاختفاءُ في ثُنائية ( المَعنى الحياتي / التأويل اللغوي ) لا يُمكن السَّيطرة عليهما إلا بإعادةِ الوُجود إلى الوَعْي ، وإعادةِ الوعي إلى التاريخ . وإذا كانَ التاريخُ حَلَقَاتٍ مُتَّصِلَة لُغويًّا ، باعتبار أنَّ اللغة هي التي تَمْنَح التاريخَ مَعْنَاه وجَدْوَاه، وتَحْمِي وُجودَ الإنسانِ من القطيعة المعرفية ، فإنَّ الحضارةَ دوائر مُتشابِكة معرفيًّا ، باعتبار أنَّ المعرفة هي التي تَمْنَح الحضارةَ هُوِيَّتَهَا وسُلْطَتَهَا ، وتَحْمِي الحَرَاكَ الاجتماعي مِن الانفصال اللغوي .

4

     الحَرَاكُ الاجتماعي يَحْمِي وُجودَ الإنسانِ مِن الأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المُتصارعةِ والأحزانِ الكامنةِ ، ويُحَلِّل أنظمةَ الفِكر المُهيمنة على مَسَارَاتِ التاريخ . وإذا كانت السُّلطةُ الاجتماعيةُ هي القُوَّةَ المُوَلِّدَةَ لمصادر المعرفة ، التي تَحْكُم طبيعةَ التأويل اللغوي القائم على البُرهان ، وتَتَحَكَّم بالعقلِ المَوضوعي القائم على الاستدلال ، فإنَّ الهُوِيَّة الإنسانية هي الفاعليَّة التنظيمية للعلاقات الاجتماعية ، التي تُسَيْطِرُ على سِيَاقَاتِ الوَعْي القائم على التَّحَرُّر ، وتُهَيْمِنُ على السُّلوكِ الوظيفي القائم على التاريخ . ومُهِمَّةُ الإنسانِ في المُجتمع أن يَمنع الوَعْيَ مِن العَيش خارج الحرية ، ويَمنع التاريخَ مِن العَيش خارج اللغة ، وهذا الأمرُ في غاية الأهمية ، لأنَّه يُحَوِّل وُجودَ الإنسان مِن فلسفة الاتِّبَاع إلى فلسفة الإبداع ، ويَنقُل التفاعلاتِ الاجتماعية الرمزية مِن نمط الاستهلاك المادي إلى نَسَق التوليد الفِكري ، فَيَتَأسَّس واقعٌ جديدٌ يُوازن بين السُّلطةِ والهُوِيَّةِ ، ويَتَكَرَّس فِكْرٌ جديدٌ يُوازن بين الوَعْيِ واللغةِ .